رأي في اللغة العربية ..اشارة الى اسم الاشارة

8 فبراير 2025
رأي في اللغة العربية ..اشارة الى اسم الاشارة

أيمن فضل عودة 

إشارةٌ إلى اسم الإشارة .. 

قل: هؤلاءِ العلماء، وقل: هذهِ العلماء 

الحذرَ الحذرَ من العربية وسَعتها! قولٌ أنبّه به بالذات أولئك العارفين بهذه اللغة، فإنها في سِعتها ومُرونتها وأساليبها المختلفة، قد توقع كبار العارفين فيها في فخوخ لغوية، يحسبونها – بادئَ الرأي- خطأً، وبعد إنعام النظر وإمعانه بها، تتراءى لهم جليّة واضحة، أنها من صُلبِ العربية، لا تحيد عن صحيحها وفصيحها بل وفُصحاها قَيْدَ أُنـمُلة (أو قِيدَ أُنمُلة- كما يحبُّها أصحاب الـ «قل ولا تقل»- وكلاهما صحيح فصيح، فقُلْ وقُلْ). فحذارِ ثم حذارِ! إذ لا أحدَ مِنّا في مأمنٍ من كلِّ هذا.

ومثال ذلك، أني كنتُ كتبتُ في مقال سابق عبارة (هذه العلماء)، فغيّرها لي – ولا أقول صحّحها- أحد الأحبة العارفين في اللّغة إلى (هؤلاء العلماء). وكأني به، يرى وجوب الإشارة للفظة (العلماء) التي هي جمع تكسير للمذكر العاقل، باسم إشارة للجمع (أُولاء) فقط، معتبرا ما كتبتُه خطأً! 

وليس لي أن أشقّ عن قلب صاحبنا، فإنما الأعمال بالنّيات ولكل امرِئ ما نوى، بَيد أني -ومع هذا- لم يكن لي أن أَغمِط هذه اللفظة (هذه العلماء) حقَّها، وأن أدعَ ما ابتدعَ، دون تنويه وإشارة، إلى صحة وفصاحة ما في اللفظة من اسم إشارة؛ فقلتُ: 

الرائج والغالب والمعلوم، وهو ما يُدرَّس ويُعلَّم ويُستعمَل – عادة- من أسماء الإشارة، ما يلي: 

للمفرد المذكر العاقل وغير العاقل: (ذا) للقريب، و(ذاك/ذلك) للبعيد.

للمفرد المؤنث العاقل وغير العاقل: (ذي/ ذه/ تي) للقريب، و(ذيك/ تيك/ تلك) للبعيد.

للجمع مؤنثا ومذكرا، عاقلا وغير عاقل: (أولاء) للقريب، و(أولئِك) للبعيد. 

وبناء عليه، جاء اعتماد صاحبنا في اعتباره (هؤلاء)، هي الصحيحة للإشارة لجمع التكسير للعاقل (علماء). 

استدراك.. 

إلا أنه وعلى الرغم من كل هذا، لنا أن نستدرك على صاحبنا ونقول: إن أسماء الإشارة الخاصة بالمفرد لا يقتصر استعمالها للإشارة إلى المفرد الحقيقي، بل كذلك إلى الجمع الذي هو في حُكم المفرد؛ فكأنك تقول: هذا الجمع أو هذه الجماعة. وهو ما يؤكده الأستاذ عباس حسن في نحوه الوافي، حيث يقول في سياق حديثه عن أسماء الإشارة الخاصة بالمفرد، ما يلي: 

«المفرد إما أن يكون مفردا حقيقةً … أو حُكما». [النحو الوافي (1/ 322)]

ومثّل لذلك ببيت من الشعر: 

ولقد سئمت من الحياة وطولها … وسؤال هذا الناس: «كيف لبيد»

 فقال الشاعر: «هذا الناس»، على معنى: هذا الجمع من الناس. وحَقَّ له، لغةً ونحوًا وعَروضًا، أن يقول كذلك: «هذي الناس» بمعنى: هذي الجماعة من الناس. وكلمة (الناس) هي اسم جمع (أي: جمع لا مفرد له من لفظه) يسري عليه في هذا السياق ما يسري على جمع التكسير. 

وعليه، فقولك: «هذه العلماء»، كأنك تقول: «هذه الجماعة من العلماء». 

ومن هذا، أنه يغلب في جمع غير العاقل استعمال «هذه» و«تلك» بدلا من «أُولاء»، وكلها جائزة صحيحة فنقول: هذه الأيام وتلك الأيام وأُولئك الأيام (وفي هذا سيكون لنا تفصيل مستقبلا). بيد أن هذا لا يقتصر على جمع غير العاقل، بل يطال العاقل أيضا كما بيّنا. 

ومما يؤكد كل هذا ويندرج تحته، أن جموع التكسير للمذكر العاقل يجوز تأنيثُ فعلِها (عاملها) ونعتِها والضميرِ العائدِ عليها، فنقول: قامت الرجال والرجال قامت، ونقول: الرجال حاضرة وما أعظم الرجال المكافحة. [لكل هذا يُنظر: {النحو الوافي (1/ 264)، (2/ 84)، (3/ 447)}]

وهذا كله في الحقيقة ضرب من ضروب الحمل على المعنى في اللغة، وحمل اللفظ على المعنى بحر لُجّيٌّ موّاج، علمُه مِعراج وجهله إحراج، نذكره هنا بشكل عارض، لنعود إليه مرارا وتكرارا مستقبلا؛ كي نطرق بابَه ونركبَ عُبابَه ونستخلصَ لُبابَه، فنطّلع على سحره وأفانينه اللغوية. 

وما التذكير والتأنيث وجوازهما في جمع التكسير هذا – وأنواع أخرى من الجموع وَفق مذاهبَ وآراءٍ مختلفة- سواء كان للمفرد المذكر أو المؤنث، إلا لـِحمل لفظ الجمع على معنى الجمع الواحد فيُذكَّر، أو حمله على معنى الجماعة الواحدة فيُؤنَّث. 

وحسْبي اختصارا وفيصلا في كل ما قيل، والخير – كل الخير- فيما قلّ ودلّ، آيةٌ قرآنيةٌ واحدة يقول فيها عز وجلّ: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (البقرة 254). فأشار إلى (الرسل) وهو جمع تكسير للعاقل، بــ (تلك) اسم إشارة للمفردة البعيدة، وترك ما خُصّ من أسماء الإشارة للجمع الحقيقي البعيد، مثل: (أُولئِكَ/ أُولاكَ/ أُولالِكَ – وكلها جائزة)، وذلك على معنى: تلك الجماعة من الرسل.

وعلى كل هذا، جاء في مقالي تأنيث وإفراد اسم الإشارة (هذه)، المشير إلى جمع التكسير للمذكر العاقل (العلماء)؛ حملا لها على معنى الجماعة، أي: هذه الجماعة من العلماء.وهل بعد هذا كله، جدال في صحة وفصاحة ما ذهبنا إليه!؟ 

وعليه أستدرك وأقول: قُل: هؤلاء العلماء وأُولئِك العلماء، وقُلْ، مِلْءَ فمِك: هذه العلماءُ وتِلكَ العلماءُ!

ولك بناء عليه أن تقول: هذه/ تلك الشُّعراء، وهذه/ تلك الرُّواة، وهذه/ تلك الأدباء، وهذه/ تلك القُرّاء؛ فمراجعنا اللّغوية والأدبية تزخر بمثل كل هذا. 

ولْيكنْ شعارنا دائما: يسّروا ولا تعسّروا، بشّروا ولا تنفّروا، وسّعوا ولا تضيّقوا، ففوق كلِّ ذي علمٍ عليم!!!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    الاخبار العاجلة
    WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com