أنغام الريشة ..بلاغة التكوين الجمالي في اللون والحرف  

22 فبراير 2025
أنغام الريشة ..بلاغة التكوين الجمالي في اللون والحرف  

                                      

                                        د جاسم محمد صالح الدليمي

تنبهت الدراسات الجمالية الى الصفات النوعية للألوان ولاحظت تأثيراتها النفسية والوجدانية على الانسان ذلك أن اللون ناقل فني أمين لمشاعر الانسان المبدع وأحاسيسه عبر اللوحة التشكيلية او الصورة الشعرية، وان درجة تركيز اللون في اللوحة الفنية ترتبط بدرجة التوتر الشعوري والوجداني لدى الفنان المبدع حيث اللون منبع الشعور بالأشياء وهو عنصر الإحساس بها وله وجود حقيقي طبيعي ينبثق عنه وجود دلالي وفيه حس فني وصفة جمالية.                                                                     ان لغة التشكيل الجمالي للحرف في إطار لوحة الخط – وهي تنتمي الى الفن التشكيلي – هي لغة التواصل البصري مع الرسالة الجمالية والمعرفية التي تحملها اللوحة وهي لغة هادئة موحية مخملية ناعمة تبوح بمعانيها لمن يحسن قراءتها ويجيد تلقيها ويتقن فهمها وينصت الى اصواتها بقلب مفتوح ووعي ناضج حينها تعطيه اسرارها وتمنحه سعادة الكشف ومتعة البيان.                                                         وظيفة اللون في اللوحة تتجاوز قيمته الجمالية الى وظيفة للتفكير والتأمل والبحث عن ابرز دلالاته ومعانيه في اطار اللوحة وسياق وجوده التشكيلي فيها وموضعه من شكل اللوحة او فضائها التعبيري . يحاول الفنان تأسيس معان للجمال تنبثق من خلال حركة الريشة ورسوماتها ومن خلال القلم وتخطيطاته أو تشكيلاته.                                                  تنتمي الريشة الى فن الرسم وينتمي القلم الى فن الخط وهما مجالا ابداع انساني جمالي راق في الوعي ومتقدم في الحضور الفكري ولكل ايحاآته المعنوية والدلالية ووظيفته التعبيرية عن الانسان والطبيعة والكون وعلاقة الأشياء ببعضها فضلا عن الفكر او الوعي الموجه لحركة الريشة ورسوماتها وظلال الوانها والقلم واختياراته لنوع الخط وشكل الحرف او طبيعته .                                                                 إن المزاوجة بين الفنين في اطار اللوحة الواحدة لتكوين تشكيل حروفي بصري معبر عن تجربة الانسان الفنان انما هو جهد ابداعي واجتهاد فني في أسلوب التعبير الجمالي وتشكيلاته الابداعية لدى الفنان لا يخلو من مغامرة فنية لتأسيس شكل او مسار فني قائم على تآلف جمالي يفيد من طرفي فن التشكيل وفن الخط بهندسة معمارية تحقق التوازن بين الفنين وتفيد من ابعادهما الدلالية في انتاج لوحة فنية تنفتح معطياتها الإبداعية على دلالات لرغبات غير معلنة بوضوح واشراق في اطار اللوحة . وتكشف عن موقف الفنان من الحياة وقوانينها وانظمتها في إطار رغباته المعلنة في اللوحة او المضمرة بين طيات الألوان وظلالها والخطوط وانكساراتها او تموجاتها والحروف ومقاساتها . تُرسمُ اللوحةُ بريشة وعيِّها وتأملاتِ فكرها للأشياء من حولها وتُخطُّ حروفُها بأنامل رؤيتها وهاجسها الإبداعي عن الانسان والطبيعة لأجل إقامة محترف للخط والرسم هو صومعة ابداع تُحوِّلُ معطيات الفكر وتنقلها من تصورات تجريدية في الوعي الى شكل جمالي تجسده في  اللوحة باعتبارها وعاءً فنيا يستوعب ابداع الفنان ويعلن عنه باللون والحرف. توظف الريشة اللون والحرف لتمرير معطيات الفكر واملاآت الوعي نحو فضاء اللوحة بمسار جمالي يبرز فيهما الوظيفة التعبيرية والقيمة الدلالية في إيقاع بصري  يستجيب لمسارات الوعي المؤسس لتشكيل اللوحة وتكويناتها الإبداعية .                                                    ثمة مقتضيات أسلوبية أو بواعث جمالية لوظيفة التشكيل والخط في اللوحة الفنية عند الفنان – المبدع للوحة بتشكيلاتها الجمالية – تهدف الى انتاج دلالات جديدة واتساع في خلايا المعنى وظلاله وهناك قرائن تكوينية في اللوحة تدعم وجود هذه القيمة الجمالية  وتؤكد وظيفتها الاسلوبية .ان هندسة بناء اللوحة هي تشكيل اسلوبي جمالي يوظفه الفنان لتلوين التكوينات الإبداعية الفنية وعرض مضامينها بوضوح وانارة لمعانيها او تثوير لبؤر المعنى فيها وتحويل مسار الابعاد الدلالية من مستوى تعبيري مغلق الى مستوى مفتوح أو من ضيق الى واسع أو من مستوى تقليدي الى مستوى جمالي وغير ذلك من مستويات بناء اللوحة وتكويناتها الجمالية ، فأسلوب المزاوجة بين فني التشكيل والخط  ينطوي على تلوين واتساع للمعنى وإنتاج دلالات جديدة وربما فيه انحراف عن توقعات المتلقي المعتادة او التقليدية.                                                    إن الاشتغال على تكوينات الحرف العربي في إطار لوحة تشكيلية ترتقي بفن الخط جماليا وتكسبه صياغة إبداعية توسع من تأثيراته الوجدانية أو الروحية في عين الرائي وتحقق له متعة بصرية وارتياحا شعوريا نفسيا فضلا عن ان اللوحة التشكيلية تتزين بالحرف وجمالياته وتترقى في مدارج الابداع فتكون لوحة شعرية الإحساس بصرية الادراك تنعش الوجدان ويلتذ بها الشعور. وإن امتزاج الفن التشكيلي بالخط من خلال اللون والحرف لإنتاج لوحة حروفية يرتقي بالمجالين فنيا وينتج ايقاعات بصرية تأنس بها عين الرائي وترتاح بها ولها بصيرته .                     ثمة مسحة من الوجد الصوفي تظلل فضاء اللوحة الحروفية لتعلن عن فيض روحي رقيق مرسل من نفس الراسم والخاطّ الشفافة وشوقه الى حضرة اليقين بخشوع الايمان نفيا لقلق النفس وشوارد الفكر ولينشد عذب الكلام في أرقى مقام أو كأنه سماعيات مولوية عذبة اللحن شجية النغم.    

Comments

Sorry Comments are closed

    Breaking News
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com