صباح البغدادي
عند قراءتنا لبنود هذا الاتفاق الموقع والذي جرى يوم الاثنين 10 آذار 2025 بين كل من “قوات سورية الديمقراطية/قسد/ عبيدي” و “الحكومة السورية الانتقالية / الرئيس ” يتكون لدى المرء انطباع بأن الصياغة جاءت متسرعة وعشوائية إلى حد ما، مما يثير لدينا تساؤلات حول مدى عمقها ودقتها. كان من الممكن أن تكون النقاط الثماني التي شملها الاتفاق أكثر شمولية وتأصيلاً واقعياً، لتعكس تعقيدات المشهد السوري بصورة أوضح وأكثر شمولية وواقعية. ومع ذلك، يمكن تفهم هذا التسرع إذا أخذنا في الاعتبار الظروف الاستثنائية التي أحاطت بالحكومة الانتقالية ، حيث كانت تواجه وضعاً يتمثل بأحداث الساحل والذي كان بالغ الحراجة والخطورة والحساسية. فلو لم تُبادر الحكومة إلى عقد هذا الاتفاق بسرعة، لربما تدهورت الأمور نحو منحى أكثر سوءاً، قد يصل إلى حد الاقتتال الداخلي بين الطوائف ومكونات النسيج الاجتماعي السوري المتنوع، وهو ما كان سيُشكل تهديداً وجودياً للوحدة الوطنية.
في ضوء ذلك، يبرز لنا وحسب متابعتنا ورؤيتنا بأنه سيكون درسا جوهريا للحكومة السورية في المستقبل: في مثل هذه اللحظات المفصلية، يصبح من الضروري الاستعانة بمستشارين متخصصين في القانون والدستور، يتمتعون بخبرة واسعة وكفاءة عالية وسمعة طيبة في النزاهة. هؤلاء المستشارون يمكن أن يشكلوا دعامة أساسية، تساعد على صياغة اتفاقيات أكثر تماسكاً ومتانة، تحمي مصالح الجميع وتجنب البلاد مخاطر التفكك أو الانزلاق إلى هاوية الصراعات الداخلية.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر سوف نستعرض الفقرة الأولى من هذا الاتفاق والتي أتت بهذه الصيغة التالية:” ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة، بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية” ولكن نحن نرى قد تكون هذه الفقرة بصيغتها كالاتي:” ضمان تمتع جميع السوريين بحقوقهم الكاملة في المشاركة والتمثيل العادل في كافة المؤسسات الوطنية، على أساس الكفاءة والجدارة المهنية، دون أي تمييز يستند إلى الخلفيات الدينية أو العرقية أو الثقافية، بما يعكس التعددية الاجتماعية للشعب السوري ويرسخ مبدأ المواطنة المتساوية كأساس للحكم والإدارة”.
النص الرسمي للاتفاق كما نُشر (على سبيل المثال، في بيان الرئاسة السورية) يتضمن نقاطاً عامة مثل “ضمان حقوق جميع السوريين” ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية” ووقف إطلاق النار”، دون الخوض في تفاصيل تنفيذية واضحة أو آليات محددة. هذا الغموض قد يشير فعلاً إلى أن الاتفاق جاء كاستجابة سريعة لضغوط اللحظة، مثل تفادي التصعيد العسكري أو الاضطرابات الطائفية، بدلاً من كونه نتاج مفاوضات معمقة ومدروسة.
ومن ناحية أخرى، بان السياق السياسي والعسكري الذي أحاط بالاتفاق يظهر أن سوريا كانت في مرحلة انتقالية حرجة، مع تهديدات داخلية (مثل الاشتباكات في اللاذقية) وخارجية (مثل الضغوط التركية والأمريكية) وهذا قد لنا يبرر التسرع كخطوة ضرورية لتثبيت الأوضاع، مما يجعل القرار مفهوماً حتى لو كان ناقصاً في العمق، ولكن ذلك لا ينفي لنا أن الإعداد السريع قد ترك ثغرات قد تعيق التنفيذ لاحقاً.
بل كان يجب أن يكون أعلانا واضحا وبأن يُعلن كاتفاق أولي بالأحرف الأولى ولأنه بنظرنا يحمل منطقًا استراتيجيًا ! فلو تم تقديمه كخطوة تمهيدية تليها مفاوضات أعمق خلال أيام أو أسابيع، لكان ذلك ربما منح الفرصة لاستشارة مختصين في القانون الدولي، والسياسة، والاقتصاد، فضلاً عن تمثيل أوسع للمكونات السورية المختلفة. هذا النهج كان سيسمح بصياغة بنود أكثر وضوحًا وواقعية، خاصة فيما يتعلق بآليات تنفيذ الدمج العسكري والمدني، وتوزيع الموارد مثل النفط والغاز، ومعالجة مخاوف الأطراف الإقليمية مثل تركيا التي لا تزال تعتبر “قسد” تهديدًا أمنيًا.
في الواقع، غياب التفاصيل التنفيذية في النص المعلن قد يثير مخاوف , من أن الاتفاق يظل مجرد إعلان نوايا، وليس خطة عمل ملزمة, على سبيل المثال وليس الحصر : كيف سيتم دمج مقاتلي قسد في الجيش السوري؟ هل سيكون ذلك كأفراد أم كوحدات منظمة ؟ وما مصير السجون والمرافق التي تسيطر عليها قسد حاليًا ؟” هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى إجابات واضحة وصريحة ولغة مؤثرة مفهومه و لضمان نجاح الاتفاق على أرض الواقع.
صحيح انه لا يمكن تجاهل أن التوقيع جاء بعد أيام قليلة من أعنف المواجهات منذ سقوط النظام البائد، حيث شهدت الساحل السوري اشتباكات دامية بين قوات الأمن وموالين للنظام السابق. هذا السياق ربما دفع الحكومة الانتقالية لتسريع الخطوات نحو توحيد البلاد، خاصة مع دعم دولي ملحوظ من الولايات المتحدة وتركيا وقطر لهذا الاتفاق، وفعلآ بدأت الأخبار تنتشر رويدآ رويدا ويتم تناقلها من خلال كافة وسائل الاعلام العربية والجنبية كما ذكرنا من خلال توقعاتنا في المقال السابق فانه فعلا حدثت معظم ما طرحناه من تحليل موسع ومطول حيث :” أعلن كل من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان دعمهما لهذا الاتفاق وكذلك باركته دولة قطر ودول الجوار السوري ” لكن هذا الدعم الخارجي قد لا يكفي إذا لم يترافق مع توافق داخلي مدروس.
ومن منظورنا ، كان من الأفضل لو أُعلن عن لجنة مشتركة تضم ممثلين عن الحكومة الانتقالية و”قسد”، إلى جانب خبراء مستقلين، لمراجعة النقاط الثمانية وتطويرها خلال فترة زمنية محددة – ربما أسبوعين أو شهر – لضمان أن يكون الاتفاق النهائي أكثر شمولية واستجابة للواقع السوري المعقد. هذا كان سيُظهر جدية في التعامل مع المرحلة الانتقالية، ويقلل من مخاطر الارتجال التي أشرت إليها أعلاه في سياق رؤيتنا لهذا الاتفاق. ومن الناحية الأخرى، يمكن القول إن هذا الانطباع قد يكون له ما يبرره. ففي ظل الظروف الراهنة التي تمر بها سوريا – من تصاعد العنف الطائفي في الساحل السوري مؤخرًا، حيث قُتل مئات المدنيين حسب تقارير حقوقية، إلى جانب التحديات الاقتصادية والسياسية الهائلة التي تواجه الحكومة الانتقالية – قد يكون التوصل إلى اتفاق بهذه السرعة يعكس حاجة ماسة لتهدئة الجبهات الداخلية وتوحيد السيطرة تحت مظلة الدولة. لكن هذه السرعة قد تكون أيضًا على حساب التخطيط الدقيق والتفاصيل التنفيذية التي تتطلبها مثل هذه الخطوة المصيرية.
وعلى العكس تماما مما شاهدناه الخميس 13 آذار 2025 ومن خلال المؤتمر الصحفي من قبل “لجنة صياغة الإعلان الدستوري” والذي تم تحديد فترة خمسة سنوات انتقالية وتشكيل لجنة صياغة دستور دائمآ وستكون هذه المدة الطويلة مليئة بالتحديات والصعاب ولكنها تبقى خطوة في الطريق الصحيح , إذ شكلت اللبنة الأساسية الأولى في تأسيس فجر سوريا الجديدة. وعلى النقيض من الماضي، وضعت هذه الخطوة الدرجة الأولى في سلم التنمية الاقتصادية والبشرية والمجتمعية، تمهيدًا لتشكيل لجنة تُمنح الوقت الكافي لصياغة مسودة دستور دائم. ونتمنى ان يهدف هذا الدستور إلى أن يكون جامعًا لكل أطياف المجتمع السوري، محافظًا على حقوقهم في المواطنة دون تمييز ويضمن لجميع مكونات المجتمع السوري حقوقهم في المواطنة، ويسعى هذا النهج إلى تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلى أسس متينة تتسم بالتوازن والشمولية والاستدامة، بهدف بناء نظام قادر على الصمود أمام التحديات الداخلية المتمثلة في الاضطرابات السياسية والاقتصادية وانعدام الاستقرار المجتمعي، والضغوط الخارجية الناجمة عن الصراعات الإقليمية والمصالح الدولية. وفي الوقت ذاته يجب أن يتضمن بنود دستورية واضحة المعالم والصيغة القانونية وغير قابلة للتأويل القانوني ، بهدف وضع استراتيجيات فعالة تحول دون التدخلات القسرية والتعسفية من قبل الدول الإقليمية، التي قد تسعى لفرض أجندتها على الشأن السوري الداخلي، من خلال تعزيز السيادة الوطنية وتقوية الهياكل المحلية والمؤسسات “التشريعية والتنفيذية والقضائية” لضمان استقلالية القرار وحماية المصالح السورية.
لذا فان في تشخيصنا للتسرع والارتجالية ومن حيث شكل الاتفاق وحسب سياق صياغته العامة قد كتب على عجل ودون دراسة وتمحيص كافيين قد يحمل قدراً من الصواب، ويمكن أيضاً النظر إلى هذا التسرع ضرورة استراتيجية فرضتها الظروف، وليس فقط كعيب في التخطيط! لكن الاختبار الحقيقي سيكون في مرحلة التنفيذ وعلى أرض الواقع ، حيث ستظهر للرأي الاخر مدى جدية الدراسة التي سبقت هذه الخطوة بالاتفاق – أو غيابها من عدمها , وتقديمنا تحليل مختصر يعكس وجهة النظر الأخرى , ويمكن مناقشته مستقبلا من زوايا متعددة وهذه وجهة نظرنا وألقينا عليها الضوء بصورة مختصرة وليست متشعبة ونترك الباقي لأصحاب الاختصاص لكي يكون هنالك رأي لهم حول ما طرحناه من هذا الموضوع أعلاه وتبقى وجهة نظر من متابع؟.
Sorry Comments are closed