جوانب مظلمة تكتنف إعادة تسليح أوروبا

4 أبريل 2025
جوانب مظلمة تكتنف إعادة تسليح أوروبا

ما الذي ينبغي لأوروبا أن تستثمر فيه عسكريا لتقي نفسها من عدو محتمل ؟

كاتب وصحفي من المغرب

يبدو أن لا اتفاق بين الخبراء الأوروبيين في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية حول أهمية وجدوى الإنفاق العسكري بعد أن ساد الإحساس في القارة العجوز أن الولايات المتحدة الأمريكية تتخلى عنها رويدا رويدا مع اضمحلال دور منظمة حلف الشمال الأطلسي (الناتو).

فالخبراء العسكريون يرون أن أوروبا، والمقصود دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، مجبرة على دعم الصناعة العسكرية لحماية نفسها بنفسها رغم أن هناك من يحذر من مخاطر إعادة تسليح أوروبا مع وجود “جوانب مظلمة ” ، وأن الزيادة السريعة في الإنفاق العسكري في أوروبا قد تجلب معها الكثير من العيوب ستنعكس سلبا على جوانب حيوية شتى ،منها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على وجه التحديد .

وقد كان للضغوطات الأميركية غير الودية تجاه الاتحاد الأوروبي خاصة وتهديد واشنطن بفرض رسوم جمركية إضافية تأثيرا واضحا في أوروبا التي اعتادت أن ترى في أمريكا الحليف الاستراتيجي الأول الذي لا محيد عنه وعرابها الأول في الجانب العسكري/الدفاعي.

وتقتنع أوروبا مجتمعة أنها غير قادرة في الوقت الراهن على التجاوب مع مبادرة دونالد ترامب لزيادة الإنفاق العسكري ما بين  3 و5 في المائة . وعلى سبيل المثال، ستحتاج إسبانيا إلى زيادة استثماراتها بمقدار 27.402 مليار يورو لتلبية الحد الأدنى الجديد على حساب قضاياها الاجتماعية ، وهو الأمر الذي أثار مناقشات متوترة بين حكومات أوروبا لصعوبة تطبيق الهدف وبلورته على أرض الواقع مع وجود تفاوتات اقتصادية بين الدول، ومع وجود دول بالكاد توفر الحد الأدنى لضمان حياة متوازنة لمواطنيها .

وسبق لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن أشارت في أحد تدخلاتها الرسمية الى أنه بحلول نهاية العقد الحالي، ينبغي لأوروبا أن تكون في وضع يسمح لها بمواجهة روسيا عسكريا إن اقتضت الضرورة ، على الأقل من حيث المعدات والإعداد العسكري في كل تمظهراته .

ولتحقيق هذا الهدف الصعب ، تم تحديد عدة مجالات رئيسية يتعين على الدول الأوروبية أن تتقدم فيها في وقت واحد . وفي هذا السياق، كانت ألمانيا واحدة من الدول التي أنفقت أكثر الأموال على الدفاع، متجاهلة الدول المجاورة لروسيا، مثل دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) وبولونيا ، التي تبقى إمكاناتها لتمويل المشاريع العسكرية محدودة جدا .

ومع قرع طبول الحرب، ما الذي ينبغي لأوروبا أن تستثمر فيه؟

لا مفر لأوروبا من التفكير فيما تستثمر فيه اليوم قبل الغد . وفي هذا الإطار يرى خبير الأسلحة مايكل برزوسكا من معهد أبحاث سياسات السلام والأمن في جامعة هامبورغ الألمانية أن الطائرات الموجهة (بدون طيار) هي المفتاح ،معتبرا أنه في المستقبل، ستظل الدبابات ضرورية للتقدم عسكريا وضم أراضي “العدو المحتمل”، لكن الحرب في أوكرانيا أظهرت ضعفها أمام الطائرات الموجهة ” الانتحارية”  ،وقد تكون المدفعية الحديثة هي القادرة على صد هذه الأجهزة (يعني الطائرات الموجهة) ، وبالتالي ستطلع بدور مهم في عائد الاستثمار وتحقيق مكاسب توازي النفقات الباهظة  .

وفي المجال الجوي، ورغم أن أهمية الطائرات المقاتلة كانت موضع نقاش في العقود الأخيرة، فإن برزوسكا يؤكد أنها ستظل ضرورية بسبب انخفاض مستوى تعرضها للخطر مقارنة بالطائرات الموجهة . وتعمل شركات ألمانية مثل “هيلسينغ” و”كوانتوم سيستيمز”مثل Quantum Systems وHelsing على تطوير الأتمتة العسكرية، وهو ما قد يحدث ثورة في الحرب الحديثة ،من وجهة نظر الأوروبيين .

