ترامب يُشعل الحرائق بتصريحات مشفرة

15 أبريل 2025
ترامب يُشعل الحرائق بتصريحات مشفرة

صباح البغدادي

تناقلت وسائل الإعلام الأمريكية مقطع فيديو لتصريحات الرئيس “ترامب” خلال اجتماعه مع رجال الأعمال والمليارديرات من المقربين منه في البيت الأبيض، حيث أشار إلى أرباح هائلة حققها بعضهم ومن ضمنهم صديقه المقرب “تشارلز شواب” حيث حصل على عائد يقدر 2.5 مليار دولار والآخر كسب 900 مليون دولار، مما أثارت موجة من التساؤلات حول قانونية هذه الأنشطة وتداعياتها السياسية.

ولان هذه التصريحات تأتي في أعقاب قراره المفاجئ بتعليق التعريفات الجمركية لمدة 90 يومًا على معظم دول العالم، وباستثناء الصين، وبعد أن تسبب إعلان التعريفات الأولي في اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية. والتساؤل المطروح الآن يتمثل:” هل يستغل الديمقراطيون هذه التصريحات للمطالبة بتحقيق فدرالي قد يصل إلى مثول ترامب أمام المحكمة، معتبرين أن هذه الأفعال قد تشكل تلاعبًا غير قانوني بالأسواق؟” ولان ما نستنتجه من تصريحات الرئيس “ترامب” حول الأرباح الهائلة التي حققها أفراد مقربون منه قد تشكل مادة دسمة سياسية وقانونية قابلة للاستغلال من قبل الديمقراطيين.

ومن المرجح أن يحاولوا فتح تحقيقات للضغط على “ترامب” وإحراجه سياسيًا، وخاصة في ظل الشكوك العامة حول نزاهة قراراته الاقتصادية.

وستظل القضية ساحة للصراع السياسي أكثر من كونها قضية قانونية واضحة، ولكنها قد تترك أثرًا طويل الأمد على صورة “ترامب” كرئيس؟ وعلى الرغم بأن التلاعب بالأسواق المالية، وبما في ذلك التداول بناءً على معلومات داخلية غير علنية أو التأثير المتعمد على الأسواق بطرق مضللة، يُعتبر جريمة فدرالية خطيرة في الولايات المتحدة بموجب قوانين مثل قانون الأوراق المالية والبورصات لعام 1934 وقانون مكافحة التداول من الداخل لعام 2012 والذي يحظر على المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك الرئيس وأعضاء الكونغرس، استخدام معلومات غير علنية لتحقيق مكاسب مالية خاصة. 

وعلى منصته “تروث سوشل” في يوم الاربعاء 9 نيسان الساعة 9:37 صباحآ كتب ما نصه :” هذا افضل وقت لشراء الأسهم ” وهي اشارة او رسالة مشفرة لغرض البدء في الشراء قبل أن يعلن بانه بوقف التعريفات والضرائب الجمركية لمدة تسعون يوم بمعنى اخر شراء اسهم رخيصة ومنهارة وبعدها تحقيق ارباح هائلة , وهذا ما حدث بالضبط ولا يمكن تفسيره بغير ذلك , وقد تنطبق عليها حرفيآ نظرية المؤامرة وبأن التي تُظهر علمًا مسبقًا بأرباح ضخمة حققها أفراد مقربون منه، أو قد تُفسر كذلك على أنها تلميح إلى وجود معلومات حساسة تم تسريبها أو استغلالها قبل إعلان تعليق التعريفات وبما أن تصريحات “ترامب” في الاجتماع، قد يسارع البعض أيضآ الى اعتبارها بمثابة “إشارة” غير مباشرة إلى احتمال وجود تلاعب؟واللافت أن “ترامب” قد وقع تغريدته هذه بالأحرف الأولى لاسمه DJT، وهو أمر غير معتاد في منشوراته، لأن هذه الأحرف تحديدًا هي رمز سهم “شركة ترامب للإعلام والتكنولوجيا” المالكة لمنصة “تروث سوشيا”.

