ثلاث قصص  قصيرة للكاتبة الفلسطينية سناء شيفيبرت

ثلاث قصص قصيرة للكاتبة الفلسطينية سناء شيفيبرت

آخر تحديث : الجمعة 14 أكتوبر 2022 - 11:14 صباحًا

Screenshot 2020 11 30 at 22.53.18 e1606777158601 - قريشثلاث قصص 

IMG 5851 - قريش

سناء شيفيبرت

قاصة فلسطينية مقيمة في المانيا

 

15803830 303 - قريش

 

جرائم تسقط بالتقادم 

حكايات بعض الحقب التاريخية تسكن الذاكرة، وتبقى كالإرث تتناقلها الأجيال لتصبح عصية على الاندثار.

لا تجلس إلى كبار السن هنا إلا ويحدثونك عن حياة البشر في ألمانيا الشرقية قبل سقوط الجدار، حريصين على ألا يطوي الزمن تفاصيلها.

كأن يبدأ مسن -يبحث في قطار عمن يستمع إليه- بسرد تفاصيل تعذيبه في أحد سجون المخابرات آنذاك، ذاكرا طرقهم الماكرة في تسديد الضربات لأجساد السجناء السياسيين تحت الماء، ليضمنوا عدم ترك آثار على أجسادهم تدل على فعلتهم.

أو عندما تكون مدعوا إلى حفل زفاف فتحدثك إحدى المسنات عن حزنها، لأنها لم تحظَ بخاتم عرس من الذهب، لندرة الحصول على الذهب هناك ومعاقبة من يقتنيه بالخفية عن السلطات ومكافأة من يدلي بمعلومات عنه.

أو عندما تلتقي بنساء مارسن مهنة التدريس آنذاك، وتستمع إلى اعترافاتهن باستجواب تلاميذهن للتحقق من إخلاص والديهم للنظام، والتأكد من عدم تخطيطهم للهرب إلى الشطر الغربي من البلاد، وحزن إحداهن وهي تقدم اعترافاً عن جرم -انتهى بالتقادم- حول استجوابها لطفل، وصف لها ببراءة كيف يسهر والداه على خياطة أجزاء منطاد، يخططون للهرب فيه إلى الغرب، وانقطاع حديثها وهي تحاول بصوت مخنوق القول إنها كانت وراء سجن والديه، وتحويله إلى يتيم تتقاذفه بيوت الأيتام، فكبر حاملا ندب هذا الحدث على روحه.

تستمع كغريب إلى قصصهم، وكأنك التقيتهم لتحمل عبئها معهم.

———

الوشوم 

قطع حضورها حوارا -بدأتُهُ مع ورقة بيضاء كانت أمامي- أحاول به تمضية وقت انتظار فنجان قهوة، أهمله نادل يطارد سنونو حط على فطيرة، قررت سيدة تناولها في حديقة المقهى متحديةً جوع عصفور، راقت له مشاغبة النادل.

دخلتْ المقهى، وبدأتْ تتحدث مع كل واحد على حده، وتشرح له حاجتها إلى جمع مبلغ معين من المال، لدفع تكاليف إزالة وشم كبير على ذراعها الأيسر، يحمل صورة واسم حبيب تركته، وتريد استبداله بوشم جديد.

تفاعل رواد المقهى مع قصتها الغريبة. بعضهم كان سخيا جدا في العطاء، وبعضهم نصحها بشرح أزمتها النفسية لشركة التأمين الصحية، لعلَّها تقتنع بتحمل تكاليف هذه العملية.

خرجتْ هذه المتسولة الشابة ومعها مبلغ من المال، لم يحصل عليه أي مستعطٍ آخر، دخل هذا المقهى مستجدياً مساعدته في شراء طعام أو دواء.

راقبها الحضور وهي تغادر المقهى بسعادة، متمنين لها بداية مشرقة مع وشمها الجديد، وأكملت أنا حواري مع الورقة التي كانت تحملق في قلمي، لتحتضن سطورها قصة هذه الشابة المبتلاة بالوشوم.

——————–

مواسم القطاف 

كانت تشعر أن الشمس تنتظر رجوعها من الحقول البعيدة، لتغادر السماء، فتتسارع خطواتها لتسابق آخر شعاع منها حتى يتداعى أمام عتبة بيتها، فتقف ملتقطةً أنفاسها تلوح لها مودعة، وهي تتوارى وراء الجبال البعيدة، ليسقط الظلام على كل شيء حولها.

وقبل أن يلمح الليل آثار النهار على جسدها، تقوم بغسل تعبه عنها بعناية، وتستعد لاستقبال هواجسه، التي يجلبها معه كهدايا ضيف مألوف يتصرف وكأنه يعرفها.

تسترجع يوم وداع ابنها ووعوده بالعودة مع موسم جني العنب، وتتذكر أعداد مواسم القطاف التي مرت بدونه، وتحسب ما تبقى لها من وقت تقضيه في حراسة أمل لا يغادرها، وتتفقد الرسائل القليلة التي تلقتها منه، تتفحص كل كلمة فيها، لعلها تجد إشارة على نيته في العودة لرؤيتها.

تسهر مع ضيفها، حتى تتسلل أولى خيوط الشمس إليها فتحزم زوادة النهار، وتذهب إلى الكروم تواسي عزلتها، وتحكي لها -والغبطة تملأ صوتها- قصة عودة الابن الضال لأبيه

قصص خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com