ومع ذلك، يشدد الخبير الألماني على أن هذا الجانب من الاستثمار العسكري له “جانب مظلم”. ويقول الباحث إن “هناك خوف من أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح بطريقة ما مستقلا وينتهي به الأمر بالسيطرة على أنظمة الدفاع وتجاوزها” ،خاصة إذا لم تسع الدول المعنية على حل هذه المشكلة التي لا يتفهمها الكثير من الأوروبيين ولا تبدوا للعيان ولا يتفهمها الإنسان العادي .

وبالإضافة إلى الطائرات والأنظمة غير المأهولة (أنظمة يتم التحكم فيها عن بعد ذات طابع عسكري /دفاعي )، يرى الخبراء الأوروبيون أن أوروبا تحتاج إلى دفاعات قوية مضادة للطائرات، وصواريخ عالية الدقة، وصواريخ كروز ،الصاروخ الجوال الذي يطلق من الجو.

أهداف أوروبا واضحة ظاهريا، دون موارد كافية

وتواجه عملية إعادة التسلح العسكري في أوروبا وزيادة الإنفاق على هذا الجانب الحيوي عقبات متعددة. فتاريخيا، تم إعطاء الأولوية للأنظمة شديدة التعقيد على الحلول العملية التي يتم تنفيذها بسرعة.

وفي هذا السياق ،يؤكد المحللون السياسيون والعسكريون الأوروبيون أن بعض الساسة يفضلون العقود التي تعود بالنفع الاقتصادي على مناطقهم بدلاً من ضمان الخيار الأفضل للقوات المسلحة. ويؤدي هذا الوضع إلى زيادة الاعتماد على الخدمات العسكرية الأميركية، على الرغم من الخلافات مع دونالد ترامب. فلقد تم دمج التكنولوجيا الأميركية في الأنظمة الأوروبية منذ عقود من الزمن، والآن سيتم ذلك على نحو أكثر إلحاحا .

ومن ناحية أخرى، ولتحفيز التطوير العسكري/الدفاعي، تدعو بعض البلدان إلى عمليات شراء بالجملة داخل الاتحاد الأوروبي اي أن على كل الدول أن تعتمد مشاريع صناعية عسكرية ، من أجل خفض التكاليف وتحسين الإنتاج. ويتم النظر في إصدار سندات مشتركة لتمويل المشتريات العسكرية وتسهيل مشاركة البلدان التي تعاني من قيود الميزانية، مثل فرنسا وإيطاليا.

علاقة الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة الأمريكية تمر الآن من عنق الزجاجة ،خاصة مع اتهام الدنمارك لدونالد ترامب بتصعيد التوترات بخصوص موضوع غرينلاند والدعوة الى “انتفاضة شعبية ” ،وهي القضية التي لا تنظر إليها أوروبا بعين الرضا .

فقد اتهم وزير الدفاع الدنماركي ترويلز لوند بولسن قبل أيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصعيد الجدل حول غرينلاند وإصدار “تهديدات خفية ” برغبته في الاستيلاء على الإقليم الدنماركي الذي يتمتع بالحكم الذاتي.

وقال بولسن ،لقناة “تي في 2″ التلفزيونية الدنماركية ،”يتعين علي أن أنأى بنفسي بشكل واضح عما أعتبره تصعيدا من الجانب الأمريكي”.

واعتبر ترامب ،في تصريح صحافي ، أن غرينلاند “حيوية” للأمن الدولي وأنه مجبر ومكره على قول ذلك، لكن بلاده ستضطر إلى “القيام بذلك”، في إشارة إلى الضم المحتمل لهذه الجزيرة القطبية الشمالية.

وما على أوروبا ، أمام هذه المستجدات والتحولات في السياسة الأمريكية إلا أن تشمر عن ساعد الجد وتبحث عن حلول عملية كفيلة بتمكين القارة العجوز من حماية نفسها بنفسها عبر استراتيجيات قد تكلف الإنسان الأوروبي والدول الأوروبية التخلي عن الترف الاقتصادي وترشيد النفقات .

مقال خاص لصحيفة قريش – لندن

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


الاخبار العاجلة
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com