ميول ترامب الاستبدادية..من أين والى أين؟

29 يناير 2025
ميول ترامب الاستبدادية..من أين والى أين؟

ادهم ابراهيم

تميزت فترة ولاية الرئيس ترامب السابقة في البيت الأبيض بنهج غير تقليدي للحكم أثار مخاوف بشأن الاستبداد .
ان نزعته لتأسيس ديكتاتورية عالمية تستند إلى أحداث واقعية ، وكذلك من أسلوبه في القيادة وتصريحاته الجديدة،  تعززها سياسات أمريكا ونفوذها العالمي، لعظم قوتها الاقتصادية وتفوقها التكنولوجي وقدراتها العسكرية . ومن خلالها يسعى ترامب إلى تأكيد هيمنة الولايات المتحدة على المسرح العالمي.
وقد ذهبت مجلة ذا ويك الصادرة في شباط/فبراير العام الماضي إلى أبعد من ذلك برسم كاريكاتيري لترامب وهو يرتدي زيًا عسكريًا وكتافًا ذهبية، وقبضته اليمنى مرفوعة، بعنوان  ”  ديكتاتور في الانتظار؟” “.  والفكرة واضحة: دكتاتورية ترامب ستكون شبيهة بالفاشية او النازية .

يرى ترامب أن الكوكب عبارة عن لعبة احتكار كبيرة، حيث يتنافس العديد من المنافسين للسيطرة على الأصول القيمة. سواء العقارات أو الأسواق أو الموارد .

     ان عبارة ” أمريكا أولاً ” سوف تغير بشكل عميق علاقات واشنطن مع العالم الخارجي . حيث تؤكد على التفرد والانعزالية تجاه الاتفاقيات الدولية، والتي يمكن أن تزعزع استقرار التعاون العالمي بشأن القضايا الحرجة مثل تغير المناخ والتجارة والأمن وموقفه من منظمة الصحة العالمية وغيرها .
وهي تعني بوضوح ابتزاز التنازلات والموارد من الدول الأخرى، اضافة الى الصفقات غير المبالية بالعلاقات الدولية والتحالفات .

وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست عمودا طويلا بقلم رئيس تحريرها،  بوب كاجان . كتب فيه “لا يمكننا أن نلوم ترامب على تزييف كلماته: “هناك طريق واضح نحو الدكتاتورية في الولايات المتحدة، وهو يقصر يوما بعد يوم”، ويضيف  “إن دكتاتورية ترامب أصبحت حتمية أكثر فأكثر. يجب أن نتوقف عن التظاهر. » يجادل كاجان بأن الديكتاتورية أقرب بكثير مما يدركه الأمريكيون .

وعلق جوناثان فريدلاند المحرر في الغارديان على تصرفات ترامب بقوله
أن زعيم أقوى دولة في العالم يتصرف مثل دكتاتور مستبد يهدد الديمقراطية .

التخوف من النزعة الدكتاتورية لترامب نابعة من قدرات امريكا وتفوقها في مجالات كثيرة :
مثل قوة الدولار ، الذي يعتبر العملة الاحتياطية الأساسية في العالم، وهو الوضع الذي يمنح الولايات المتحدة نفوذًا كبيرًا على الاقتصاد العالمي. خلال رئاسة ترامب، تم استخدام هذه القوة المالية لفرض العقوبات وممارسة الضغط على الدول التي عارضت المصالح الأمريكية .
وغالبا ما ينظر الى هذه التكتيكات  على أنها قسرية تهدف إلى عزل  الدول المعنية اقتصاديًا وسياسيًا، مما يجبرها على الامتثال للمطالب الأمريكية أو مواجهة عواقب اقتصادية معوقة.
ومثل هذه التدابير تعكس نهجًا استبداديًا، حيث يتم إسكات الأصوات المعارضة من خلال التعاون الاقتصادي بدلاً من الحوار الدبلوماسي .

وكذلك الهيمنة التكنولوجية حيث أعطت إدارة ترامب الأولوية للتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والاتصالات السلكية واللاسلكية. واتخذت الإدارة موقفا متشددا ضد بعض الشركات ، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي . ويهدف ترامب إلى الحد من نفوذ الدول المتنافسة، في المشهد التكنولوجي العالمي .

