بنسالم حميش والرواية: المولى إسماعيل السلطان نحو تنسيب التاريخ

13 أبريل 2025
بنسالم حميش والرواية: المولى إسماعيل السلطان نحو تنسيب التاريخ

يكتب حميش الرواية بلسان السلطان المولى إسماعيل، يتحد فيها السارد بالشخصية الأساسية في الرواية

جمال أمّاش

شاعر وكاتب من المغرب

لماذا نكتب الرواية التاريخية؟ هل لازدياد الاهتمام بالتاريخ، بوصفه خلفية للحاضر، ارتباطاً لازدياد الوعي بالحاضر؟  أم لأن الرواية تسهم في استجلاء ما حدث في التاريخ، لفهم التاريخ، أم لتغيير سردية تاريخية تكرّستْ بفعل التكرار أو بفعل درس التاريخ بالمدرسة؟ وهل هناك حاجة اجتماعية لكتابة التاريخ بالرواية، وبالسرد عموما؟

يقول “أمبرتو إيكو” إن الرجوع إلى أحداث الماضي، سواء كان قريبا أم بعيدا، يمثل حيلة سردية نستنبطها للحديث عن مسائل عديدة متصلة بالحاضر.              

-يكتب التاريخ، حين يطرح الحاضر سؤالا، أو إشكالا في الدولة وفي المجتمع. في المسار وفي إعادة النظر في فرضيات لم تؤكد صحتها البحوث أو تنفيها. وبقيت تكرر خلاصات بحوث سابقة تكرست في الجامعة وفي الإعلام. 

نكتب التاريخ، ونحن نتغيا علميته في القراءة وفي التأويل. بالحجة والوثيقة والدليل. يعترضنا التفسير، بالعوامل وبغيرها. وننفذ إلى الأعماق. أما الرواية فمجالها واسع. تبحث في الذات وفي الواقع. تلتقي في حبكتها مع خيوط العالم وأزماته. تترك الواقع غالباً، وتَحتمي بالبنيات التحتية للشخوص، لتسد الشقوق والثقوب بسعفات الخيال والتخييل.

أثارني عنوان الرواية الجديدة للكاتب بنسالم حميش “المولى إسماعيل السلطان”. اقتنيتها بسرعة الباحث عن كنز أو عن مسلك إليه، أو إلى رؤية أخرى لقراءة التاريخ بالرواية، أو عن طريقها. خصوصا أن الأمر يتعلق بالكتابة عن أحد سلاطين الدولة العلوية الكبار المولى إسماعيل. الذي اتخذ مدينة مكناس عاصمة له. والأهم أن السلطان إسماعيل ارتبط في أذهان العامة والباحثين بسلطته وقوة حكمه وكثرة أبنائه، ونزاعه مع مجموعة من العلماء والفقهاء والأعيان، وبخاصة في فاس، ومواجهته لتمردات القبائل وفورات أبنائه. مما مكنه من حكم المغرب لمدة طويلة.

يكتب حميش الرواية بلسان السلطان المولى إسماعيل، يتحد فيها السارد بالشخصية الأساسية في الرواية. وكأننا من خلال الهوية السردية للنص الروائي أمام نص سير ذاتي للسلطان المولى إسماعيل. وما يؤكد ذلك كون العناوين الفرعية للرواية، تبرز أسس ومرجعيات الحكم الإسماعيلي، وخصائص السياسة الإسماعيلية، في المغرب في القرن17م. وهذا يبرز فيما يلي: هذي روافدي وبيانها عندي؛ العدل أساس الحكم وإلا تصدع الصرح وانهار؛ البواخر في ملتي واعتقادي عتقاء لا أرقاء؛ جهاد العدى المحتلين ومقاتلة الفتانين لتوحيد البلاج ورفعة العباد؛ إن فضل صالحتاهن لعظيم؛ فاس العقبة الكأداء بمترفيها وخدامهم الفقهاء؛ في العلائق البرانية.

لكن رواية بنسالم حميش تقدم لنا السلطان إسماعيل بصورة مغايرة، لما هو معروف ومتداول في الرواية التاريخية. كحاكم عادل من جهة، وغير متفق تماما مع شرف السعديين وسلطتهم على المغرب، وعلى غزو أحمد المنصور لبلاد السودان. وكأن حميش ينتصر هنا لرواية المؤلف المجهول، صاحب تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية. كما أنه كان على وفاق مع القبائل، اعتمادا على جيش البخاري. باستثناء القبائل المتمردة عليه، مثل الشبانات بأحواز مراكش، وتمردات فزاز وآيت عطا وغيرها. وبخاصة أهل فاس، وعلى رأسهم جسوس وغيره من العلماء. من أجل فرض الأمن في البلاد. وذلك بالقضاء على نعرات العصبية القبلية التي تؤدي إلى الصراعات الدائمة بين القبائل وبين القبائل والسلطة الحاكمة. وهذا على طول تاريخ مختلف الأسر الحاكمة في المغرب. من صنهاجة ومصمودة وزناتة وغيرها.

هل تسعى الرواية التاريخية، كما قدمها بنسالم حميش، إلى إعادة النظر في النموذج الخلدوني لتفسير تاريخ المغرب، استنادا إلى فرضية العصبية القبلية، كما طبقها ابن خلدون على تاريخ المغرب في العصر الوسيط؟

وهل أصبحت الرواية التاريخية في المغرب أحد مسارات وطرائق الكتابة التاريخية، ارتباطا بانفتاح التاريخ على مختلف العلوم والمصادر ومنها الآداب، والرواية أساسا؟

أم أن الارتباط بالتاريخ بالنسبة للروائيين في المغرب، يشكل نافذة أخرى لقراءة الطبقة الوسطى لتاريخ المغرب، بعين أخرى يحتل فيها الجانب الإبداعي منظار التاريخ، وتتسع بها الانثربولوجيا على آفاق لا يحبها المؤرخ المحترف؟

من المؤكد أننا في حاجة إلى تنسيب التاريخ برؤية متواضعة، دون تبخيسه والعمل على تقديمه بشكل يساعد على تعلم قواعده، في الاستناد إلى الوثائق والمصادر المتنوعة، وإلى التفكير فيه، بأسئلة جديدة تسعى إلى تطوير المقاربة التاريخية، والرجوع إليها في السياسة وفي المجتمع، في المدرسة وفي باقي المؤسسات؛ لأن التربية التاريخية المستدامة تساعد على تنمية التفكير التاريخي، وعلى تشبث المغاربة بوطنهم المغرب، وبتاريخهم في اختلافه وتعدديته، وفي وحدته التاريخية في علاقتها مع الذات ومع الآخر. 

مقال خاص لصحيفة قريش – لندن

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Breaking News
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com