
أَفْتَحُ نَافِذَةً في الْحَجَر
ثريا ماجدولين

شاعرة من المغرب
وَطَنٌ لا يَبْدَأ بِاسْمِكَ
مَنْفَى
نَهَارٌ لا يَجِيءُ مِنْ شَفَتَيْكَ
حَجَرٌ يَتَمَطَّى
في الذاكرة كون كثير وَأَنَا مُفْرَدَةٌ
لا أتْقِنُ أَبجَدِيَّتِي وَلا أَصِلُ مُنْتَهَايَ
عَائِدَةٌ مِنْ مُفْتَرَقِ الْخَيَالاتِ
عَائِدَةٌ مِنْ صَمْتِ السَّرَابِ
أَمْلَأ نِصْفَ الْكَأسِ لَكَ
وَالنِّصْفَ الْآخَرَ لِاسْتِعَارَةِ الْقَصِيدِ
أحْلُم بِنِصْفِ الْخَيَالِ
وَأَتْرُكُ النِّصْفَ الْآخَرَ لِاحْتِمَالٍ جَدِيدٍ
بُسْتَانُ الْكَرَزِ فِي خَاطِرِي
مِنْ أَيْنَ إِذَنْ يَنْبُتُ الصُّبار؟
أيُّها الْوَطَنُ الْمَنْفَى
اِجْلِسْ قُبَالَتِي
وَدَعْنِي أسَوِّي خِلافِي مَعَكَ
أَنْزَع مِنْ شَفَتَيْكَ شَوْكَ الْكَلام
أشَذّب حُرُوفَ جَسَدِكَ
أقَلّم غُصَيْنَاتِ الْفَرَحِ عَلَى سَرِيرَتِك
لِخَيَالِي أَنْ يَسْتَعِيدَكَ كَامِلاً
يَجُرّكَ مِثْلَ النَّهْرِ إِلَى سَرِيرِ الْأَرْضِ!
نبضي يقف على حواف اسمك
المتسكع في دمي مثل ريح كسلى
وَأَسْألُ:
كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّاسِخُ فِي الْعَيْنِ؟
***
اِجْلِسْ قُبَالَتِي
وَارْفَعْ كَأْسَكَ عَالِياً
تَعالَ نَتَبادَلْ أَطْرَافَ الْمَحَبَّةِ
دَعْ نَرْجِسَكَ يَنامُ قَليلاً
وَافْتَحْ فُصولَكَ لِسِرْبِ الْكَلام
هَذا دَمِي أَسْوَدَ مِنْ لَيْلِ الْغَرِيب
هَذا صَوْتِي يُشْبِهُ الرِّيحَ الْمُبَلَّلَة
اِحْتَرَقَتْ عَيْنايَ وَلَمْ أَزَلْ
فِي عَتْمَةِ الرُّوحِ أحَدِّقُ فِي الْأَلَم
أَجْلِسُ فِي بِدَايَةِ مَنْفايَ
بَعْضِي يَرْقُبُ بَعْضِي
وَيا وَحْدَها رُوحِي الَّتِي
تَرْقُصُ فِي عَتْمَةِ الضَّوْء !
***
كُنْ ما شِئْتَ
وَدَعِ الْحُرُوفَ تَنَامُ بِلا نِقاطٍ
اِخْلَعْ مِعْطَفَ الظَّلامِ عَنْ سَمَائِك
كَيْ تَظْهَرَ أَزْهارُ البَنَفْسَجِ
وَتَظْهَرَ حُقُولُ البيسانِ والنَّارَنْجِ،
مَا تَبَقَّى مِنْ سِيرَةِ الأيَّام
سِوَى خَيالٍ مُرٍّ وإيقاعٍ رَتِيبٍ
مَا تَبَقَّى غَيْرُ وَقْعِ حَوَافِرِ الْقَصِيدَةِ
فِي الحُلمِ الهارِبِ
غَيْرُ إِحْسَاسِ الْهَشَاشَةِ في الحَجر
غَيْرُ رَغْبَةٍ مَوْهُومَةٍ وَخَيالٍ لا يَهْدَأ.
قُلْ لِي إِذَنْ
مَا الَّذِي يَجْعَلُكَ تَجْلِسُ فِي فنَاءِ الْقَصِيدَةِ
تَرْقُبُ خَيَالَهَا النَّدِيَّ كَحَارِسٍ لَيْلِيٍّ؟
يا وطناً تَتَطَاوَحُ فيهِ الْمَجاهِيلُ
كَأْسُكَ فَارِغَةٌ
يَدُكَ مَلِيئَةٌ بِالوَدَاعِ
تُشَيِّعُ الْوَهْمَ إِلَى “عَشَائِهِ الْأَخِيرِ”
دَعْنِي إِذَنْ أَفْتَحْ نَافِذَةً فِي الْحَجَر
كَيْ لا تَشْغَلَنِي الْخَسَاراتُ الْجَميلَةُ
أكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي
***
يا وَطَنَ الْيَاسَمِين
طَوِّحِ المَجْهُولَ فِيَّ
لا تُخْطِئِ الْمَعْنَى
لا تَتَقَمَّصْ دَوْرَ الْحَجَر
لا تَقْذِفِ الْأحْشَاءَ بِاللَّهَب
يَكْفِي أنَّنِي أشِبُّ مثلَ حَدِيقَةِ النَّارِ
بَيْنَ ضَجِيجِ الذّكْرَى وَضَجَرِ النِّسْيان…
لا تَتْرُكِ الرِّيحَ تَلْهَثُ خَلْفِي مِثْلَ الطُّفُولَةِ
***
لَنْ أَقِفَ فِي القَصِيدَةِ وَحْدِي
سَأَنْسُجُ مِعْطَفَ الْقَرَنْفُلِ
وَأُعِيرُهُ جَسَدِي
سَأُحَرِّضُ الآلِهَةَ
كَيْ تُوقِظَ الرَّغْبَةَ فِي لُغَتِي
وَتَهْتَزَّ السَّمَاءُ عَلَى جِذْعِ الْأَرْضِ
سَأَلْبَسُ قَمِيصَ الرِّيحِ الَّتِي
رافَقَتْنِي طَوِيلاً
وَأَقُولُ لَهَا:
أَيَّتُها الرِّيحُ
مِنَ الْآنَ وَحَتَّى الرَّحِيلِ الْأَخِيرِ
كُونِي سَرِيرِيَ المُشْتَهَى.
القصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن