صبري يوسف
إنَّ أي متابع حصيف لمجريات الإعلام وما يجري في العالم من منزلقات ومطبَّات كونيّة مرعبة، يستنتجُ بكلِّ وضوح وفظاظة غير مسبوقة، ترويج ثقافة العنف والحرب والدَّمار والخراب في الكثير الكثير من بلدان العالم، والمرعب في الأمر أنَّ أغلب منابر العالم تتحدَّثُ ليل نهار عن ثقافة العنف والحروب والكوارث الكونيّة، وكأنَّ ترويج ثقافة القتل والحرب والعنف والعنف المضادّ هو المطلوب الآن، مع انحسارٍ كبير لترويجِ ثقافةِ السّلام والحب والفرح والإبداع الخلَّاق في الكثير من بقاع الدُّنيا. والسُّؤالُ المطروح إلى متى سيبقى إنسان هذا الزّمان بعيداً كلّ البعد عن التّخطيط بكلِّ حكمةٍ ودراية عادلةٍ لترويج وتعميق ثقافة السَّلام والوئام بين البشر والشُّعوب والأقوام في سائر أنحاء المعمورة؟!
هذا السُّؤال يختلجُ وينبثقُ بكلِّ رهافةٍ من أعماق كل إنسان يمتلكُ ذهناً منفتحاً على الوئامِ، ولديه ذاكرةً نقيّةً صافيةً صفاءَ النَّسيمِ في صباحٍ ربيعي، ويظلُّ هذا التَّساؤل معشَّشاً في ذاكرةِ وذهنِ وخيالِ هؤلاء المجنّحين نحوَ فضاءاتِ الخيرِ والفضيلةِ والسَّلامِ صباح مساء، ولا أرى أيّة توجّهات كونيّة جادّة وفعّالة من قبل المؤسَّسات والهيئات العالميّة، تدرسُ هذه الظّاهرة العنفيّة في تعاظمِ وتفريخِ الحروبِ والشُّرورِ والمواجهات والصِّراعات المريرة بين الدُّولِ على المال والغازِ والنّفطِ والمياهِ، وكل ما له علاقة بمنافساتٍ سلبيّة وقمعيّة واقصائيّة، إلى أن وصلت الصِّراعات بين الدُّول والقارّات إلى حروب إبادة في بعض منعطفاتها ودهاليزها وإلى التَّخطيط بقتل البشر بطريقةٍ غريبةٍ وعجيبةٍ لم نسمع عنها في كتبِ الأساطيرِ ولا في قصص الخرافات، فقد أصبحت العلاقات الكونيّة في بعضِ مساراتها أقرب من عوالم الخرافات منها إلى منطقِ الحياة والوئام بين البشر، فهناك مَن يخطِّطُ بشتّى الطُّرق الإجراميّة لاقلال عدد سكَّان العالم.
وكأنّ سكّان العالم أو البشريّة هم حطب للاشتعال والاحتراق ومشاريع اقتصادية للكثير ممَّن يخطِّطون لانقاص عدد سكان العالم، وكأنَّ تزايد سكان العالم يتمُّ على “سفرة” ومائدة هؤلاء الحيتان الكبار، المصابون بهوس الحصول على المال حتّى ولو ذهبت البشرية في ستّين مليار مليون داهية! هؤلاء الّذين يتحكَّمون باقتصاد العالم تحكُّماً سلبيّاً مقزّزاً ومدمِّراً للغاية، من خلال التَّحكُّم بشنِّ الحروب هنا وهناك والتَّدخُّل بكلِّ شاردة وواردة تتعلّق بتفريخ الصِّراعات والحروب والقتل والخراب المريعِ، إلى أن وصلت بهم الأمور إلى تفريخ الأوبئة والحروب والصِّراعات الغريبة العجية، ونسى كل من ينحو هذه المناحي المريرة والعقيمة والموغلة في الرُّؤية الانحطاطيّة، أنَّ الحياةَ قصيرة للغاية ولا تتحمَّل كل هذه التَّوجُّهات السَّخيفة الخالية من أيَّة ذرة إنسانيّة أخلاقيّة ضميريّة خيّرة، وأنَّ الحياةَ يجب أن ترتكز على معايير الخير والسَّلام والوئام والفرح والعدالة الحقيقيّة، وترويج هذه الثَّقافة على وجه الدُّنيا بما فيها فائدة الكون والبشر والأرض والسَّماء والطَّبيعة، لأنّني أشعر باندهاشٍ غريب الأطوار من هذا الانهيار الكوني في سلّم المعايير الخلّاقة على وجه المعمورة.
الإنسانُ هو إنسان أينما كان، وعليه أن يتعامل مع بني جنسه بكُلِّ أخوّة ومحبّة وفرح وسلام ووئام، ويحقِّق معادلة السَّعادة والهناء والوئام الكوني للبشر كُلّ البشر في كلِّ أنحاء ِالعالم
ويبدو لي أنَّ الإنسان أصبح سلعةً من السّلع، والأنكى من كلِّ هذا وذاك أن أكبر شركات ومؤسّسات دول العالم لا نراها تروّج لثقافة السَّلام بقدر ما تدعم ثقافة الحروب والعصيان والصِّراعات وحرق الغابات وسهول القمح وحرق الكنائس والمساجد والمعابد والكاتدرائيّات وناطحات السّحاب وتسميم المياه والأرض والهواء! إلى متى سيبقى إنسانُ هذا الزّمان، ضالّاً عن جادة الصَّواب ومرامي الخير في الحياة؟
وكيف فاته كل هذه الحضارات المتعاقبة الّتي مرّت على البشريّة وكل الفلسفات والأخلاقيَّات الدِّينيّة والفكريّة وميزان العدالات، وظل يتشبّث في القتل والعنف والخراب ونشر الفساد في منعرجات الكثير من أنفاق ودهاليزِ العالم، وكأنَّ نشر ثقافة الهدر والحرق والطُّغيان هي الأهداف الَّتي جاء من أجلها الإنسان،
لا تتحمَّل الأرضُ والحياة كُلَّ هذا القبح في صراعات الإنسان مع بني جنسه
بينما حقيقة الأمر يجب أن يسعى إنسان هذا الزَّمان لترويح ثقافة العطاءات الخلَّاقة في جميع ميادين الحياة وخلق برامج إنسانيّة كونيّة عادلة، وتأسيس مؤسّسات وهيئات دوليّة في كلِّ أرجاء العالم لتحقيق رفاهية وسعادة وهناء البشر كلّ البشر دون أي تمييز بين الألوان والأجناس والقارّات، وتحقيق السَّلام والوئام الكوني فيما بين الشُّعوبِ والأمم والحضاراتِ الكونيّة. ألم يشبع مَن يخطِّط لقتل البشر من هدر الدِّماء مقابل زيادة ملياراته، وما فائدة اقتصاد الكون إذا كان ملكاً لشخص أو ألف شخص وكان هؤلاء الأشخاص ذوي سلوك طغياني واستغلالي وعدائي؟ كيفَ ينظرُ هؤلاء الطُّغمة إلى أنفسهم في المرآة قبل أن يناموا وبعد أن ينهضوا من نومهم؟ ألا يرون القبحَ والشّرَّ ينزّ نزَّاً من أنوفهم ووجوههم وفكرهم وذهنهم وقلوبهم وفي كلِّ ما يموجُ في خيالهم وعقولهم وتوجّهاتهم الممجوجة والضّالة عن مسارِ التّنويرِ؟!
إنَّ منقذَ البشريّة من هولِ تفشِّي هذه الأفكار الكابوسية الظّالمة والحارقة في العالم، هو ترويج وزرع ثقافة السَّلام والوئام الإنساني بين البشر ضمن منهاج كوني من خلالِ تأسيس مؤسّسات وهيئات عالميّة ترعى ثقافة السَّلام والتَّعاون بين البشر كأسرة بشريّة واحدة، لتحقيق سعادة الإنسان أينما كان، لأنَّ هدف وجود الإنسان على وجه الدُّنيا هو من أجلِ أن يعيش حياةً رغيدة هانئة مع بني جنسه ومع الطّبيعة والحياة، لأن الحياة هبة من الأعالي وليس نقمة عليه من هذا وذاك، ولا بدَّ من تحقيق كل ما يخدم الإنسان والبشريّة، لأنَّ ميزانيّات الكون من خلال ما فيها من خيرات ومنتجات في باطن الأرض وفوق سطح الأرض من منتجات وعطاءات، تكفي للبشريّة وتزيد عن حاجة البشر مهما تزايدَ عدد سكّان هذا الكوكب، لأنَّ تزايد السّكان يقابله تناقص كبير في وفيّات البشر أيضاً .
هذه المعادلة يمكن تداركها ومعالجتها من خلال إبجاد مشاريع عملاقة في جميع أنحاء العالم للقضاء على البطالة واستغلال الأرض وجغرافية الأرض والعالم لخير الإنسان وسعادته، والتّركيز على الفكر التَّنويري والآداب والفنون الرّفيعة وتقديم أرقى ما يمكن أن يقدِّمه الإنسان لبني جنسه، ويحقِّقُ له أرقى أنواع الموسيقى والغناء والمسرح والفنون وأشهى أنواعِ الطّعام والشّراب والمهرجانات الفنِّيّة والرّحلات البحريّة والبرّيّة والجويّة الرّغيدة، كي يتمتّعَ البشر في الحياة الممنوحة لهم، فلا تتحمَّل الأرض والحياة كل هذا القبح في صراعات الإنسان مع بني جنسه، وكأنّ إنسان هذا الزّمان يقتل نفسه بنفسه، لأنَّ الإنسان هو إنسان أينما كان، وعليه أن يتعامل مع بني جنسه بكلِّ أخوّة ومحبّة وفرح وسلام ووئام، ويحقِّق معادلة السَّعادة والهناء والوئام الكوني للبشر كل البشر في كلِّ أنحاء ِالعالم!
ستوكهولم: 23. 9. 2020
عذراً التعليقات مغلقة