طنجة عاصمة الفن والحداثة ملهمة في التأثير الثقافي والرمزي على الفنانين والادباء على مر القرون
الرباط – قريش
لم يخف رئيس مجلس الدولة المصري، والوفد القضائي المرافق له، إعجابهم وانبهارهم من قصر الثقافة والفنون بطنجة، الذي احتضن فعاليات ندوة دولية نظمتها محكمة الاستئناف الإدارية حول موضوع “الدور الإنشائي للقضاء الإداري”، مؤخرا.. القصر فعلا يعد معلمة ثقافية شاهدة على النبوغ المغربي، مما جعله قبلة لانعقاد كبريات الملتقيات، ومن أبرزها المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة..
قصر الثقافة بطنجة.. ضمن حصيلة 2024 :
عرفت جهة طنجة – تطوان- الحسيمة خلال سنة 2024 تنظيم تظاهرات كبرى من خلال الاحتفاء بالأدباء والمبدعين والفنانين وتكريمهم، وبتدشين معلمة ثقافية هي قصر الثقافة والفنون. وذلك في إطار المبادرة الملكية والجهود الجهوية لوزارة الثقافة والشباب والرياضة- قطاع الثقافة تحقيقا للعدالة المجالية.
طنجة البرزخ بين بحرين، لا يلتقيان، التقت فيها أهم حضارات البحر المتوسط فينيقية، رومانية، ووندالية وعربية؛ ومنحتها تنوعها وتميزها وعالميتها، وها هي الآن تكتب وجودها المغربي الحديث مزاراً سياحياَ وقطبا صناعيا، وتسعى لتكون كذلك قطبا ثقافيا في إطار العدالة المجالية التي يجب أن تجعلها كذلك مركزا ثقافيا وطنيا بـ “قصر الثقافة والفنون” على غرار المسرح الملكي للرباط والمسرح الكبير للدار البيضاء. وتشكل طنجة اليوم، فضاء للاستقطاب الثقافي بمواصفات عالمية، بإيمان وإصرار، لتكون طنجة التحديات والرهانات ليس فقط في الاستعداد لاحتضان تظاهرات كأس العالم بل أيضا للترويج الثقافي المتجذر من خلال ما يزخر به شمال المغرب من مؤهلات تاريخية، جغرافية، أثرية، وإثنوغرافية بوأته مكانة رائدة على المستوى الثقافي.
طنجة والنبوغ المغربي:
وما تحقق اليوم في طنجة، مدينة النبوغ المغربي من عدالة مجالية، بفضل التعاون المثمر بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع الثقافة – وولاية جهة طنجة-تطوان-الحسيمة ومجلس الجهة وجماعة طنجة، لهو حلم النخب من جيل الرواد في مدينة وسمت بالكونية.
وقصر الثقافة والفنون هذه الشرفة الزرقاء، المطلة على المتوسط، والتحفة المعمارية التي افتتحت سنة 2024 من ثمار هذا الحلم الثقافي الذي تحقق في هذه المعلمة التي تتوفر على قاعة كبرى للعروض تتسع لـ1400 شخص، وصالتين تتسعان لـ200 شخص، إضافة إلى استوديو التسجيلات، وقاعة للورشات، وصالتين متعددتي التخصصات، وعدد من المرافق الأخرى. كل هذا جعل من موقعها الاستراتيجي محجا للثقافة والإبداع وتنظيم التظاهرات الوطنية والدولية الكبرى.
وعلى مقربة من هذه المعلمة الثقافية الجديدة، ينتصب تاريخ طنجة الثقافي العريق ممثلا بفيلا هاريس التاريخية، هذه البناية التي شيدها والتر بورتون هاريس 67 سنة (1866-1933)، المراسل الصحفي لجريدة التايمز في المغرب، والتي ظلت مهجورة لسنوات قبل أن تعيد إليها وزارة الثقافة الحياة من جديد بترميمها لتصبح متحفا للمعارض الفنية.
ونسلط في هذه الحصيلة الثقافية الضوء على المنجز الثقافي لعام نودعه، وآخر نستقبله بأهم الأحداث والتظاهرات البارزة التي عرفتها الجهة في المجال الثقافي. ففي سنة 2024 تم تنظيم مجموعة من التظاهرات الثقافية والفكرية والفنية.
وفي هذا الإطار، لأول مرة سيحتضن قصر الثقافة والفنون فعاليات منتدى “ميدايز”، في دورته السادسة عشرة المنظمة تحت الرعاية الملكية لمحمد السادس، بقصر الثقافة والفنون “بمشاركة 250 متحدثا رفيع المستوى، من بينهم رؤساء دول وحكومات وصناع القرار السياسي، وحائزون على جوائز نوبل، ورؤساء شركات دولية كبرى وشخصيات مؤثرة، أمام جمهور يفوق 6000 مشارك من أكثر من مائة دولة.
وأيضا احتضن قصر الثقافة والفنون تظاهرة عالمية، وذلك بعد فوز طنجة بشرف تنظيم اليوم الدولي لموسيقى الجاز من طرف منظمة اليونسكو ومعهد هيربي هانكوك لموسيقى الجاز، من خلال برنامج حافل امتد ما بين 27 و30 أبريل 2024. وتعد طنجة أول مدينة على صعيد القارة الإفريقية تحتضن هاته التظاهرة التي تعد الأضخم من نوعها في الاحتفال بموسيقى الجاز.
زهور أمهاوش، هي المديرة الجهوية لوزارة الثقافة والشباب والرياضة قطاع الثقافة بجهة طنجة تطوان- الحسيمة، تفتخر بالحصيلة الثقافية لسنة 2024، وتتحدث عن الجهود المبذولة بعمق واحترافية ونكران الذات، وهي نموذج للمرأة المغربية الكاريزمية والمسؤولة، التي تسخر كفاءاتها وقدراتها للإسهام في تنمية بلادها وتعزيز إشعاعها الثقافي.
ووفاء من المديرية الجوية للثقافة لتسليط الضوء على الحضور المغربي الثقافي والفكري، فقد أطلقت المديرية الجهوية مشروعا ثقافيا يحمل عنوانا بارزا: “صالون النبوغ المغربي”، هذا الصالون الذي دشن موسمه الثقافي الجديد لهذه السنة بدرس افتتاحي، ألقاه الشاعر والروائي ووزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري. ويروم مشروع “صالون النبوغ المغربي” بحسب ما صرحت به المسؤولة على قطاع الثقافة زهور أمهاوش أن “يكون محفلا للفكر والآداب والاحتفاء بالمبدعين، والترافع على تمغربيت”.
تكريم شاعر كبير من رواد الشعر المغربي:
وسجلت المديرة الجوية زهور أمهاوش، أن التظاهرات الثقافية التي تنظم على مستوى الجهة، لها دور رئيسي في الصناعات الثقافية والنشر، وكذا في الرواج الاقتصادي والمجتمعي، حيث أن الوزارة على ضوء استراتيجيتها المفتوحة والمهيكلة في تنزيل الدولة الاجتماعية والاسهام في النموذج التنموي الجديد لها “إرادة لربط الكتاب والقراءة بالفنون وبالنشاط الاقتصادي لأجل الترويج لمدن الجهة: طنجة وتطوان والحسيمة وشفشاون ووزان.” وهذا الإسهام ترجم على أرض الواقع من خلال الاشتغال مع مع الفاعلين والمهنيين على تقوية أسس صناعة ثقافية صلبة، تنتصر للموروث الثقافي المغربي بما قد نصطلح عليه بـ “تمغرابيت”.
وفي مستهل حديثها قالت المسؤولة الجهوية زهور أمهاوش إن سنة 2024 تميزت بحدث بارز هو تكريم أحد الشعراء المغاربة الكبار الرواد: الشاعر عبدالكريم الطبال من خلال فعاليات الدورة الثانية عشرة للمعرض الجهوي للنشر والكتاب، والتي نظمت تحت شعار “شفشاون.. مدارات التاريخ والابداع” خلال شهر يوليوز 2024. هذا المعرض الذي احتضنته شفشاون احتفت من خلاله المديرية الجهوية للثقافة بالكتاب والناشرين عبر عرض آخر الاصادرات وتقديم عروض وتوقيع مؤلفات وإصادرات جديدة للباحثين والأدباء والمبدعين والشعراء على مستوى مدن الجهة (طنجة، تطوان الحسيمة، القصر الكبير، العرائش، وزان وشفشاون) وانعقدت خلاله محاضرات وندوات نقدية وفكرية تقاطعت في تيمات متعددة، وهي ندوة “عبد الكريم الطبال.. المدينة والقصيدة”، وندوة “شفشاون.. مدارات التاريخ والابداع”، وندوة “شفشاون في الإنتاج السمعي البصري”، ومحاضرة حول “المدينة في التشكيل المغربي”. فضلا عن أروقة للناشرين والكتبيين يمثلون الجهة إلى جانب مدن أخرى.
وأوضحت المسؤولة الجهوية، أن الوزارة تهدف من المعارض الجوية للكتاب التي دأبت على تنظيمها سنويا بهدف دعم صناعة الكتاب جهويا ووطنيا، وتعزيز الفعل الثقافي في مختلف تمظهراته، من خلال تنظيم ورشات ومحترفات في الرسم والمسرح والحكي لفائدة الأطفال والشباب.
مواعيد ثقافية وإشعاع تنموي لتعزيز الجاذبية للتراث المحلي:
عرفت سنة 2024 مواعيد ثقافية، راهنت على التحديات المعاصرة، بما في ذلك التهديدات التي تطال العديد من المعالم التاريخية بسبب الإهمال والتوسع العمراني، من خلال رد الاعتبار للمآثر التاريخية بترميمها كما هو الشأن بالنسبة للقصبة الأثرية ومسرح الهواء الطلق بشفشاون.
يشار إلى أن المديرة الجهوية، زهور أمهاوش، هي خريجة المعهد الوطني للعلوم الأركيولوجية والتراث (تخصص مآثر تاريخية) والحاصلة أيضا على شهادة الدراسات العليا تخصص المحافظة الوقائية وترميم المتحف. وقد راكمت تجارب في عدد من المسؤوليات والمهام في مجال التراث فقد تقلدت أمهاوش، الأركيولوجية، العديد من المناصب ذات الصلة بالميدان الثقافي، من بينها محافظة مساعدة للمآثر والمواقع التاريخية بمركز الدراسات والأبحاث العلمية بالريصاني، ومحافظة مساعدة للمآثر والمواقع التاريخية بالمندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة بالصويرة، ومحافظة متحف سيدي محمد بن عبد الله بنفس المدينة.
وهي أيضا باحثة قامت بالعديد من الأبحاث في الميدان الأركيولوجي والمعماري والثقافي من بينها دراسة حول “مسجد الأوداية: دراسة هندسية ومشروع الترميم” ودراسة أخرى حول “التحف الحديدية، مشكل الصدأ وطرق صيانتها”.
ومن هنا، وفي إطار استراتيجية الوزارة عملت المديرية الجهوية إلى جانب شركائها المؤسساتيين والرسميين على تعزيز الثقافة المحلية بالجهة، وإبراز التراث الثقافي والتاريخي والمعماري العتيق كمورد حيوي يسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المستهدفة في إطار خطط التنمية المستدامة، بدعم العديد من المشاريع الثقافية والتربوية التي تهدف إلى الحفاظ على هذا الموروث للأجيال القادمة.
تجدر الاشارة، أن طنجة أصبحت اليوم إلى جانب مدن شمال المغرب، العنوان الأبرز في الأجندة الثقافية الوطنية وبالتالي أعطت المشاريع والتظاهرات الثقافية السنوية الوطنية والدولية، المكانة اللائقة بطنجة المدينة الكونية المتعددة الثقافات والحضارات لتكون أيقونة النبوغ المغربي في أقصى تجلياته ومضامينه.