وبما أن هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) أو وزارة العدل هما الجهتان المسؤولتان عن التحقيق في مثل هذه القضايا، ولكن أي تحقيق سيتطلب دعمًا سياسيًا قويًا نظرًا للطبيعة الحساسة لاستهداف رئيس حالي. وجود معلومات غير علنية: أن ترامب أو أشخاص في إدارته شاركوا معلومات حول قرار تعليق التعريفات قبل الإعلان العام. واستخدام هذه المعلومات: أن أفرادًا (مثل المليارديرات المذكورين) قاموا بتداولات في الأسواق بناءً على هذه المعلومات. والنية أو التأثير المتعمد: أن ترامب كان يدرك أن تصريحاته أو قراراته ستؤثر على الأسواق بطريقة تخدم أفرادًا محددين.

ولذا فأن الديمقراطيون في الكونغرس، وخاصة في مجلس النواب حيث لديهم نفوذ كبير على اللجان الرقابية، لديهم دوافع سياسية قوية لاستغلال هذه التصريحات ولان الرئيس “ترامب” ومنذ عودته إلى الرئاسة، واجه انتقادات حادة من الديمقراطيين بسبب سياساته الاقتصادية المثيرة للجدل، وتصريحاته العلنية حول أرباح المليارديرات قد تُعتبر بمثابة “هدية” سياسية لهم ورده للجميل على تمويل حملته الانتخابية ولكن اتى رد الجميل من خلال التلاعب بسوق الاسهم والبورصات ؟ وبما أن هناك عدة عوامل تجعل من المرجح أن يسعى الديمقراطيون لفتح تحقيق ومن خلال استغلال الضغط العام وردود الفعل الشعبية على انهيار الأسواق ثم ارتفاعها المفاجئ بعد تعليق التعريفات أثارت شكوكًا واسعة حول نزاهة الإدارة والديمقراطيون قد يستغلون هذا الغضب لتصوير “ترامب” كرئيس يخدم فقط النخبة الغنية المقربين منه على حساب المواطن العادي.

وبما أن هناك سوابق تاريخية والديمقراطيون سبق أن طالبوا بتحقيقات ضد “ترامب” في ولايته الأولى (2017-2021) وبما في ذلك قضايا تتعلق بتضارب المصالح وتصريحاته الحالية قد تُنظر إليها كفرصة لإعادة فتح ملفات مماثلة. وبالاخص لديهم التوقيت السياسي الأمثل حاليآ ومع اقتراب انتخابات منتصف الولاية في 2026 والذي من خلالها قد يرى “الديمقراطيون” في هذه القضية وسيلة لتعبئة قاعدتهم الانتخابية وإضعاف “ترامب” وجمهورية إذا ما أحسن استغلالها بصورة مثالية , ومع ذلك، هناك عقبات تحول دون تصعيد الأمر إلى مستوى مثول “ترامب” أمام المحكمة لان سيطرة “الجمهوريين” على مجلس الشيوخ والذين يدعمون “ترامب” بشكل عام، قد يعرقلون أي تحقيقات في لجان الشيوخ، مما يحد من قدرة “الديمقراطيين” على دفع الأجندة. 

وبما أن رئيس هيئة الأوراق المالية الحالي، والمعين من قبل الرئيس “ترامب” قد لا يكون متحمسًا لفتح تحقيق ضد “الرئيس” ، خاصة إذا لم تكن الأدلة قاطعة بالاضافة إلى الحصانة الرئاسية وعلى الرغم من أن الرئيس لا يتمتع بحصانة مطلقة ضد الجرائم الفدرالية، إلا أن محاكمته أثناء ولايته تُعتبر مسألة معقدة قانونيًا وسياسيًا، وقد تتطلب إجراءات عزل أولاً .

ولكن خلال الفترة القادمة قد نلاحظ قيام نواب ديمقراطيون يذهبون الى اتجاه فتح تحقيق ويمكن توقع السيناريوهات ومطالبات بالتحقيق ومن المرجح أن يقدم أعضاء بارزون مثل النائبة ماكسين ووترز (رئيسة لجنة الخدمات المالية) أو السيناتور “آدام شيف” المعروف بمواقفه القوية ضد ترامب او من خلال رسائل رسمية إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات ووزارة العدل تطالب بفتح تحقيق. وهذه الخطوة قد تحظى بدعم من أعضاء آخرين مثل إليزابيث وارن أو ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، اللتين أبدتا اهتمامًا سابقًا بقضايا التلاعب المالي.

