** كَلوْنِ بقايا، قلقِي الغَريبْ **
حسن حصاري
وأدرَكتُ كمْ أنَا غَارِقٌ …
غَارِقٌ في سَديم تُخمةِ هَاتهِ الغُربَة الضَّجِرَة
غارقٌ فِي رِقةِ هَذا البَحرِ البَاردِ بَينَ ضُلوعِي
كحَبةِ رَملٍ تُعانِقُ مَدَّهُ المُوجِع.
مَداً يَنفثُ كلَّ عُيُوب جُنونِي
وَأحْلامِي المُبعَثرَة.
كمَوْجةٍ ثقِيلة،
بِعَويلِ المَفقُودِينَ وَسَطَ التيَّارَاتِ الهَائِجةِ
بِالضَّياع …
كمْ أنَا غَارِقٌ ..
غَارقٌ يَا إلهِي فِي غُربَتي.
يَعْترِينِي القلقُ الأبَدِيُّ بِالهَزيمَة
وَأكِيدٌ أنا،
كصَمْتٍ …
كسُكونٍ …
مُسَلطٍ،
حِينَ يَتغشَّى لوْعَةَ السُّؤَالِ
سَأظلُّ لوْحَةً،
لوْحَة بِقمَّاشٍ خَشِنٍ
مَعْزولةَ الألوَانِ الزيْتِيةِ الفَخمَة.
فِي القاعِ القَصِيِّ،
تَذبُلُ أزْهَار الحُقولِ المُهْمَلة
تَنْفُقُ زَفرَاتُ الطُّيُورُ المُهاجِرةِ
لِنوافِذِ المَدِينةِ المُغلقةِ عَلى الدَّوامِ.
يَغرقُ النهرُ الهَرِمُ مِنْ جَديدٍ
فِي أحضَانِ العَدمِ،
وَأبْحثُ بِداخِلي عَنْ ظِلٍ مُتمَرِّدٍ يُؤنِسُنِي،
يَصُدُّ انْكِسَار ضَوْئِي
فِي عَتْمةِ شُرُودِي المُنهَارْ.
فَوَحَدَهَا الظِّلالُ القاسِيةُ
تَمرَّنَتْ بِعنادِها الأزَلي عَلى البَقاء …
ظِلُّ نَخيلِ الصَّحراءِ،
حِينَ يَشتدُّ سُعارُ الرِّياحِ العَابِرةِ
لِواحَاتِ الحُلمِ المَحْروسَة بِالنارِ،
ظِلُّ الجِدارِ القديمِ للبِئرِ المَهجُور
حِينَ تَشُحُّ
عُيونُ النَّدى بِالقطرَات،
ظِل فأسِ الحَطابِ العَجُوز
حِينَ يُروِّضُ الأشجَارَ المُنْحَنِيَّة
عَلى المَوتِ وَاقِفةً
بِالثمَارْ.
فَقدْ حَلَّ يَا إِلهِي
نِيسَان يَابِساً
يَابِساً مِنْ دِفْءِ شُمُوسِك.
فَفي قاعِ النَّهرِ الهَرِم
تَمُوتُ اليرقاتُ َتمُوتْ
قَبلَ أنْ تُزهِرَ أجْنِحَتهَا
بِغَيمِك.
فَمَاذا لوْ عَادتْ
عَادتْ ..
لِلنَّهر ذاكرَة المَاءْ؟
أسَتُزْهِرُ الغُرْبَة
مَلاذا لِأشْقيَاءِ الأرْضِ ..؟
القصيدة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة