سردية مفاوضات ترامب وحماس: لماذا تغضب إسرائيل ؟

8 مارس 2025
سردية مفاوضات ترامب وحماس: لماذا تغضب إسرائيل ؟

صباح البغدادي

في دهاليز أروقة الدوحة المغلقة، حيث تتقاطع الهمسات الدبلوماسية مع أصداء الحرب، بدأت بوادر للعبة سياسية غامضة تكتب لنا فصولها الأولى في الأيام الأولى من شهر أذار 2025 وتخرج للعلن رويدا رويدا وبطل أحد فصولها وفي قلب عاصفة المفاوضات يتربع لنا السيد “آدم بوهلر” مبعوث الرئيس الأمريكي ترامب لشؤون الرهائن، وفي جلسة سمر حوارية وأمام قيادات حركة “حماس” في مواجهة تاريخية، حيث نرى بوضوح الإن كيف تتلاشى معها حواجز المصطلحات والتصنيفات التي طالما رفعتها واشنطن لتصم الحركة بـ “الإرهاب” و”الجريمة” بلهجة دائما تكون عصبية لا تقبل فيها أي جدل أو إبداء راي لبقية الدول والتي قد يكون معها مفتاح لحل أخر حتى وأن يصب في مصلحة إطلاق سراح الرهائن لدى “حماس” ، صحيح أن الهدف المعلن إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين المحتجزين ,  ولكن خلف الستار المفاوضات والابواب المغلقة، تتردد لنا أسئلة محيرة وشائكة ولا اجابة عليها : هل هذه بداية لصفقة كبرى تعيد رسم خريطة الصراع العربي الإسرائيلي ؟ أم أنها مجرد مناورة أمريكية تكتيكية لفرض واقع جديد حتى وان عارضته إسرائيل او بعض الدول العربية ؟

في تل أبيب نرى حاليا، ومن خلال تصريحات المسؤولين الحكوميين بدأ يتصاعد الغضب من قبلهم كالنار في الهشيم ولان الحكومة الإسرائيلية طوال الفترة الماضية، والتي اعتادت أن تكون هي صانعة القرار واللاعب الأول في المشهد من دون الاخريين ، تجد نفسها الآن على الهامش، تترقب بقلق بالغ وخوف من ان مصير “قطاع غزة” الذي قد يُقرر من دونها , وما الذي يخفيه الحواي “ترامب” في جعبته بعد ؟ ولماذا يبدو لنا اليوم واكثر من السابق , أن الجميع من “قطر” إلى “حماس ” يمسكون بأطراف خيوط هذه اللعبة على المسرح المفاوضات وقد تنسج معها نهاية مفاجئة وغير متوقعة لإزمة  مستفحلة طال وقتها وأمدها عقود طويلة ؟ وفي هذا السياق ، سوف نستعرض بعض من الرؤى ونغوص في البعد الآخر لخفايا هذه المفاوضات المثيرة، حيث النتائج المبهمة ترسم ظلالاً من الشك والترقب والريبة على واقع ومستقبل المنطقة.

ان إجراء محادثات مباشرة وجها لوجه وبدون وسيط مع قيادات حركة “حماس” في الدوحة وبهذه الخطوة المفاجئة ، التي تعد سابقة غير مسبوقة في السياسة الأمريكية تجاه الحركة المصنفة كمنظمة “إرهابية” من قبل أمريكا ، هذا الحدث يعكس لنا تحولًا براغماتيًا في نهج إدارة الرئيس “ترامب ” ويعتبر صادما للبعض وأن الهدف الرسمي، كما أُعلن ، هو تأمين إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين المحتجزين في غزة، أحياء كانوا أو أمواتًا. ولكن اذا نظرنا في السياق الأوسع يشير إلى أن هذه المباحثات قد تكون جزءًا من مساعٍ للتوصل إلى اتفاق أكبر ينهي سردية الحرب المستمرة منذ أكتوبر  2023.

في تصورنا وحسب تفاعلنا ومتابعتنا لهذه الأحداث , يتمثل لنا بأن إدارة الرئيس “ترامب” حتى وان لم تعلنها صراحة , ولكن نجدها في سياق تصريحاته الرسمية بين الحين والآخر , تشعر بأنه يريد ويسعى جاهدا لتحقيق نصر سياسي سريع يعزز صورتها أمام بقية دول العالم بأنه إدارة حاسمة وفعالة وقادرة على حل الأزمات التي فشلت فيها الإدارة الأمريكية السابقة, وجائزة “نوبل” للسلام قد تكون ما تزال تلعب دورها في مخيلته في إيجاد حل نهائي للصراع ” الفلسطيني/ الاسرائيلي” وكذلك ” الروسي  الاوكراني” ولأن قضية الرهائن تمثل أولوية داخلية ملحة للجمهور الأمريكي، والرئيس “ترامب” بأسلوبه الشخصي وطريقة كلامه الصارمة ، قد يرى في التفاوض المباشر مع حركة “حماس” وسيلة لتحقيق نتائج ملموسة دون الاعتماد الكلي على الوساطة التقليدية عبر كل من “مصر” أو “قطر”  وكما أن اختيار “الدوحة” كموقع للمباحثات يعكس استمرار دورها كقناة تواصل موثوقة مع “حماس” مدعومة بعلاقاتها والتي كانت وما تزال متميزة جدآ من الناحية الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة.

أن ردة الفعل الإسرائيلي ومخاوفها من التهميش وأن لا يكون لها رأي فعال ومحوري على هذه المباحثات كان مزيجًا من القلق والغضب، حتى وإن أعربت حكومة “نتنياهو” عن استيائها من إجراء واشنطن حوارًا مباشرًا مع “حماس” ومن دون تنسيق كامل ومسبق ورأي معهم , أن التصور الإسرائيلي، وكما يبدو لنا من تصريحات المسؤولين وتقارير إعلامية مثل “يديعوت أحرونوت” و “يسرائيل هيوم”، هو أن هذه الخطوة تهدد بتهميش دور إسرائيل في تحديد مصير “قطاع غزة” ويضعف موقفها التفاوضي والتي طالما اعتبرت نفسها الشريك الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة، وتخشى أن تؤدي هذه المحادثات إلى فرض حلول لا تتماشى مع أهدافها المعلنة، مثل القضاء على “حماس” أو منعها من العودة إلى الحكم باي وسيلة حتى ولو بالخيار العسكري وهذا ما هو مطروح حاليا.

ولكن من وجهة نظرنا، بأن الغضب الإسرائيلي على هذه المحادثات له أسباب متعددة ومن أهمها على سبيل المثال لا الحصر قد تتمثل بالتالي :

1: فقدان سيطرة دعايتها الإعلامية على السردية التي اعتادت أن تروجها في الداخل والخارج وأن تكون الطرف الذي يملي شروط التفاوض عبر الدعم الأمريكي غير المشروط . وان المباحثات المباشرة مع “حماس” قد تعني أن واشنطن تتجاوز إسرائيل للتعامل مع “العدو” المشترك فيما بينهما وبصورة مباشرة، مما قد يضع “نتنياهو” وحكومته في موقف دفاعي وايجاد مبررات مقنعة للمجتمع الاسرائيلي.

2: كذلك لدينا بأن الخوف من تسوية أمريكية قد يأتي على حساب ما تطمح اليه وتريد تحقيقه من حربها مع حركة “حماس” وهنا يبرز لنا قلق لديهم من أن الرئيس “ترامب”، والذي يسعى لتحقيق إنجاز دبلوماسي، قد يقبل بحل وسط يتضمن بقاء “حماس” كجزء من هيكلية سياسية مستقبلية في ادارة “قطاع غزة” وهو أمر يتعارض بالمطلق ومع الخطوط الحمراء التي رسمتها إدارة “نتنياهو” والمتمثل في استئصال الحركة من جذورها.

3: التنافس على النفوذ بالمنطقة لان إسرائيل ترى أن أي تفاهم وتقارب أمريكي مع “حماس” بهذه الصورة قد يعزز من دور الوسطاء الإقليميين مثل “قطر” ، مما يقلل بالتالي من هيمنتها والتي تراها هي أحق بها من دون غيرها من الدول وعلى القرار السياسي في المنطقة.

استنادًا إلى هذه المباحثات الديناميكيات الحالية، أتوقع أن تكون هناك ثلاثة سيناريوهات قد تكون محتملة ومنظورة لنا في الأفق:

* نجاح محدود لهذه المحادثات مع استمرار التوتروقد تنجح المباحثات في إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، ولكن دون ان يكون هناك اتفاق شامل ينهي الحرب. وإسرائيل بدورها ستضغط لاستعادة دورها المركزي، وربما تستخدم الفيتو السياسي أو العسكري لعرقلة أي تسوية من خلال هذه المباحثات قد لا ترضيها.

* إذا شعرت إسرائيل بتهديد حقيقي لموقفها، فقد تلجأ إلى تصعيد عسكري في “قطاع غزة” لفرض واقع جديد يجبر الجميع ، بما في ذلك البيت الابيض ، على التعامل معه وهذا قد يعقد جهود الرئيس “ترامب” ويؤدي إلى توتر في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية وهذا ما يفضله القادة العسكريين الاسرائيليين وبالاخص مع وجود رئيس أركان الجديد “إيال زامير” .

