نجوى المتمردة قصة قصيرة للمغربي رشيد سكري

نجوى المتمردة قصة قصيرة للمغربي رشيد سكري

آخر تحديث : الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 10:13 صباحًا

قصة قصيرة 

رشيد سكري

Unknown - قريش

قاص من المغرب

 أحس بنفسه أنه يشبه ، إلى حد ما … 

ليوناردوديكابريو … 

يقولها لنجوى المتمردة ، وهي تتطلع إليه في المرآة بمآق كبيرة ، وواسعة كعيون المَها ،  وقال في خلده : 

ـ لا بد أن أتسلل إلى … إلى تلك الخشبة… 

من قلب الحشد الغفير ، كجمهور متيم بالفرجة و العروض المسرحية ، يبدو الرُّكـْحُ كمقصلة الممثلين ، ملفوفة في دثار أزرق كمزار سيدي بوغالب . 

ـ إنها الخشبة الإيطالية .

قال لنجوى المتمردة : تسريحة شعري ، ونفسي المعطرة … وهندامي رفيع . 

ـ أليس كذلك يا نجوى  ؟ 

ـ نظرت إليه بنظرة شزراءَ ، وقالت له بصوت خافت : إنك تبدو كرقعة في سروال المهرجين . استنشق هواء جديدا ، وأحس به يربت على فوديه الأشمطين ، ويشعر كأنه في سفينة تايتنك تمخر به العُبَاب و الرذاذ المالح ، دافعا إلى الأمام جؤجؤه كالعقاب. لم تتركه وحيدا على حافة الجَوار ، بل اقتربت منه نجوى المتمردة ، بخطى وئيدة ،  متحسسة حرارة جبينه الأسخن . 

في وسط هذا الجمهور ، الذي ينتظر العرض ، بقعة ضوء تكشف عن مهرج ملفوف في سروال كالمنطاد ، تتقاطع فيه خيوط ملونة ، وله عروة وحيدة من الخلف  . سار بخطى كالمنتصر الغازي ، كراقص البالي  … 

كالخدروف دار على جسده الرشيق نصف دورة… مخاطبا الجمهور، قائلا :

ـ إلى أين أنتم ذاهبون ؟ إلى أين أنتم مسافرون ؟ 

اقترب من نجوى المتمردة ، حتى بدأت تتحسس أنفاسه الساخنة … 

ـ إنه المسرح يا سادة … إنه المسرح يا سادة .  

وقفت نجوى منتصبة القامة ، فمشت في غنج و دلال ، تتفرس نظراتها عيونا مضيئة 

ـ هل يكفي أن يكون المسرح احتفالا ؟

ـ أجابها ديكابريو من خلف الستار المعتم ، وصوت تايتنك يملأ الأسماع ، في حين يخبو  أنين المرضى و المعطوبين .

ـ لا يا نجوى المتمردة . لا يا نجوى المتمردة . فالمسرح أبو الفنون … أبو الفنون .

صعدت نجوى إلى الخشبة في رشاقة قطة وجلة ، وبقعة ضوء تبرز نهديها الأملسين … كرمان خريفي . صاحت بصوت ملأ المكان صخبا :

المعطوبون … المرضى … القتلى . ماتوا للمرة الثانية في تايتانك ، وها نحن نشيعهم في جنازة مهيبة إلى مثواهم الأخير . المسرح ، يا سادتي ، ليس احتفالا بالموت و المعاناة  والألم ، وإنما فرجة على صراط المعطوبين و الجوعى و المتمردين . هيمن صوت الأنين و الوجع  والحزن رافقه خروج ديكابريو إلى الخشبة ، ومد كلتا يديه لنجوى المتمردة ، التي تظهر أنها تغرق في بحر لجي  تتقاذفها أمواج عاتية . 

اتجه المهرج نحو الجمهور يذرف دمعا ساخنا ، فاختلطت الألوان القزحية على صفحة وجهه المكتنز . فقال بعد تلكؤ :

ـ ماتت نجوى المتمردة ! ماتت نجوى المتمردة !   

صاحب هذا المشهد ظلام تام . فغامت القاعة في العتمة الدامسة دون أن أتحسس المرأة ، التي كانت بجانبي تتابع المشهد بتركيز شديد . 

قصة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com