لاجئة ذهب
رعد الريمي
قاص من اليمن
على تلكم الرحلة التي تحمل رقم 520 كانت مساحة القدر أكبر من الاختيار والتي
أُخبرنا فيها – قبل أن يَقبض الحصال أجرة المركبة مبلغ 2500 ريال بغرض إيصالنا
لمحافظة الضالع- أننا سوف نسلك طرقا فرعية.
بجانب مقعدي -غير المريح- توجد مقاعد أخرى ملأى بأشخاص تحتل الفوضى جل حياتهم
إلا مساحة أنملة.
رئة المركبة الوحيدة نافذة قامتها شبران وحزام أسود، تتملكها لاجئة أرمنية
تجلس بمحاذاتها.
بالكاد يصل الهواء مداعبا ذلك الخمار الذي تضعه على رأسها والذي تشبه ألوانه
حد التطابق موسيقى النشيد.
ثمة تطابق حد التساوي بين خمارها ونشيدنا الوطني الذي تكلف شاعرنا أخضوضر!!
التاريخ فيه ما أوقعه في التكرار.
تراوح اللاجئة نظراتها مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال كي تستريح وأشياء أخرى!
غير أنها لا ترى إلا ظل مبانٍ عارية..
تمتعض من المنظر المخيب فتغمض عينيها، ظانة أنها ستقلص مساحة التعاسة على هذه
الرقعة.
وهي في انسجام وسبات، تتسلل إلى سمعها أحاديث متقطعة فتجتهد بملء تقطعات
أحاديثهم بظنون يقترحها حديث نفسها.
في مؤخرة المركبة التي حشر مالك المركبة بالكرسي الضيق فيه أربعة بخلاف المقدر
له، يتصاعد صوت رضيع يمزق فكرة الزوامل التي ما انفك سائق المركبة يطويها كلما
انتهت.
لاعج العطف اختلج في صدر اللاجئة التي لا تعرف العربية غير أنها عرفت ذلك، لأن
الوجع فالبكاء، والفرح والقسوة لهجة عالمية.
تشاغل نفسها، تلقي بنظرها جهة اليسار فلا ترى إلا الهاوية والغائط وأشجار
فارعة بلا ثمر تشبه وجه عجوز حارتنا الشمطاء التي لا يقول لها أحد شكرا ألبتة،
ولا حتى عامل النظافة الذي تقدم له وجبة الفطور كل صباح.
أفردت اللاجئة راحتيها على مسند الكرسي المقابل لها وألقت بناصيتها، وأخذت
تمتلئ تشاغلا بالذكريات غير أن صراخ الطفل بعثر ذلكم التشاغل كعينين حيرى في
رسمة لا تقول الحقيقة بل التأويل.
تجشأ صدرها هما وزفرت ألما، كل من على الباص اشتم منه رائحة التشرد والهجرة
القسرية بسبب الحرب.
وحينما لم يفارقنا صوت الرضيع وتعالى في المركبة حتى بتنا لا نسمع بعضنا إلا
همسا استدارت اللاجئة من على كرسيها الضيق الذي احتل زوجها مساحة كبيرة منه.
مدت ذراعيها النحيلين، شديدي السمرة، الخاليين من أي أساور أو حتى تمائم السحر.
لم تكترث بنا أنا وصديقي المكونين سداً نتوسطها، وصوت الطفل.
أخذت تحرك راحتيها تطلب الطفل وتبسط أناملها وتقبضها حتى أتاها.
ولما كان الطفل بين راحتيها تدفق من محجر عينيها دمع ولم تنطق ببنت شفه؛ غير
أن زوجها ذا الشعر الأجعد والوجه الضحوك عنوة ووجلا، قال ولثغته تعافر عربيته
أسباب عديدة تنبذ منا دواعي الفرح أهمها تفتيتي الخبز على أرض لا أنتمي لها.
==========================
قصة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة