هل تصمد اتفاقية سايكس-بيكو؟ 

10 مارس 2025
  هل تصمد اتفاقية سايكس-بيكو؟ 

ادهم ابراهيم 

تُعدُّ اتفاقية سايكس-بيكو (1916) أحد أبرز الرموز التاريخية ، حيث
رسمت ملامح الشرق الأوسط الحديث . وبعد مرور أكثر من قرن، لا تزال هذه الاتفاقية تثير الجدل والتساؤلات حول مستقبل المنطقة.
خصوصا في العراق وسوريا حيث نشاهد الانقسامات واطروحات الانفصال لبعض المكونات والطوائف . ويعود السبب في ذلك الى اساءة فهم حكم الاغلبية ، حيث ينظر الى الاغلبية على اسس دينية أو طائفية وليست حكم كل الشعب المعمول بها في الديمقراطيات العريقة . وهنا نقع في محذور دكتاتورية الأغلبية التي تشبه الى حد بعيد الدكتاتورية الفردية . 
ففي العراق نتيجة احتكار السلطة يعتقد السنة والكرد على سبيل المثال انهم مهمشون وظهرت دعوات لتشكيل اقليم سني . وفي سوريا يطمح الكرد والعلويون والدروز الى الاستقلال عن السلطة الجديدة .
  وهنا يثور سؤال بإلحاح : هل تستمر المنطقة في حدود سايكس-بيكو، أم أن شرق اوسط جديد قد حان؟ 

    كثيراً ما تعرضت اتفاقية سايكس بيكو لانتقادات كثيرة ، وعلى الاخص انها تجاهلت الانقسامات العرقية والدينية والقبلية في المنطقة .
ولكن ذلك لايمكن التعويل عليه حيث ان اغلب دول العالم تضم ديانات واعراق وثقافات مختلفة . ويعد التنوع اثراء وليس تهديدا لسلامة وامن الدول . 
واصبحت الحدود جزء من الهويات السياسية للبلدان تختفي فيها كل الخلافات العرقية والدينية او الطائفية . وكذلك دول الشرق الأوسط مثل سوريا والعراق ولبنان حيث اعتمدت على سرديات وطنية  تجاوزت الانقسامات في كثير من الأحيان ، وتمكنت من بناء أنظمةٍ قادرة على إدارة التعددية . وحافظت معظم هذه الدول على حدودها لأكثر من قرن. وكثيراً ما أدت محاولات تغييرها، سواء من خلال الحرب أو التدخل الأجنبي أو الحركات الداخلية، إلى العنف وعدم الاستقرار بدلاً من اقرار الحدود الجديدة.

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لاتفاقية سايكس-بيكو ، الا إنها مازالت تمثل واقعًا تُحاول الشعوب والدول التكيُّف معه .
  ان أي دعوة لإعادة رسم الحدود ستُحيي المطامع التاريخية للجماعات العرقية والطائفية، وتُحوِّل مناطقها إلى ساحات صراعٍ مفتوحة . فالتجارب السابقة كانفصال جنوب السودان تُظهر أن الاستقلال لا يحلُّ المشكلات الجوهرية، بل يُعقِّدها بصراعاتٍ جديدة حول الموارد والسلطة.

كما ان دول عديدة في المنطقة مثل تركيا وإيران تعتمد على الوضع القائم لضمان أمنها ، فإضعاف الدول المركزية (كالعراق وسوريا) يفتح الباب لتصاعد النزعات الانفصالية التي قد تطالها . حتى القوى العظمى كالولايات المتحدة وروسيا تفضل التعامل مع حكوماتٍ مركزيةٍ قادرة على حفظ الحد الأدنى من الاستقرار ، بدلًا من فوضى الكيانات المتنازعة . ويمكن لاي تقسيم جديد إما أن يضعف نفوذهم أو يجبرهم على التدخل العسكري الأعمق . 

وقد أظهرت المحاولات الأخيرة لتغيير حدود المنطقة فشلها مثل صعود وسقوط ما يسمى بالدولة الإسلامية أو جهود الاستقلال الكردية، حيث أن هذه المشاريع غالباً ما تسبب صراعات داخلية ومعارضة خارجية.
  اضافة إلى ان اي عملية تقسيم ستدفع الشعوب الثمن الأكبر ، عبر موجات نزوحٍ جديدة وتدمير البنى التحتية وانهيار الخدمات الأساسية، كما في اليمن وليبيا والسودان.  فالدول التي تشهد حروبًا أهلية تُقدِّم نموذجًا مُرعبًا لمستقبل المنطقة إن ساد منطق التقسيم .

في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد، تكمن مصالح القوى المحلية والعالمية في الحفاظ على درجة معينة من الاستقرار. لقد شهدت بلدان المنطقة، وخاصة العراق وسوريا ولبنان، بالفعل العواقب المدمرة للصراع الداخلي، بما في ذلك الحروب الأهلية والتمرد وصعود الجماعات المتطرفة العنيفة. 

إن فكرة إنشاء دول جديدة أو إعادة ترسيم الحدود يمكن أن تشعل المزيد من المعاناة وإراقة الدماء .

وبدلا من دعوات الانفصال وتغيير الخرائط ، ينبغي العمل على تحويل الأنظمة السياسية إلى فضاءاتٍ تعدديةٍ جديدة تُدار فيها السلطة والثروة بعدالة ، والابتعاد عن الانفراد في الحكم بدعوى الاغلبية وتجاهل حقوق الاخرين .
إن إرث سايكس-بيكو أصبح جزءًا من نسيج المنطقة، وأي محاولة لتمزيق هذا النسيج ستكون بمثابة انتحارٍ جماعي .
ليست المهمة اليوم تغيير الحدود، بل تغيير القواعد التي تُحكم من خلالها الشعوبُ نفسها. فالمنطقة لم تعد تحتمل مزيدًا من الفوضى، والشعوب التي أنهكها الاستبداد والتدخلات  الخارجية تريد أن تتنفَّس هواء الكرامة قبل أن تُصارع على خرائطَ جديدةٍ تُقسَّم فوق جثث أبنائها .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com