” الفيلا في الغابة “

11 مارس 2025
” الفيلا في الغابة “

د. محمد عياش

– كاتب وباحث سياسي 

   لا يزال بنيامين نتنياهو يشعر بخيبة الأمل، نتيجة الذل والمهانة التي تعرّض له ما يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي، من الهجوم التكنو-عسكري في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بما يحمل من معنى ومغزى في قطاع غزة المفترض بحساب الصهاينة أنه يعاني ويتألم ويتضور جوعاً جراء الحصار.. 

وبما أن نتنياهو مطلوب للقضاء في قضايا فساد ورشى، وجد في هذه النكسة فرصة للهروب إلى الأمام، وذلك على حرارة التأثيرات والتحولات في طبيعة الهوية الصهيونية من هوية علمانية قومية تعتبر الدين مرتكزاً قوميا ً، إلى صهيونية دينية مشيخانية تعتبر هدف الدولة إقامة الشريعة اليهودية ” الهالاخا” وما يواكب ذلك من صراعات يهودية داخلية لا يمكن تهدئتها أو حتى تأجيلها إلا بفتح صراع صهيوني فلسطيني.

ومع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وما يحمله من وعود وأحلام وأسمار بتغيير العالم بساعة واحدة فقط، كما وعد بوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وإنهاء الأزمات والخلافات الدولية وامتلاكه بذلك العصا السحرية، تنفس نتنياهو الصُعداء لأن الخرافات التي يبديها ترامب وافقت هلوساته فيما يخص ضم الضفة الغربية (يهودا والسامرة) وإنهاء الحلم الفلسطيني بإقامة دولته وعاصمتها القدس. إلا أن ترامب زاد وفتح سقف الأحلام الصهيونية هذه المرة بعد طرحه إخلاء قطاع غزة وربما الضفة الغربية من السكان، وإقامة ما يسمى الريفيرا أو المنتجعات السياحية ذات الاستثمار الدائم! ما فاجأ نتنياهو والعقلية الصهيونية التي تخفي في استراتيجياتها الأهداف النهائية بحدود مفتوحة حتى آخر جندي صهيوني .

في حساب قاطيغورياس، يفعلوا، أو لا يفعلوا، المهم أعلنوا وبدأت ملامح ومرتسمات المشاريع تبدو حقيقة لا مفر ولا مهرب من تصديقها أو تكذيبها، ولذلك تنحت الأقوال جانبا مفسحة المجال أمام الأفعال، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعرض فيديو لتخيلاته ورؤيته للقطاع بعد إجلاء السكان واقتلاعهم بعدة آليات وعدة طرق، قافزا فوق الآمال الفلسطينية بالتحرير الكامل من ربقة الاحتلال الصهيوني البغيض، وبالتالي فإن سياسة الإنكار لم تعد تجدي مع السياسة الترمبية .

منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار 19 / 1 / 2025 في القطاع، أعلنت إسرائيل حربها على مدن ومخيمات وقرى الضفة الغربية، وذلك بذريعة إنهاء ما يسمى المقاومة ومطاردة القادة الميدانيين، إلا أن أهدافها من تلك الهجمة الشرسة، ضم الضفة الغربية إلى كيانها الذي يعاني صغر الحجم حسب رؤية ترامب، في تسويفة غريبة عجيبة، وكأن الأرض فارغة من سكانها وتاريخها وعمقها الجغرافي الإسلامي والعربي، ناهيك عن الاتفاقات المبرمة مع السلطة الفلسطينية .

إن العقلية التوسعية الصهيونية، لا تقف عند حدود، بل تستثمر بالمتناقضات الدولية، والأزمات التي تعصف في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا ً، الخلافات بين الدول العربية، هذه العوامل تعتبر بيئة مناسبة لطرح المشاريع الصهيونية على الطاولة للتنفيذ ليس للمفاوضات، هذا الكيان وتموضعه أكثر ما يحتاج للأمن، والأمن يتأتى من التسييج، أي حماية للفيلا التي تقع وسط الغابة من الوحوش الكاسرة على حد قول رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إيهود باراك، وبالتالي العقلية الاستكبارية الاستعلائية تظهر من جديد في وقت الوهن العربي والقحط السياسي المرافق له .

ومع انعقاد قمة عربية، ترد إسرائيل بمزيد من الإجراءات الاستفزازية التي تحمل في طياتها تحدٍ صارخٍ لمخرجات القمم، وأول قمة عربية انعقدت في القاهرة أنشاص عام 1964 ، وليس آخر قمة بالطبع هي قمة القاهرة أيضاً في الرابع من مارس/آذار2025 والتي سميت بالقمة الطارئة من أجل رفض سياسة التهجير والتطهير العرقي للفلسطينيين من القطاع والضفة الغربية، الطرح الغاشم تتبناه الولايات المتحدة، وتهديدات ترامب بالجحيم للذي يقف في وجه مخططاته الخبيثة، وتحسره على ضيق رقعة إسرائيل جغرافياً فاتحا ً المجال أمامها للتوسع والتمدد حسب ما تراه الصهيونية ووفق قدراتها العسكرية بالطبع .

إذاً أصبحت فلسطين بالكامل تمثل الشجرة التي تغطي الغابة الصهيو- أمريكية، وبالتالي فإن من الواجب تغيير الشرق الأوسط من خلال قطع الشجرة ، لأن من شأن هذا الفعل فتح المجال أمام الاستثمارات الكبيرة، والتطبيع مع بقية الدول العربية وعلى الخصوص المملكة العربية السعودية التي تصر على قيام الدولة الفلسطينية شرطاً لهذه التطبيع، والحماسة والجلبة التي تطغى على تصريحات ترمب بهذا الخصوص، تدل على جديته في تطبيق المشروع الذي طال انتظاره صهيونياً، والانطلاق نحو الشرق الذي فيه الكثير من المخاطر التي تهدد الولايات المتحدة، وتشكل له صداعا ً مزمنا ً وأقصد الصين وروسيا وبعض الدول الإقليمية التي تحاول الاصطفاف في وجه الصلف والغطرسة والكاليغولية الأمريكية الجديدة التي تتغول ولا تحسب أي حساب لا للشعوب وتاريخها ولا للحكومات ورموزها، والعالم أصبح على حافة الهاوية النووية من جديد .  

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com