أمريكا تولي ظهرها لأوكرانيا.. ماوراء المفاجأة

19 فبراير 2025
أمريكا تولي ظهرها لأوكرانيا.. ماوراء المفاجأة


أمريكا تولي ظهرها لأوكرانيا لتنطلق في بناء علاقة جديدة مع روسيا

المباحثات الروسية الأمريكية حول أوكرانيا في غياب أوروبا إقصاء ممنهج يكبل القارة العجوز

هل تقرر واشنطن وموسكو إنهاء الحرب في أوكرانيا بمنأى عن رأي كييف ؟

بقلم: عبد العزيز حيون

كاتب وصحفي من المغرب

أثبتت المباحثات التي أجرتها الولايات المتحدة  الأمريكية وروسيا الثلاثاء في العاصمة السعودية الرياض أن منحى  الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا يتخذ توجها جديدا يعكس ،بما لا يدع مجالا للشك ، أن واشنطن ولت ظهرها لكييف وحلفائها الأوروبيين  ،وفضلت بناء أسس جديدة لعلاقتها مع موسكو دون أن تكون أوكرانيا في صلب الاهتمام المستقبلي .

وفي هذا السياق تقترح الولايات المتحدة وروسيا  خطة سلام من ثلاث مراحل، تشمل وقف إطلاق النار، وإجراء انتخابات في أوكرانيا، ومن ثم التوقيع على اتفاق نهائي ،وهو المخطط المحتمل تنفيذه في الأفق المنظور دون أن يكون للاتحاد الأوروبي دور فيه ،مع التركيز على إجراء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا كأحد الشروط الأساسية لنجاح عملية تسوية الأزمة.

والدعوة من قبل موسكو وواشنطن الى إجراء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا بشكل خاص ليست دعوة عادية تدعم الممارسة الديمقراطية في البلاد بقدر ما هي رسالة موجهة لرئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي لإلغاء الأحكام العرفية في بلاده وإجراء الانتخابات ، خاصة وأن ولاية زيلينسكي انتهت في 20 آيار /ماي  2024 ، والذي أكد ما مرة أن تنظيم الانتخابات في الوقت الحالي “غير مناسب”.  

وترى روسيا أن السلطة الشرعية الوحيدة في أوكرانيا هي البرلمان ورئيس المجلس الأعلى (الرادا) ، وهو الموقف الذي تشاطره الولايات المتحدة مع روسيا  وهي تعتبر أن المفاوضات بشأن وقف المواجهات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا لا يمكن أن يشارك فيها إلا الرئيس المنتخب الذي ينال ثقة الشعب الأوكراني في “اقتراع ديموقراطي نزيه وشفاف ” .

وبالتالي تجعل روسيا والولايات المتحدة شرط إجراء الانتخابات في أوكرانيا كأحد الشروط الأساسية لنجاح عملية تسوية الأزمة ،وهو ما قد يفهم منه أن زيلينسكي لن يجلس على طاولة المفاوضات بغض النظر عن من سيشارك في المفاوضات ومن تم يفهم أنه أصبح شخصا غير مرغوب فيه بالنسبة لواشنطن على الخصوص ، إلا إذا ظهرت مستجدات تستدعي مشاركة الرئيس الأوكراني الحالي ،وهو أمر مستبعد حسب المعطيات الحالية وتطور الأحداث  .

والتقارب بين الولايات المتحدة وروسيا بدون أدنى شك لا يخدم مصالح أوكرانيا التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها خارج اهتمامات إدارة دونالد ترامب ،بعد أن كانت الورقة الأساسية التي توجه سياسة واشنطن في إوروبا في عهد الرئيس السابق جو بايدن والملف الذي كان يعرقل عودة الدفء  للعلاقات بين موسكو وواشنطن بدعم من الدول الأوروبية الوازنة .

 وفي ظل هذا التحول الجديد يزداد منسوب الثقة بين موسكو وواشنطن ، وهو ما يفهم من تصريح  متحدثة الخارجية الروسية في وقت سابق ،الذي يؤكد أن روسيا ” تلمس نية جادة ” لدى الإدارة الأمريكية الجديدة لمناقشة عدد من القضايا بما في ذلك أوكرانيا .

والتحول في موقف الولايات المتحدة بخصوص أوكرانيا يعتبره محللون أوروبيون أنه محاولة من ترامب ل”تمزيق أوروبا وتقسيمها الى تكتلات” ،واقصاء الاتحاد الأوروبي من أي مشاورات ومفاوضات تهم أوكرانيا ، كما أن العديد من الأوروبيين ينظرون إلى الوضع الحالي “بقلق وإحباط وحتى انزعاج ” أمام محاولة واشنطن المعلنة إعادة رسم الحدود في القارة العجوز بالقوة والجهر بأن لا صوت يعلو فوق صوتها .

وحسب مراكز البحث والدراسات الألمانية ،  فقد صدم الأوروبيون  بالسرعة والطريقة التي “استهدف بها ترامب ومساعدوه ركائز أمن “القارة العجوز ، و”السعي لإبرام  صفقة مع روسيا دون التشاور الكافي مع الحلفاء الأوروبيين” ، و”إقصاء  القادة الأوروبيين من طاولة  محادثات السلام مع روسيا تعنيهم بشكل خاص ” ،سواء فيما يتعلق بموضوع أوكرانيا أو بمواضيع استراتيجية حارقة منها سورية ،ومثل دور الناتو والخلاف حول المعاملات التجارية و القوات التي يمكن للمنتظم الأوروبي حشدها لأوكرانيا ل”ضمان هدنة” .

وأمام هذا الوضع السياسي الاستثنائي يبقى السؤال الأهم هو هل ستسمح أوروبا باستمرار مشاورات ومحادثات أقصيت منها ؟ ، وهل ستسمح بأن يتقرر مصير أوكرانيا دون الأخذ بعين الاعتبار موقفها وهي التي تتقاسم حدودها مع أوكرانيا ،وهي كذلك الجبهة المتقدمة لمنظمة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) نحو الشرق ؟.

وجوابا على السؤالين المحرجين للاتحاد الأوروبي ، يرى المستشار الألماني أولاف شولتس ب” نبرة متفائلة ” ،ربما لا تتماشى والتحولات السياسية الحالية ، أن  الدول الأوروبية سيطلب رأيها “بدون أدنى شك “،خاصة وأن الاتحاد الأوروبي  قدم دعما لأوكرانيا أكبر من الذي قدمته الولايات المتحدة ،مع الإشارة  إلى أن ألمانيا خصصت 44 مليار يورو لمساعدة أوكرانيا، بما في ذلك الإنفاق على اللاجئين الأوكرانيين كما  قدمت أيضا  28 مليار يورو من المساعدات العسكرية.

وأبعد من ذلك ،هناك من “هدد ” في الاتحاد الأوروبي  بوضع  خريطة جديدة للأمن الأوروبي ولوح باستعداد العواصم الغربية لمرحلة حاسمة للرد على المفاوضات الروسية الأمريكية التي تجري دون مشاركتهم  ،مع وضع خطط  لتعزيز الدفاع الأوروبي بشكل مستقل عن الولايات المتحدة بما في ذلك نشر قوات أوروبية ل”حفظ السلام والطمأنينة”  ،  ودعم أوكرانيا في  موقفها التفاوضي مع  أهمية ضمان دور أوروبي فاعل في أي تسوية مستقبلية.

ومقابل هذا وذك ، ترى الإدارة الأمريكية أنها تفضل إجراء المفاوضات عبر قناتين منفصلتين مع الروس والاوكرانيين بدون مشاركة “أطراف أخرى” (في إشارة الى الاتحاد الأوروبي )،فيما ترى روسيا أنه يجب أن تكون أوكرانيا دولة منزوعة السلاح ومحايدة ولا تنتمي إلى أي كتل أو تحالفات” ولن يكون لممثليها مكان على طاولة المفاوضات” على الأقل في وجود زيلينسكي على رأس هرم السلطة .

وفي الوقت الذي يحاول الاتحاد الأوروبي التعامل بسرعة مع الوضع الناشئ ، تبدي ألمانيا تحفظا كبيرا بشأن فكرة إرسال ما يُسمى بـ”قوات حفظ السلام”، وهو موقف يعكس الحذر الشديد الذي تبديه برلين إزاء أي خطوة قد تؤدي إلى تأزيم الوضع الحالي أكثر فأكثر وتصعيد التوترات في المنطقة والدخول في خلاف مباشر ومواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة .

ويتفق كثير من المحللين والسياسيين الأوروبيين على أن الوضع يحتم جهودا ديبلوماسية مكثفة والعمل بإيقاع سريع مع اتخاذ قرارات حاسمة  و جدية إن أراد المنتظم الأوروبي تدارك الوضع  والاطلاع بدور أكبر في التأثير على مسار المفاوضات بشأن أوكرانيا وأمور أخرى منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو أمني ،مع ضمان عدم تهميش مصالحهم في أي تسوية مستقبلية.

في المقابل ، تحذّر روسيا  بحزم من أن أي وجود لقوات عسكرية أجنبية على الأراضي الأوكرانية  و و أي تدخل عسكري أجنبي في النزاع الأوكراني قد يؤدي ، وفق موسكو ، إلى “عواقب وخيمة للغاية ، قد تصل إلى حد الكارثة التي لا يمكن إصلاحها” وستكون المتضرر الأول دول الاتحاد الأوروبي .

و من الأوكرانيين ، من ضمنهم  رئيس حركة “أوكرانيا الأخرى”  فيكتور ميدفيدتشوك  ، من يرى أن الولايات المتحدة “قامت بترتيب كل شيء، فهي ستصنع السلام، وستدفع أوروبا ثمنه ” ، معتبرين أن واشنطن حاليا تدعو إلى زيادة الإنفاق الدفاعي  لحلف شمال الأطلسي، وذلك تحت شعار “إذا كنت تريد السلام، فادفع ثمن الأسلحة الأمريكية؛ وإذا كنت تريد القتال، فادفع أكثر مقابل الأسلحة الأمريكية ” ، فيما الكثير من الدول الأوروبية لا تقوى على الدفع أو ترى أنها بعيدة كل  البعد عن هذه المشاكل ولا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد .

 وإذا صح مضمون الأخبار المتداولة في روسيا ، فسيتم التوصل قبل 20 نيسان / أبريل القادم إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، ومن المفترض أن يجمِّد جبهات القتال في شرق أوكرانيا. وبالإضافة إلى ذلك انسحاب القوات الأوكرانية بشكل تام من منطقة كورسك ،وهو ما يتطابق مع  تصريح وزير الدفاع الأميركي ،بيت هيغسيث ، خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية في حلف الناتو الخاصة بأوكرانيا قبل نحو أسبوع ، بأنَّ العودة إلى حدود أوكرانيا قبل عام 2014، أي قبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، تعتبر مسألة “غير واقعية” ولن تؤدي إلا إلى “إطالة مدة الحرب” و”التسبب في المزيد من المعاناة”.

وهذه القرارات تبدد طموح ورغبة أوكرانيا للانضمام الى حلف الناتو ،وأكثر من ذلك يعتبر  وزير الدفاع الأميركي أن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو “نتيجة غير واقعية لحل عن طريق التفاوض ” ، وهو يفضل أن يكون حياد أوكرانيا هو “الخيار الأمثل” .

وفي ظل التطورات المتسارعة بشأن الحرب بين أوكرانيا وروسيا، يصعب التكهن بالطريقة التي سيتم بها  إنهاء الحرب وصنع السلام في المنطقة و وضع حد للحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ نحو 3 أعوام ( شباط /فبراير 2022)  .

إلا أن ما هو مؤكد وواضح للعيان ، هو أن روسيا والولايات المتحدة ماضيان في تعزيز علاقتهما  بشكل “براغماتي وواقعي ” يثير حفيظة القارة الأوروبية  ، كما يثير موجة من التعليقات الأوروبية القلقة من محاولة واشنطن وموسكو الاستفراد بأوكرانيا والاستفراد بالقرارات الاستراتيجية التي تهم العالم بأسره ،والقادم قد يبين ذلك بجلاء .

خاص لصحيفة قريش – لندن 

Comments تعليق واحد

Sorry Comments are closed

  • جبارعبدالزهرة /كاتب من العراق 23 فبراير 2025 - 2:41

    ان تدير امريكا ظهرها لأوكرانيا هذا أمر متوقع وغير مستغرب من امريكا بشكل عام كون امريكا دولة رأسمالية ومنظومة الفكر الرأسمالي بمختلف اتجاهاتها تقوم على تعظيم الربح المتأتي غالبا من فائض القيمة الصناعية والزراعية وهناك علاقة جدلية بين هذا الفائض والفكر الاستعماري وتوجهاته وانشطته المختلفة ففائض القيمة في سبيل ان يتحول الى ربح كبير يحتاج الى ركيزيتن وهما توفر المواد الخام اللازمة للتصنيع والانتاج باثمان رخيصة وكذلك توفر اسواق واسعة تفتقر الى السلع والبضائع وبعيدة كل البعد عن التنافس0

    لذلك كانت المحصلة النهائية لفلسفة الربح استدعت من الدول الصناعية وخاصة الكبرى منها مثل امريكا الى البحث عن اراضي لإستعمارها تكون شعوبها في حالة افتقار صناعي وزراعي ومتخلفة بشكل عميق عن الركب النهضوي العالمي لجعلها اسواقا لتصريف البضائع الصناعية والمحاصيل الزراعية الأمريكيا فيها فضلا عن بيع السلاح عليها 0

    وفي هذا السياق تكون او تشكل اوكرانية عبئا مرهقا للإقتصاد الأمريكي يتعارض ويتناقض تماما مع شعار الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب (امريكا اولا) فهذا الشعار لتاجر بنيات ومطور عقارات وراغب في التجارة بكل شيء ثمين ومربح يخضع كل سياق او نسق ضمن اطار فلسفة السياسة الخارجية الأمريكية الى مسألة الربح والخسارة وفي الحسابات التجارية والتي من المعروف عنها انها تقوم على تعظيم الربح تكون معطيات الدور الأوكراني في الحرب الروسية الأوكرانية صفقة خاسرة بالنسبة لدونالد ترامب 0
    فهو في شعاره امريكا اولا يريد ان ارباحي انا اولاً وتعزيز الاقتصاد الأمريكي بعوامل وعناصر القوة والتنمية حتى التنمية الإجتماعية التي هي من صميم سياسة الإستعمار لأنها توفر الرفاهية والعيش الرغيد للشعب الأمريكي وعليه فإن هذا الشعار يستدعي من الرئيس الأمريكي ترامب على اقل تقدير تقليص المساعدات الأمريكية الى أوكرانية إن لم نقل يقوم بقطعها بشكل نهائي 0
    ويظهر لي من مسار احداث العلاقات الثنائية الأمريكية — الأوكرانية ان هناك مقترحات إن لم نقل إملاءات امريكية — ترامبية على الرئيس الأوكراني زيلينسكي الإستجابة لها تتضمن منه اعتماد تنازلات من قبله تتمحور حول التنازل لروسيا عن الأراضي التي احتلتها روسيا قبل غزو أوكرانية مثل شبه جزيرة القرم والأراضي التي استولت عليها روسيا بعد الغزو من ألأراضي الأوكرانية لضمان تسوية للحرب بين روسيا واوكرانية باشراف ووساطة امريكية ويظهر أن الر ئيس الأوكراني رافض ذلك 0
    اضافة الى رفضه خطة الرئيس ترامب في وجوب وضع المعادن الثمينة في اوكرانية تحت تصرفه بشكل خاصي فترامب ليس تاجر عقارات بل في كل شيء ثمين يدرُّ ارباحا فهو رجل اعمال متعدد المواهب والإتجاهات والإهتممات لذلك يضغط على زيلينسكي من اجل استحواذه على ثروات اوكرانيا الثمينة 0
    غير أن الرئيس الأوكراني رفض قبول المقترح الترامبي كما رفض تسليم خيرات بلاده الى ترامب للتحكم فيها امريكا وقد ادى ذلك الى اثارة غضب وامتعاض ترامب منه بشكل خاص مما نتج عنه الى إزدراء ترامب لزيلينسكي وبدأ باطلاق تهديداته البهلوانية ضده من أنه لا يستحق ان يكون رئيس دولة ولا بد من تغييره والأسوأ من هذا صرح ترامب بأن أوكرانيا ليست دولة ولا توجد هناك دولة اسمها أوكرانية 0
    وزبدة مخض القول ان هذا التصريح يثير فيه ترامب رغبته الى انه سيبتلع اوكرانية او انه سيتعامل بشأنها أثناء المفاوضات مع روسيا حول امكانية إيقاف الحرب التي لا وجود فيها لوفد اوكراني برإسة زيلينسكي اوأي مسؤول أوكراني آخر وهذا تنفيذ ترامب لموقفه من اوكرانيا بأنها ليست دولة وقد يجعلها الولاية الأمريكية الــ 52 بعد كندا 0
    هكذا ستكون صورة العلاقات المستقبلية بين أمريكا مع أوكرانيا وفق المنهجية السياسية واساليبه الدبلوماسية تجاه دول العالم الأخرى والتي تنذر بأنَّ العالم مقبل على حرب رابعة فعدد كبير من دول العالم وشعوب الأرض وأممها يرفض الوصاية الأمريكية ويتقاطع بشدة مع الإملاءات الترابية الفوقية المزدرية للآخر0

Breaking News
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com