ولكن قد يختلف رد فعل الجمهوريين، بقيادة شخصيات مثل رئيس مجلس النواب أو زعيم الأغلبية في الشيوخ، سيحاولون تصوير هذه المطالبات كـ”هجوم سياسي” على “ترامب” ومدعين أن تصريحاته كانت تهدف إلى طمأنة الأسواق وليس التلاعب بها. وفي المقابل، ستدافع وسائل إعلام محافظة عن “ترامب”، مما يعمق الانقسام السياسي.

وإذا ظهرت أدلة تشير إلى تلاعب فعلي، فقد تتحول القضية إلى فضيحة كبرى. أما إذا تمكن “ترامب” من احتواء الأزمة من خلال نفي الاتهامات أو تقديم تفسيرات مقنعة، فقد يتمكن من تحويل الانتباه إلى إنجازاته الاقتصادية المزعومة. النتيجة تعتمد على قدرة “الديمقراطيين” على جمع أدلة و”الجمهوريين” على حماية الرئيس .

ولكن قد نذهب بعيدآ الى ما وراء الحدث ولأن من التبسيط المفرط الاعتقاد بأن تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن التعريفات الجمركية، التي هزت أسواق الأسهم والبورصات كصاعقة مفاجئة، قد تبددت تداعياتها وتلاشت تهديداتها إلى غير رجعة. فالأزمة التي أثارتها هذه التصريحات ليست مجرد موجة عابرة، بل هي جرس إنذار يعكس هشاشة النظام المالي العالمي الذي يتأرجح على حافة الهاوية. لقد باتت ثقة المستثمرين الأجانب في الأصول الأمريكية – سواء كانت أسهماً أو سندات حكومية – مهتزة بعمق، ولا يمكن استعادتها بمجرد وعود عابرة أو خطابات مطمئنة.

والسؤال الأكثر إلحاحاً الآن ليس متى ستستقر الأسواق، بل كم من الصدمات المتتالية يمكن لهذا النظام المالي الأمريكي أن يتحمل قبل أن ينهار تحت وطأة تناقضاته الداخلية؟ فالعالم بدأ يدرك أن قوة الدولار كعملة احتياطية عالمية، التي يستند إليها هذا النظام، لم تعد ترتكز على غطاء ذهبي ملموس، بل على ثقة متآكلة في الاقتصاد الأمريكي وهذه الثقة، التي كانت يوماً صلبة كالصخر، باتت اليوم هشة كقشرة جليد تنتظر لحظة الانكسار , وما يزيد من هواجس المستثمرين هو التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة , في الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، في خطوة تعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى، بدأوا يعززون التبادل التجاري بعملاتهم الوطنية، متجاوزين الدولار وسندات الخزينة الأمريكية. هذا التحول ليس مجرد إشارة عابرة، بل دليل على إعادة تشكيل النظام المالي العالمي، حيث يتراجع الدولار تدريجياً عن عرشه كركيزة لا تُمس بدأ اليوم أشبه باقتصاد بمهب الريح .

وفي هذه الأجواء المشحونة بالقلق، يترقب المستثمرون ساعة الصفر بقلوب واجفة، مدركين أن الانهيار المنتظر ليس مسألة “إذا”  بل “متى” للنظام المالي الأمريكي، الذي بدا يوماً عصياً على السقوط، يقف اليوم على أرضية متصدعة، تنتظر الضربة القاضية التي قد تأتي من أي زاوية – سواء كانت تعريفة جمركية جديدة، أو أزمة ثقة متفاقمة، أو تحول جذري في موازين القوى الاقتصادية العالمية والمتمثل بالتنين الصيني ومن ورائه روسيا والاتحاد الأوروبي والأيام القادمة حتمآ ستكون حبلى بالمفاجآت .

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Breaking News
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com