* وجود لتسوية مفاجئة وتكون بضغط أمريكي إذا استخدم الرئيس “ترامب” نفوذه الاقتصادي والسياسي على إسرائيل والدول العربية، فقد يفرض اتفاقًا يتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار وإدارة انتقالية لغزة، وربما قد تكون بمشاركة فلسطينية محدودة لـ “حماس” تحت إشراف دولي أو إشراك الأمم المتحدة. ولكن نرى بأن هذا السيناريو سيثير غضب “نتنياهو” وأعضاء من حكومته الأشد تطرفا ولكنه قد يحقق هدف الرئيس “ترامب” في وجود سلام سريع وهش قد لا يصمد مع الاصرار الاسرائيلي بخلوا القطاع من حركة حماس.

لا تكتفي لنا هذه المباحثات بتحطيم التوقعات السياسية فحسب، بل تعصف بكل الخطوط الحمراء التي رسمتها الولايات المتحدة وهي تدين أي فصيل إسلامي ثوري يرفع راية التحرر. ففي قاموس “البيت الأبيض” كنا وما زلنا نسمع ونرى ونشاهد , كيف تتحول الحركات المسلحة إلى كيانات “إرهابية” تستوجب العزل والعقاب، وتُطلق التهديدات بالويل والثبور والعقوبات الاقتصادية على أي دولة عربية تجرؤ على فتح حوار مع مثل هذه الحركات. ولكن يبدو لنا بأن القواعد والتصنيفات تتبدل بسرعة البرق وبدون أي مقدمات وتمهيد حين يتعلق الأمر بمصالح واشنطن ، فما هو محظور على الآخرين يصبح مباحًا – بل ومغريًا – للبيت الأبيض، الذي يمتلك وحده، وفي نظرة ساكنيه ، مفتاح الشرعية لاختراق جميع المحرمات السياسية والتي طالما عاقب الكثير من الدول عليها سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو العزل الدولي اقتصاديا وإذا رأى بانها قد تجاوزت في سياساتها الخارجية هذه المحرمات. 

تكشف لنا هذه الجلسات الحوارية والتي دائما تكون نقاشاتها بتبادل الأحضان والسلام وحتى القبل ــ ولما لا فكل شيء مسموح ومباح شرعا في سبيل تحقيق المصلحة العليا ــ لنرى من خلالها عن مدى ما وصلت إليه ازدواجية المعايير الأمريكية، ولا نستبعد حقآ من أنها قد تخفي وراءها خطة أعمق واعقد قد تعيد تشكيل قواعد اللعبة في المنطقة ؟ بالتهديدات الشديدة والعواقب الوخيمة، المفارقة لنا في هذا المقام , بأنه يفرض “البيت الأبيض” قواعد صارمة على الدول الأخرى، بينما يتحرر هو من أي خطوط حمراء يلتزم بها. فما يُحظر على غيره من الدول يتحول، في يد ادارة البيت الابيض ، إلى فعل مسموح ومبرر بلا تردد ولا حتى خجل من بقية الدول الاخرى.

أن المباحثات المباشرة بين مبعوث الرئيس “ترامب” وحركة “حماس” تكشف لنا عن تحول في الاستراتيجية الأمريكية نحو البراغماتية، ولكنها في المقابل تضع “إسرائيل” في موقف حرج , ولكن قد تكون من وجهة نظرنا وحتى الاخرين ، بأن الغضب الإسرائيلي مبرر لأنه يعكس خوفًا حقيقيًا من فقدان النفوذ، ولكنه قد يكون مبالغًا فيه في الوقت نفسه لأن الرئيس “ترامب” بتاريخه المشهود له والمعروف عنه بأنه الداعم الاول لإسرائيل، ولذا نرى بأنه من غير المرجح أن يتخلى عنها كليًا , ولكن ومع هذا , قد يكون المستقبل يعتمد على مدى قدرة إسرائيل على سرعة وتقبل التكيف مع هذا النهج الأمريكي المفاجئ لها ، وكذلك ينطبق بصورة أو بأخرى على قيادات إدارة “حماس” ومدى ما سوف تذهب إليهم في تقبلهم لتقديم تنازلات استراتيجية مقابل السماح لهم بالبقاء كلاعب سياسي معترف به في “قطاع غزة” .

الايام القادمة والمستقبل القريب سوف تكشف لنا ابعاد أخرى قد تكون ما تزال خافية وخارج نطاق التغطية الاعلامية ولكن ما جاء اعلاه , كانت محاولة لفهم سردية ابعاد هذه المباحثات المفاجئة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com