وبالنظر الى القوة العسكرية ، طالما كانت الأسلحة والقدرات العسكرية الحديثة محورية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وشهدت إدارة ترامب زيادة في الإنفاق الدفاعي وموقفًا عسكريًا أكثر عدوانية، مع التركيز على إظهار القوة الأمريكية. مما يشير إلى استعداده لاستخدام القوة العسكرية لتأكيد السلطة .

كما عكس نهج ترامب تجاه التحالفات الدولية الميول الاستبدادية. وكثيرا ما شكك في الشراكات الطويلة الأمد، مثل حلف شمال الأطلسي، مطالبا الدول الأخرى بالمساهمة المالية بشكل أكبر . لم يهدد هذا السلوك استقرار التحالفات القائمة فحسب، بل بعث أيضًا برسالة مفادها أن الولايات المتحدة ستعطي الأولوية لمصالحها على الحوكمة العالمية التعاونية .

وحذر رئيس وزراء فرنسا بايرو من إن “الولايات المتحدة قررت اتباع سياسة مهيمنة على نحو لا يصدق من خلال الدولار، ومن خلال السياسة الصناعية، ومن خلال الاستيلاء على كل الأبحاث والاستثمارات” .

     امتدت ميول ترامب الاستبدادية إلى ما وراء حدود الولايات المتحدة، مما أثر على التصورات العالمية للديمقراطية والحكم. غالبًا ما كان خطابه يفضل قادة الرجال الأقوياء، وأعرب في مرات كثيرة عن إعجابه بالأنظمة الاستبدادية، مما يعطي  إشارات مختلطة حول مدى التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. وكان لهذا النهج صدى لدى مختلف الحركات القومية في جميع أنحاء العالم، مما شجع القادة الاستبداديين والاحزاب الشعبوية في العالم .

وتَظهر رؤيته الاستبداية تجاه العالم
من خلال محادثته الهاتفية الساخنة للغاية مع رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن في أنه يريد حقًا الاستيلاء على جزيرة غرينلاند من الدنمارك. هذا ما قاله خمسة مسؤولين أوروبيين كبار حاليين وسابقين لصحيفة فايننشال تايمز .

وفيما يتعلق بقناة بنما قال ترامب خلال خطاب التنصيب أن الولايات المتحدة “ستستعيد” قناة بنما.
مضيفا أنه “حان الوقت لنتحرك بشجاعة لأننا أمة عظيمة”.
وفي مناسبات كثيرة عبّر ترامب عن رغبته في السيطرة على القناة بذريعة ضمان الأمن الاقتصادي للولايات المتحدة، وتحدث عن خضوع هذا الممر البحري للنفوذ الصيني، ولم يستبعد استخدام القوة العسكرية لتحقيق غايته. علما ان بنما دولة مستقلة وإن معاهدة الحياد الدائم والدستور البنمي لا يمنحان ترامب الحق في استعادة القناة .

وكرر ترامب عدة مرات عن رغبته بضم كندا للولايات المتحدة ، واعدا بخفض ضرائبها في حال باتت ولاية أمريكية. وانتقد ما أسماه التكاليف الباهظة لحمايتهم. واعتبر أن كندا تمتلك موارد ومساحات شاسعة يمكن أن تعزز قوة الولايات المتحدة.

ودعى ترامب الى تهجير مليون الى مليون ونصف من فلسطينيي غزة ، ويطلب من ملك الاردن ورئيس جمهورية مصر العربية تهيئة مساكن لهم واصفا خطته بأنها قد تكون “مؤقتة أو طويلة الأجل” .

وهكذا ألقت رئاسة دونالد ترامب الضوء على اشكالية القوة الأمريكية في العالم الحديث. إن ميوله الاستبدادية، التي تتميز باستخدام العقوبات الاقتصادية والهيمنة التكنولوجية والقوة العسكرية، أعادت تشكيل دور الولايات المتحدة على المسرح العالمي. في حين استفاد ترامب من نقاط القوة الأمريكية لتأكيد السلطة . وأثارت تصريحاته  تساؤلات حاسمة حول مستقبل الديمقراطية والتعاون الدولي. وفي الوقت الذي يتصارع فيه العالم مع آثار رئاسته، لا يزال من الضروري تقييم التوازن بين المصالح الوطنية والعلاقات الدولية في مشهد عالمي متزايد الترابط .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com