“بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ وأهلي وإن ضَنّوا عليّ كرامُ”
د. توفيق رفيق التونچي

الكلمات البذيئة والنابية من السباب التي تستخدمها معظم شعوب العالم، وهي عامة تستخدم في مواقف معينة وأحيانا بمعناها الصوري وبمعنى سلبي او إيجابي كمديح. اما عدم معرفة معنى الكلمة و جهل معناها او عدم الاكتراث للمتكلم وحتى عدم اعتبارها اهانة او تحقير او الحط من قدره وشخصيته فقد يفيد الشخص في الكثير من الأحوال ويبعد الخصام .
كنت مع احد أصدقائي في مترو الأنفاق في ڤينا قبل اكثر من أربعين عاما متجهين إلى مركز المدينة حيث الجامعة حينما بدأ أحدهم أهانتنا باستخدام كلمات نابية لم نعرف معناها آنذاك ليس لعدم معرفتنا للغة الألمانية بل لأننا في الجامعة ونحن ندرس اللغة الألمانية لم تواجهنا تلك الكلمات، هنا اقدم احتراماتي لأساتذتي في اللغة الألمانية شبرنگر، ناگلشميت و مايرهوڤر. وربما كانت لهجة الشخص نفسه ما نسميه ب السوقية الشعبيةً الدارجة والمحلية وغريبة بالنسبةً لنا كطلاب جامعة وأجانب . آنذاك كان الأجانب من ألاجئين في النمسا يعدون على الأصابع . لكنه ثار ثائرة هذا الشخص من عدم ردنا و عدم اكترثنا لقوله وسلوكنا الذي لم يكن يتوقعه لأنه أهاننا هادفا التجريح ومع تدخل الركاب الآخرون وإسكاته تغير الموقف. المعروف لدن هؤلاء الأشخاص أنهم عنيفون إذا ما كان المقابل لا يكترث بأقوالهم او سبابهم لأنهم لم يتوقعون رد الفعل ذلكً وبذلك يفشلون في مسعاهم وهدفهم في اهانة الناس وإيذاء الآخرين. لا بل تكون النتائج سلبه عليهم و يزيد من عوارض مرضهم النفسي وصولا الى الجنون.
أحيانا يكون عدم معرفة معاني الكلمات الفعلیة والصورية له نتائج إيجابية. حين نتعلم لغة جديدة ليس بالضرورة ان نتعلمها في الشارع، فلغة الشارع تختلف تماما عن اللغة الفصحى او الأدبية “الاستاندر” والتي نتعلمها في المدارس والجامعات ومن الطبيعي ان لغة المدارس خالية من الكثير من الكلمات ما تسمى بالعامية وخالية تماما من الكلمات البذيئة والسوقية الدارجة بين الناس ذو التعليم المتوسط. اللغة الدارجة والتي تحوي ما تسمى بالكلمات البذيئة السوقيةً موجودة في معظم لغات الكون وفي معظمً المجتمعاتً ودون استثناء وهي تطوريةً حيةً كاللغاتً نفسها وديناميكية تتغير مع الزمن وترتبط ببيئة معينة. ولكن استخدامها تختلف من شعب إلى آخر وهي في النهاية تهدف إلى إيذاء المخاطب و أهانه وتجريح شعوره وقذفه في شرفه وأخلاقه .
الكلمة البذيئة تستخدم في حالات كثيرة بمعناها الصوري كذلك، اي أنها لا تعني بمعناها الحقيقي بل مرمر لعدم الرضا وبغضا للتحبيب كما في كلمة مواد التي تستعمل في العراق بكثرة بمعناه الصوري.رغم وجودها في معظم اللغات إلا ان استخدامها تختلف حتى من دولة إلى أخرى رغمً حديثهم بنفس اللغة خاصة بين الدول العربية من المشرق إلى المغرب. استخدام تلك اللغة ك أهانه نراه واضحا في اللهجة العراقية والسورية وهناك معلومات تشير ان ايران تستخدمها في سجونها كذلك وتستخدمً تلك الكلمات كأداة قوة وسلطة وفي عمليات تعذيب المحتجزين وفي السجون بصورة عامة. تلك اللغة النابية دليل شراسة وتوحش كذلك لان معانيها غير إنسانية وتدل على ضحالة ثقافة الشخص الذي يستخدمه لأنها تخاطب الأخلاق والسباب تأخذ طابعا جنسيا وأخلاقيا في أهانه وقذف الشخص في شرفه و أخلاقه وأخلاق زوجة او أخته اوً حتى والدة الشخص الضحية الذي لا حول له ولا قوة.
أتذكر في احدى المرات أراد احد الأصدقاء وهو في حالة سكّر إيذائي حول مادة كنت قد نشرتها ولم يتفق معي على مضمونها وبدا فعلا بسب والدتي فما كان مني إلا ان أغلق التلفون وانهي مكالمتي والتي كانت الأخيرة معه كذلك.
كما نرى بان تلك الكلمات السباب بالكلمات البذيئة ترتبط دوما بموضوعات تعتبر ( تابو ) اي محظورة من الناحية الاجتماعية والأخلاقية كما في استخدامً كلمات ذو دلالات مرتبطة ب، صفات الحيوانات ، الجنس، الأعضاء التناسلية، الشرف والأخلاق ، الدين او المذهب ، أو حتى البراز والبول.
