الشمس ومكانتها في معتقدات شعوب الرافدين

9 أبريل 2025
الشمس ومكانتها في معتقدات شعوب الرافدين

إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡء؛وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمۡ لَا يَهۡتَدُونَ

 (24) سورة النمل

 د. توفيق رفيق التونچي

لطالما أحببت الجلوس لساعات تحت أشعة الشمس، اذ رافقتني وحبها طوال حياتي. كنت أشتاق إلى حرارتها أثناء إقامتي لعقود في القطب الشمالي، و سأكتب لاحقًا عن تلك التجربة بما فيها من لحظات حلوة ومرة. الشمس والحياة على الأرض: في معظم الحضارات البشرية، كانت محورًا أساسيًا للحياة، بدءًا من حضارات المايا والإنكا في الأمريكتين وصولًا إلى حضارات الشرق والعالم بأسره. 

أُطلق على الشمس أسماء عديدة، مثل ؛ شماس، شمش، حوراختي، مرن هو، أرينا، ناخونته، رع، إنفكتوس، أربنيتي، هيليوس، نافر ريل حبور، و سول إنفكتوسبالاتيني ( Sol Invictus) أي الشمس الذي لا يقهر أو الشمس كان إله للدولة الرومانية اي كانوا وثنين. واذا امعنا النظر في بعض القاب الشمش في بلاد الرافدين نرى بوضوح مدى أهمية الشمس كمعبود أمثال خالق الكون والجهات الأربعة، ملك العدالة ونور العالم وصفات أخرى كثيرة. وهو الذي املى على الملك حمورابي احكام قانونه في المسلسلة الشهيرة. 

 الشمس عند المصريين.

تستخدم في اللغتين الكردية والفارسية كلمة “خور” أو “خورشيد” للدلالة على الشمس، ومنها اشتُقَّت كلمة “خدا” بمعنى “الرب”، وهي مركبة من “خو” (أي من نفسه) و”دا” (أي القوة)، مما يفيد بأن قوته من كينونته. كذلك، نجد كلمات مثل “داد” (العدل) و”بيداد” (الظلم)، وتُستخدم “دادگاه” للإشارة إلى المحكمة. لا شك أن الشمس هي أساس استمرارية الحياة على الأرض، فبدونها ستنتهي الحياة وربما حتى تخرج الأرض من مدارها. وصول أشعة الشمس إلى الكوكب وتكوين الغلاف الجوي كانا من الأسباب الرئيسية لبدء الحياة بمختلف أشكالها. وقد يكون تغير تركيب الغازات خلال ملايين السنين سببًا في انقراض بعض الكائنات الحية قبل ظهور الإنسان العاقل. تُعد الشمس المصدر الأساسي للطاقة والضوء، ولهذا يبحث العلماء عن وجود الماء والغازات الأساسية للحياة على الكواكب الأخرى، على أمل العثور على ظروف مشابهة لما نعرفه على الأرض. 

الشمس عند الزادشتيين

كل شيء في الكون في حركة دائمة، حتى تلك التي تبدو ساكنة. المجرات تتحرك باستمرار، وكذلك الشمس، فهي نجم يتوسط الكواكب وتدور في مدارها. غير أن الشمس، كما تقول الحكمة الدنماركية، “لها بقع سوداء”، في إشارة إلى أن الكمال لا يوجد في أي شيء سوى الخالق. ترتبط كل أشكال الحياة على الأرض بالشمس، وباختفائها أو حجبها، تختفي الحياة تدريجيًا: 

تبدأ الغازات بالتلاشي، تتجمد المياه، يموت الغطاء النباتي، ثم تنعدم الحياة تدريجيًا بسبب نقص الأكسجين والمياه. بدون الأكسجين، لن يكون بالإمكان حتى إشعال النار للإضاءة أو الطهي. وقد يؤدي هذا إلى خروج الأرض عن مدارها وضياعها في السديم الكوني. هذا السيناريو يتشابه مع ما ورد في النصوص المقدسة حول يوم القيامة، وهو مفهوم عرفه الإنسان منذ القدم. أما القمر، وهو رفيق الأرض، فقد يبتعد عنها أيضًا بسبب التغيرات في قانون الجاذبية، مما قد يؤدي إلى نهاية الحياة على الكوكب. الشمس في العقائد والأديان: ظهرت الشمس كرمز مقدس في العقائد القديمة، خاصة عند الهندوس والمجوس والصابئة، وحتى في الديانات التوحيدية. ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث كانت بعض الحضارات تعبدها ظنًا أنها الخالق. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ” (الأنعام: 78). 

تحظى الشمس بمكانة خاصة في جميع الأديان السماوية، وتُرتبط بها العديد من الشعائر، مثل الصلاة في أوقات محددة والصيام في الإسلام. وذُكرت الشمس في القرآن الكريم 32 مرة. كما أن عبادة النار في بعض الأديان القديمة قد تكون مرتبطة بعبادة الشمس وحرارتها. حيث النار يرمز إلى الشمس كضوء وحرارة، وطاقه ولكن على الأرض.

جميع الحضارات العراقية القديمة أولت الشمس مكانة مقدسةً ونرى الشمس في معظم المنحوتات وخاصة في منحوتات الملوك. وقد كان لشمس أسماء عددة أمثال بيار، زبان، مان، شمس، امنا و اوتو وأسماء أخرى. اما في الحضارة المصرية القديمة، ارتبطت الشمس بالإله رع، ونجد ذلك في آثارهم مثل معابد أبو سمبل والأهرامات والنقوش الجدارية. حتى أن الفرعون إخناتون حاول توحيد العبادة حول إله الشمس آتون، متخليًا عن تعدد الآلهة. أما في حضارات أمريكا القديمة، فقد بلغت أهمية الشمس درجة العبادة. في معظم حضارات الشرق يتبوء الشمس مكانة مهمة بجانب القمر ونرى ذلك مثلا في رمز الشمس في الحضارة الحثية وفي حضارات العراق القديم، كان للشمس رمزية كبيرة، حيث نراها تمنح الحكمة للملك حمورابي في مسلته الشهيرة التي تُعرض اليوم في متحف اللوفر بباريس. يظهر حمورابي في أعلى المسلة وهو خاشع أمام الشمس، يتلقى منها القوانين. 

 رمز الشمس في الحضارة الحثية (تركيا الحالية)

كان هذا الرمز قريبًا من شعار الجمهورية العراقية في القرن العشرين، الذي شارك في تصميمه الفنانون جواد سليم وحنا دبش. ويمكن مشاهدة الشمس في الآثار الحضارات القديمة في عموم كوردستان. الشمس في الثقافات المختلفة: لا تزال الشمس رمزًا بارزًا في ثقافات متعددة. على سبيل المثال، تتوسط علم اليابان، حيث يُنظر إلى الإمبراطور على أنه “ابن الشمس”، وهو من القادة القلائل الذين بقوا في الحكم بعد هزيمة بلادهم في الحرب العالمية الثانية. كذلك، نراها في أعلام العديد من الدول، بما في ذلك علم إقليم كردستان العراق. 

عشتار وتموز، تحكي الأسطورة السومرية أن الإلهة عشتار (إنانا) عشقت تموز الراعي، لكنه دخل في صراع مع إنكيميدو، الفلاح الذي نافسه على حبها. وعندما اختارت عشتار تموز، أنزلته إلى العالم السفلي، فغابت الشمس وساد الظلام. بعدما ندمت عشتار، سمحت له بالبقاء نصف عام في العالم السفلي والنصف الآخر معها على الأرض، مما يفسر تعاقب الفصول. لاحقًا، قررت أن تحل شقيقته غشتينانا محله في العالم السفلي، فاستمرت دورة الحياة. عُرفت عشتار بأسماء مختلفة في الثقافات القديمة: عند العرب باسم “عثتر”، وعند الكنعانيين “عشتروت”، وعند الإغريق “فينوس”، والرومان “أفروديت”، وفي شمال إفريقيا “تانيت” أو “هيرا”. وكانت تُعبد كإلهة للحب والخصوبة، ومانحة للحياة. 

تبقى الشمس رمزًا خالدًا، تنشر النور والدفء بالمساواة بين جميع البشر. كما هي ترفرف صورتها عاليا في العديد من أعلام ورايات العالم. استمرار وجودها في السماء تعني كذلكً استمرار الحياة على الثرى، وغيابها تعني نهايته. 

وتبقى الشمس الأجمل في روابي وجبال بلادي. 

الأندلس، 2025 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Breaking News
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com