ماكرون يفشل في تحديد بوصلة ترامب .. أوربا في قلق

1 مارس 2025
ماكرون يفشل في تحديد بوصلة ترامب .. أوربا في قلق

فشل زيارة ماكرون لواشنطن دليل آخر على تقهقر الاتحاد الأوربي وتصدعه

الولايات المتحدة ترفض إشراك أوروبا لها في تحديد معالم مستقبل أوكرانيا

هل ترضخ أوكرانيا لمطلب واشنطن وتتقاسم معها المعادن أم أنها ستحتمي بأوروبا المثقلة بالمشاكل ؟

بقلم: عبد العزيز حيون

كاتب وصحفي من المغرب

يبدو أن “المسألة الأوكرانية” لا تتسبب في توسع بون الخلاف السياسي بين دول الاتحاد الأوروبي فقط، بل إنها تساهم في إعادة ترسيم الخريطة الأمنية ومعالم النفوذ السياسي على الصعيد العالمي، وهو الأمر الذي أفرزته زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لواشنطن، والتي لا يمكن تسميتها ب”القمة” لتباين مواقع البلدين حاليا وحجمهما الحقيقي على أرض الواقع .

  زيارة ماكرون لواشنطن قد يكون لها مابعدها، وقد تكون السبب في توسع الخلاف داخل المنتظم الأوروبي مع تجاوز ماكرون الصلاحيات المخولة للدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي الذي له مؤسساته ومفوضيه المكلفين بالسياسة الخارجية ويتطلب اتخاذ أي قرار حصول إجماع داخلي ووضع مخطط جماعي لمعالجة قضية ما واتفاق قبلي .

 كما أن زيارة ماكرون لواشنطن لمقابلة الرئيس دونالد ترامب، الذي لا يهمه إلا مصالح بلاده “الاستراتيجية”، ينظر إليها وكأنها “استجداء” و”استرحام” و”إلتماس الإحسان” ومحاولة الاستفراد بعطف الولايات المتحدة التي تغولت بعد ذهاب جو بايدن، أمام واقع سياسي واقتصادي صعب في فرنسا، التي يبدو أن فقدانها لبريقها وانحسار نفوذها بأفريقيا أفقدها قيمتها الاعتبارية لتتلاشى بذلك “هيبتها” .  

كما أن هذه الزيارة هي محاولة لاستبعاد ألمانيا، التي انشغلت قبل أيام بالانتخابات البرلمانية، من محور “القرار الأوروبي”، ومجازفة سياسية “غير محسوبة العواقب” من ماكرون، الذي يظن أن لقاءه بترامب سيخول لباريس تعاملا استثنائيا من بلاد “العم سام “وبالتالي ستحافظ فرنسا على امتيازات قد لا تمنح لباقي دول الاتحاد الأوروبي، متناسيا أن “عقيدة” الولايات المتحدة حدد معالمها ترامب منذ بداية ولايته، وهي تقوم على قيمة الربح الصافي والإيرادات والعائدات العينية من المعاملات “غير التبادلية”  و”التبرعات النقدية  ” المبررة وغير المبررة من بعض الدول .  

ومع اعتقاد ماكرون أن البيت الأبيض أصبح أو سيصبح قبلة للامتيازات التي تخص تحديداً بلده يتناسى أن الولايات المتحدة تخطط لتقاسم كعكة أوكرانيا مع روسيا والتي ستدر على الولايات المتحدة أموالا طائلة دون أن تخسر فلسا واحدا، عكس سلف ترامب جو بايدن الذي أغدق المال على أوكرانيا بسخاء دون تحقيق نتيجة تذكر.

وحديث ماكرون على أن أكبر ربح جناه من زيارته لواشنطن هو إقناع واشنطن بضرورة وقف إطلاق النار وضمان “السلام المستدام” هو مضحك ويثير “الحسرة” والشفقة على مجد فرنسا التليد، إذ أن “قضية أوكرانيا ” قررت بخصوصها روسيا والولايات المتحدة منذ الوهلة الأولى بمنأى عن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، التي تراقب تطور الأحداث عن بعد دون إبداء الرأي خوفا من إثارة غضب ترامب “البراغماتي الشرس” الذي تحكمه النزعة التجارية “العقلانية ” وصبابته لتحقيق “السطوة الاقتصادية” لبلاده.

 ويبقى كلام ماكرون غير ذي معنى إذا أشرنا الى ما يرغب إليه ترامب، الذي قال بالفم المليان وبصراحة تامة إن الاتحاد الأوروبي إن كان يشاطر واشنطن رغبتها في إنهاء النزاع بسرعة عليه أن ينفق على أعباء ضمان السلام، كما أشار الى أن الولايات المتحدة أنفقت على دعم أوكرانيا أكثر من 300 مليار دولار، فيما أنفقت الدول الأوروبية نحو 100 مليار، مشددا على أن “هذا فرق كبير، وعلينا أن نحقق المساواة في لحظة معينة”، وكفى !!.