تلك الكلمات النابية غريبة ولا تحمل نفس المعاني في لغاتً اخرى او في المجتمعات الأخرى خاصة في اورپا . لا بل لا يمكنً استخدامها بنفس المعنى خذ مثلا إذا ما سب احد السويديين او الأوربيين بصورة عامة كقولنا لهم ابن الكلب لعلهم يعتبرون ذلك مديحا او حتى ابن الحمار لعدم وجود اي أهانه في كلمة الكلب لا بل يعتبر الكلب احد أفراد العائلة ( الصورة اعلاه) ويتم معاملته معاملة البشر ويحزن لموته او لمرضه. منذ مدة تتعرض كلب إحدى معارفي في الروضة الخاصة بالكلاب إلى اعتداء من كلب آخر مما دعي إلى التدخل جراحيا لإنقاذ الكلب وكانت فاتورة البيطري غالية إلى درجة كان بالإمكان شراء أربعة كلاب من نفس الفصيلة لكن صاحبة الكلب ابت لحبها لكلبها وطالبت ان تجري له العملية الباهظة الثمن وقد اضطرّ دار الحضانة المعنية دفع أجور الطبيب البيطري الجراح.
الغريب ان في بعض دول الشرق تستقبل باهانه حال وصولك إلى المطار وهذا ما شاهدته بنفسي حال إعطائك جوازك لضابط الجوازات الذي يغمرك بأسئلة المهينة بدلا من الترحيب بقدومك واحترامك وكلمة (ولك ) تستخدم كثيرا للتصغير.
ولكً منينً جاي؟ او وينً كنت مسافر ، حضرتك ؟ يسألك الضابط نرى هنا كلمة حضرتك تستخدم صوريا للاهانه والتصغير وليس للتعظيم وهذا يعتبر سببا كافيا للعديدين من المهاجرين بعدم السفر إلى الدول العربية بصورة عامة . لأنه بمجرد معرفة ضابط الجوازات بالأصول العربية للمسافر يتغير أسلوب معاملته للشخص القادم للزيارة. هناك استثناء لهذا الأسلوب ولا يغير ذلك القاعدة والتعميم خطا. الجدير بالذكر ان بعد أي تغير سياسي نرى تغيرا في هذا النوع من التعامل الى الأحسن وقد يلمسه هؤلاء ممن يعودون الى سوريا الديمقراطية بعد انهاء عهد الدكتاتورية الفاشية القومية السلبية التي حكمت البلاد وساد أفكارهم السلبية تلك على سلوك الأفراد عند أداء مهامهم الوظيفية كما هي سلوك أفراد من السلطة امثال القوى الأمنية والشرطة ورجال الأمن. الغريب ان هذه المعاملة يكون فقط لابن البلد اوعلى الأقل لمن يتحدث لغة البلد اما أمام الأجنبي فهم متخاذلون وربما يشعرون بالدونية تماما.
الكلمات النابية وجدتها تستخدم في دول البلقان بكثرة وخاصة في رومانيا وجدتها كذلك مقاربة لما سمعناه في الشرق فهم يسبون الأشخاص ويطعنوهم في أخلاقهم وشرفهم.
اما في دول الاسكندنافيه فنادرا ما تجد أناسا يسبون يعظهم البعض وان كانوا في حالة عصبيه وهذا نادر كذلك فتراهم يلعنون الشيطان (في فان ) اما ما يخص الأخلاق والشرف فلا تستعمل أي سباب وحتى كلمات مثل البراز يستعمل بمعنى إيجابي و سلبي كقوله (خيت برا ) او (خيت دولگ) بمعنى سيئ كالبراز او جيد كالبراز والكلمة تستعمل كثيرا في ألمانيا والنمسا (شايزة ) وفي الإسپانيا ( ميه ردا )وتستخدم كلمة (كاكات) في الرومانية بكلى المعنيين والغریب ان کلمة پورك (خنزير) یعتبر سبابا ونعتا بذيئا للاشخاص كذلك وكما هي في التركية. يستخدم المتكلمين باللغة الإنكليزية مصطلح (…يو) بكثرة ولكن دلالاتها الصوريةً كثيرة وبعيدة كل البعد عن المعنى اللفظي الحقيقي للكلمتين. غير ان الشرقي في العربية والكوردية والتركية يستخدم كلمة (الخره) وأضيف إلى الكلمة حركة باستخدام فعل الأمر(آكل ) قائلا:
آكل خره* او تأكل خره او (انچب ) وهي أيضا صورية المعنى. إذ تأتي بمعنى أمر السكوت كذلك اي صه، اسكت.
هناك كذلك تدرج في كيفية استخدام تلك الكلمات من سيء إلى أسوء او برفع الصوت والصياح او استخدامها بهدوء. اما في اللغة الفارسية فقد شاهدت انتشار استخدم كلمة (خاك بسرت) اي التراب على راسك كنعت او سباب وطبعا هناك نعوت اخرى كثيرة جنسية الطابع.
إيذاء المخاطب وكما ذكرت لكم قارئي الكريم ان الأسلوب الذي يتبعه المحاورون بهدف إيذاء احدهم الطرف الأخر المقابل والمخاطب او استفزازه دلالة على نفسية شرسة انتقامية تسقطي ولذا فان أفضل الطرق لتجنب هؤلاء هو الابتعاد عن البيئة التي يتواجدون فيها وكما يقول المثل:
الباب الي يجيلك منه الريح سده وأستريح
الصورة:
الكلب الحارس الأمين.
*اعتذر من القارئ لردود كلمات نابية من باب التعريف في المادة وطبعا للضرورة أحكام وقد ابتعدت من استخدام سباب ذو دلالات جنسية يعرفها القارئ النبيه.
الأندلس
٢٠٢٥
Sorry Comments are closed