الفكر الاستعماري مبني على الغطرسة واستعباد الشعوب
حميدة الجازي (*)
المغرب
مما لا شك فيه فحدث 20 غشت 1953 يشكل لا محالة محطة بارزة في تاريخ الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال ونقطة فيصلية في مسار الانعتاق من قيد المحتل الغاشم، بل ويعتبرها المحللون والمتتبعون للشأن التاريخي اختبارا حقيقيا لمدى متانة وصلابة العرى والأواصر بين الشعب المغربي والعرش العلوي المجيد، كما عبر عن ذلك “الدكتور الطيب بوتبقالت أستاذ التاريخ المعاصر وعلوم الاعلام والاتصال بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة[1] في مقال له بعنوان : الدلالات التاريخية العميقة لثورة الملك والشعب الذكرى الذهبية -1953 -2003، حيث اعتبر ان المستعمر الغاشم كان يجهل ان الملكية جزء لا يتجزأ من الشعب المغربي وكل اساءة اليها تعتبر بمثابة اساءة للعمق المغربي الثقافي والحضاري والسياسي وهي كما قال الدكتور بوتبقالت طعنة غادرة في صميم مقومات الهوية المغربي.
ان الفكر الاستعماري مبني على الغطرسة واستعباد الشعوب وإخضاعها ومحو الاسس التي ترتكز عليها وتشكل الدعائم الأساسية لبقائها، وهي التاريخ والحضارة والدين واللغة، ولذلك فقد كان المستعمر على وعي تام بأن زوال وطمس هذه المقومات هو السبيل الأمثل لفرض السيطرة على بلادنا، وهو ما لم يتمكن من تحقيقه بسبب وقوف جلالة المغفور له محمد الخامس سدا منيعا أمام هذه الأطماع مما شكل صدمة لم تكن في الحسبان للمستعمر الغاشم وأذياله ، وحيث أن الملكية كانت ولا زالت رمز الامة ورمز سيادتها والضامنة لوحدتها واستقرارها، فقد أقدم المستعمر على فعلته النكراء بنفي أب الامة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه في 20 غشت 1953بكل وقاحة وعنجهية استعمارية بعد أن وجد كل الأبواب موصدة في وجه أطماعه التوسعية .
ان الراصد لتاريخ المغرب يعلم ان الملك محمد الخامس –طيب الله ثراه – رفض كل الاجراءات التي كانت تسعى الى فرض نظام سيادي مشترك والذي يشكل في واقع الامر تكريسا واضحا للنظام الاستعماري فقد رفض طيب الله ثراه بشكل قاطع ونهائي الرضوخ لأهواء وإملاءات الإقامة العامة الفرنسية، ووصلت الأمور الى مفترق الطرق بين الرغبة الملحة للمستعمر في الهيمنة على المغرب وبين ارادة القصر الملكي بالحصول على حرية المغرب واستقلاله وامتلاكه لسيادته، وهو ما دفع بالمستعمر الى الضرب تحت الحزام ومحاولة ايهام الشعب المغربي بتسلط محمد الخامس طيب الله ثراه وبأنه رافض للإصلاحات كما قال الدكتور دنياجي نور الدين استاذ بكلية الاداب بن مسيك البيضاء في مقال له بعنوان ثورة الملك والشعب من محمد الخامس الى محمد السادس .[2]
لقد حاولت الاقامة العامة الفرنسية خلق الفتنة والشقاق بين العرش العلوي والشعب المغربي من خلال توزيع مناشير وخلق أحزاب لقيطة وجرائد صفراء لخلق البلبلة بين الملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه وأسرة الحركة الوطنية والشعب المغربي.
وحين فشلت كل المحاولات الاستعمارية في تحقيق اهدافها لجأت الى نفي الملك وعزله في 20 غشت 1953 حيث توجه الجنرال كيوم بمعية جيشه وطلب بكل وقاحة من جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه ان يتخلى ويتنازل عن العرش، وأمام رفض محمد الخامس طيب الله ثراه لهذا الأمر قام كيوم بنقل العائلة الملكية على متن طائرة حربية الى جزيرة كورسيكا، ووقتها عاش المغرب حالة حداد وصدمة وإحساس عميق بالغضب العارم، فكانت تلك النقطة التي افاضت الكأس حيث انتفض الشعب المغربي بكل مكوناته ضد هذا الفعل الشنيع، رافضا وجود السلطان الوهمي ابن عرفة الذي نصبه المستعمر الغاشم بتواطؤ من بعض الخونة على رأسهم التهامي الكلاوي الذي كانت تسميه الصحافة الفرنسية انذاك اقطاعي الاطلس والذي كان العدو الاول للوطنيين وخادم السلطان الوهمي بن عرفة الذي نصبته السلطات الاستعمارية الفرنسية في محاولة بائسة منها لإخضاع الشعب المغربي .
لقد عرف المغرب في فترة نفي الملك محمد الخامس طيب الله ثراه وتنصيب الملك الوهمي بن عرفة فترة غليان حيث اصبح الكفاح انذاك في يد الشعب المغربي حسب ما كتبه غالبية المحللين انذاك وهو ما عبر عنه حينها الصحفي ميشيل كليرك في مقال مطول له نشرته مجلة “باري ماتش” …( كل المغاربة يعيشون غليانا لم يسبق له مثيل بالمغرب في انتظار محمد بن يوسف الذي نفته فرنسي…. فبمجرد ما اقدمت فرنسا على نفيه تبين لكافة الفرنسيين سواء بالمغرب او بفرنسا انه رمز الوطنية وأب الوطنين المغاربة ويضيف ان اعدائنا بالمغرب نحن الذين صنعناهم انهم محمد بن يوسف والوطنيين اما اصدقاؤنا الكلاوي وكبار الاقطاعيين فليس في مقدورهم حتى فهم واستيعاب افكارنا وتطلعاتنا هذه هي بدعتنا التي نساهم في اذكاء الغليان على امتداد البلاد .[3]
لقد عرف المغرب في فترة نفي الملك محمد الخامس طيب الله ثراه وتنصيب الملك الوهمي بن عرفة فترة غليان حيث اصبح الكفاح انذاك في يد الشعب المغربي حسب ما كتبه غالبية المحللين انذاك وهو ما عبر عنه حينها الصحفي ميشيل كليرك في مقال مطول له نشرته مجلة “باري ماتش” …( كل المغاربة يعيشون غليانا لم يسبق له مثيل بالمغرب في انتظار محمد بن يوسف الذي نفته فرنسي…. فبمجرد ما اقدمت فرنسا على نفيه تبين لكافة الفرنسيين سواء بالمغرب او بفرنسا انه رمز الوطنية وأب الوطنين المغاربة ويضيف ان اعدائنا بالمغرب نحن الذين صنعناهم انهم محمد بن يوسف والوطنيين اما اصدقاؤنا الكلاوي وكبار الاقطاعيين فليس في مقدورهم حتى فهم واستيعاب افكارنا وتطلعاتنا هذه هي بدعتنا التي نساهم في اذكاء الغليان على امتداد البلاد .[3]
وعلى الجهة الاخرى كان الملك الراحل محمد الخامس بمقر منفاه بفندق دي تيرميس برفقة عائلته الصغيرة وطفلته التي ازدادت بالمنفى في 14 آذار/ مارس 1954يتابع من خلال المذياع ثورة شعب ابي انتفض في وجه الطغيان، شعب ابي بذل الغالي والنفيس وضحى بالدماء الزكية من اجل عودة ملكه الشرعي، شعب ابي اربك حسابات المستعمر الفرنسي وبث الرعب بين صفوفه من خلال التنظيمات الفدائية السرية لخلايا المقاومة التي استهدفت الخونة والاستعمار، ومن بينها منظمة الهلال الاسود حيث تم استهداف ابن عرفة مرتين، والباشا الكلاوي، اضافة الى تخريب المنشات الاستعمارية وما قام به الوطنيون الاشاوس من عمليات للمقاومة ادت الى استشهاد عدد كبير منهم، ومن بينهم الشهيد علال بن عبد الله 11 أيلول/ شتنبر 1953 والعمليات الشهيرة للشهيد محمد الزرقطوني ورفاقه بالبيضاء وما قام به اسد تادلة الشهيد الحنصالي بالأطلس وعمليات المقاومة بمختلف مدن وقرى المغرب من بينها :عملية فدائية استهدفت القطار الرابط بين الدار البيضاء والجزائر العاصمة 23 غشت 1953، تعرض ابن عرفة لمحاول اغتيال نفذها المقاوم علال بن عبد الله 11 أيلول/ شتنبر 1953، عملية فدائية استهدفت القطار الرابط بين البيضاء والجزائر العاصمة ادى الى سقوط قتلى وجرى في 7 تشرين الثاني/ نونبر،عملية فدائية بالسوق المركزي بالبيضاء خلفت 17 قتيلا و30 جريحا ، الى ان تم تأسيس جيش التحرير بشمال المملكة في 2 تشرين الأول/ اكتوبر 1955 والذي خاض عمليات مسلحة ضد المستعمر الفرنسي في مختلف ارجاء البلاد .
والى جانب الكفاح المسلح فقد عمل الوطنيون على تفعيل دور الكفاح الاقتصادي من خلال مقاطعة البضائع الفرنسية فتمكنوا من اصابة مصالح الرأسمالية الفرنسية في الصميم في سابقة من نوعها وأسلوب نضالي راقي ولعل هذا ما ساهم في التخلي عن الرئيس اوريول انذاك وتعويضه بمنديس فرانس.
وأمام تزايد المقاومة المسلحة، رضخت السلطات الاستعمارية الى ارادة الشعب المغربي بعودة اب الامة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه الى ارض الوطن، فغادر السلطان الدمية ابن عرفة في بداية اكتوبر 1955، وفي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1955، عاد الملك الشرعي السلطان محمد بن يوسف بعد قضائه لـ 27 شهرا بالمنفى بكورسيكا ومدغشقر يتابع اروع ملحمة بين العرش والشعب، ملحمة ثورة ملك ابي رفض الانصياع لأطماع المستعمر المتغطرس، و شعب وفي جسور ضرب به المثل في الشجاعة والوفاء والتبصر والكرامة وشكل هذا الحدث علامة بارزة خلفت فرحة عارمة لدى كل اطياف الشعب المغربي اعقبتها بفترة ليست بالطويلة في العام 1956 الغاء معاهدة الحماية وحصول المغرب على استقلاله .
اننا ولا أقول فقط في 20 من غشت 2020 بل طيلة شهر غشت احتفلنا في فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بطنجة كما هو الحال في سائر النيابات الجهوية والإقليمية والمكاتب المحلية وفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير التابعة للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، احتفلنا جميعا بهذا الحدث النوعي والمنعطف التاريخي في مسار الكفاح الوطني نستلهم من خلاله العبر والدلالات ونتأكد أكثر فأكثر بالتأمل فيه أن السبيل الأمثل للتقدم والازدهار لا يتأتى إلا بترابط وثيق بين العرش والشعب ، وهو ما استمر مع جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في مسيرة البناء والنماء واستكمال الوحدة الترابية ، مسيرة سلك نهجها المبارك جلالة الملك محمد السادس نصره الله وايده الذي حرص على تنفيذ المقولة الشهيرة للملك الراحل محمد الخامس الذي قال “اليوم رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر” وهو ما عبر عنه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب العرش في 30 تموز/ يوليوز 2003 بقوله : لقد انصب حرصنا الأول منذ اعتلينا العرش على اعطاء روح جديدة للدولة المغربية الحديثة التي ارسى اركانها العتيدة والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه وفي هذا الصدد اولينا البعد الاجتماعي والاقتصادي مكانة الصدارة في السياسات العمومية بتركيز الجهود على المشاريع الاساسية للقضاء على أحياء الصفيح بتوفير السكن اللائق وتحقيق التنمية البشرية بالتعليم النافع ةايجاد التشغيل المنتج بتحفيز الاستثمار وتحرير المبادرات الخلاقة للثورة وتقوية التماسك الاجتماعي بتفعيل التضامن.
وبنفس الروح والحماس واصل جلالة الملك محمد السادس مسيرة التنمية والمبادرات الخلاقة والحكامة الرشيدة وهو ما ظهر بشكل قوي في الخطابات الملكية السامية خاصة في الاونة التي يواجه فيها العالم خطر تفشي وباء كورونا كوفيد 19 حيث حرص جلالته على التواصل مع شعبه وحثه على التحلي بقيم التعبئة الجماعية لكسب المعركة ضد هذا الوباء بلغة واضحة ومباشرة لحث المواطنين على التحلي بسلوك وطني ومسئول بقوله ” وهنا اود التنبيه الى انه بدون سلوك وطني مثالي ومسئول من طرف الجميع لا يمكن الخروج من هذا الوضع ولا رفع تحدي محاربة هذا الوباء …. وأضاف جلالته وإننا اليوم ونحن نخلد ذكرى ثورة الملك والشعب اكثر حاجة لاستحضار قيم التضحية والتضامن والوفاء التي ميزتها لتجاوز هذا الظرف الصعب واني واثق ان المغاربة يستطيعون رفع هذا التحدي والسير على نهج أجدادهم في الالتزام بروح الوطنية الحقة وبواجبات المواطنة الايجابية لما فيه خير شعبنا وبلادنا. انتهى النطق الملكي السامي .
ان تعريف الناشئة بتاريخ بلادنا هو المغذي الاول لروح المواطنة والوطنية في نفوسهم وهو السبيل الأمثل لجعلهم يذودون عن حوزة الوطن ويحافظون على كرامته وعزته فالشعوب التي لا تاريخ لها لا حاضر ولا مستقبل لها وهو الدور الذي تحرص المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على القيام به من خلال تخليد الذكريات الوطنية والاحتفال بها والوقوف عند دلالاتها العميقة .
(*) القيمة على فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بطنجة
الدراسة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
[1] ثورة الملك والشعب الجذور والامتدادات الذكرى الذهبية لثورة الملك والشعب 20 غشت 1953 -20 غشت 2003 منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ص : 51 مقال : الدلالات التاريخية العميقة لثورة الملك والشعب الذكرة الذهبية -1953 -2003
[2] المرجع السابق ص 137
[3] مقال للكاتب ادريس ولد القابلة كاتب وصحفي مغربي ، مقال بعنوان نفي السلطان محمد الخامس وانعكاساته من منظور الاعلام العالمي بموقع ديوان العرب الخميس 23 نوفمبر 2006 ، المصدر: مجلة باري ماتش ، ميشيل كليرك 1953
عذراً التعليقات مغلقة