وتوالي الأحداث الخاصة بأوكرانيا وتسارعها يثبت الى حد الساعة أن “صلاحية” فولوديمير زيلينسكي انتهت بالنسبة لواشنطن، وهو ما نطق به شخصيا وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، في وقت سابق، كما تشير الصحافة الأمريكية والروسية على حد سواء الى أن الولايات المتحدة تطالب أوكرانيا بمنحها نسبة 50 % في الموارد المعدنية التي لم يتم استخراجها بعد في أوكرانيا ( المعادن الأرضية النادرة).

وذكرت قناة “سي إن إن”  التلفزيونية، نقلا عن مصدر أوكراني “مطلع “، أن كييف وواشنطن تعدان اتفاقا منفصلا حول مبادئ صندوق تعافي أوكرانيا، حيث قد تصل قيمة صندوق إنعاش أوكرانيا إلى 500 مليار دولار، على أن تستمر كييف في تقديم المساهمات فيه حتى الوصول إلى هذا المبلغ.

وفي المقابل، أكد رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، أن الاتحاد الأوروبي لن يطالب أوكرانيا بأي موارد طبيعية كتعويض عن المساعدات المقدمة لها. ونقلت قناة “أوبشيستفينوي” الأوكرانية عن كوستا قوله إنه رغم كون المنتظم الأوروبي كان هو “المانح الرئيسي” لدعم استقرار أوكرانيا ومساعدتها لمواجهة روسيا عسكريا، إلا أنه لا يطالب باسترجاع أمواله، وأن أوروبا كانت تفعل ذلك ” من أجل أوكرانيا، ومن أجل الأوكرانيين، وكذلك من أجل الأمن الأوروبي” لدرء كل خطر يتهددها .

وفي هذا السياق، وجه فلاديمير بوتين، بتحفظ واستهزاء، إشارة الى الاتحاد الأوروبي تقضي بتمكينها من الجلوس على طاولة المفاوضات حول أوكرانيا وأن مشاركة الاتحاد الأوروبي  “مطلوبة ولكن لا يحق له أن يطالب  من موسكو أي شيء” ، أي استرجاع المناطق التي ضمتها وتعويض أوكرانيا عن الخسائر، وما إلى ذلك.

ورفض الرئيس الروسي رفضا قاطعا خطة ماكرون لنشر قوات أوروبية في أوكرانيا وإرسال نحو 30 ألف جندي أوروبي، مع “قيام بريطانيا وفرنسا بالدور القيادي فيها”، وهو ما يعني إقصاء دول الاتحاد الأوروبي برمتها وتفضيل بريطانيا للقيام بدور معين، وهي التي غادرت سفينة الاتحاد حفاظا على مصالحها الذاتية قبل أن يشدها حنين العودة مرة أخرى.

وربما تريد فرنسا أيضا، وهي تخطئ التقدير، إظهار أن لديها ولدى بريطانيا “الاقتراحات السديدة” و”القدرة العسكرية” للمساهمة في التسوية الأوكرانية، كما أن لفرنسا ورفيقتها “حظوة خاصة ” لدى الولايات المتحدة، وقد كانت لها علاقة خاصة مع ترامب وعملت معه عن كثب خلال فترة ولايته الأولى !!!.

ومن جهتها تتطلع  كذلك بريطانيا الى إقناع ترامب بمضمون مشروع يقوم على نشر قوات عسكرية بريطانية وفرنسية على الأراضي الأوكرانية في إطار تسوية النزاع بين أوكرانيا وروسيا، وهو الأمر الذي يجب أن يكون مدعوما بضمانات من واشنطن، في وقت يقول ترامب إنه لن يعارض إرسال قوات حفظ سلام أوروبية إلى أوكرانيا شريطة أن تتكفل أوروبا بالمصاريف، وهو الأمر الذي لا تستطيع القارة العجوز تحقيقه لقصر ذات اليد.

وبشكل قاطع، شددت روسيا على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو، على أن موسكو  تنظر بشكل سلبي و بريبة إلى فكرة نشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا، وتعتبرها “خطوة نحو التصعيد” وقد تعود المسألة الى نقطة الصفر.

وأمام فقدان المنتظم الأوروبي “للشرعية التفاوضية” بشأن المسألة الأوكرانية ورفض روسيا أي حل يأتي من الاتحاد الأوروبي وشريكته بريطانيا، وكذا أمام تباين مواقف المنتظم الأوروبي وواشنطن بشأن أوكرانيا وقضايا أمنية واقتصادية راهنة، يبدو أن العالم يتجه الى نظام جديد، وأن الاتحاد الأوروبي في طور الانقسام إلى كتلتين أو إلى كتل عديدة مقابل تنامي حضور الولايات المتحدة وروسيا والصين التي تراقب تطور الأحداث بهدوء لكن بعين ثاقبة ونظرة متفحصة . 

خاص لصحيفة قريش – لندن

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com