سناء شڤيبيرت
المانيا
الجنازة البهيجة
حقوق الجيرة كانت تحتم عليَّ حضور جنازته. وبعد انتهاء مراسم الدفن توجهتُ مع المعزين إلى مقهى هادئ يتاخم المقبرة، وجلست إلى جانب أرملته ونساء أخريات لا أعرفهن.
وعلى وقع موسيقاه المفضلة شرب المدعوون نخب موته. وبدأت إحداهن بالتحدث مع زوجته عن خصاله الصالحة والطالحة، بطريقة أوحت لي أنها كانت تعرفه حق المعرفة، وكانت الزوجة تؤكد على رأيها به وتمسك بيدها وكأنها تواسيها.
ابتعدت بنظري عنهما وتذكرت مراسم الدفن عندنا والصراخ والعويل، وتخيلت ردود فعل المعزين لو قامت زوجة الفقيد بوضع موسيقاه المفضلة لترافق مراسم دفنه أو الجلوس بجانب عشيقته، التي تعرفت عليها للتو للتحدث عن خصاله ومواساتها في فقده.
وقبل أن أنفجر بالضحك وأفضح نفسي وقفت ُمودعةً جارتي الأرملة متمنيةً لها الصبر والسلوان، وهرولت بعيدا عن هذا المكان.
الوردة المبتلة
كان شعاع أعمدة الإنارة ينكسر، على الطريق المغطى بماء المطر حتى صار كالمرآة، ترى فيه وجهها الملقى على الأرض وشعرها الذي زينته وردة من قماش انطوت على نفسها من المطر.
نظرتْ حولها وهي ترتعش من البلل، وانتزعت الوردة وألقتها بعيدا عنها، وهربت في عتمة الطرقات.
الحماية القاتلة
كانت الوحيدة من بين المسنين في هذا الحي، التي رفضت ترك منزلها والذهاب إلى ملجأ، شيدوه حديثاً للتفاعل مع تزايد أعداد العجائز في تلك المنطقة.
كانت تقوم بسد حاجات يومها بنفسها، وتقضي فترة العصر والمغيب برفقة كلب، يتقاسم معها الحياة منذ عشر سنوات ويعرف كل طقوس يومها وما تبقى لها من أصدقاء.
لم تكن تعرف -عندما قررت الإذعان لإرشادات الحكومة ببقاء المسنين داخل منازلهم، وعدم الاختلاط بأحد والاعتماد على متطوعين لتزويدهم باحتياجاتهم المنزلية- أنها بذلك تدخل عزلة حرمتها من كل مقومات النجاة، وأنها ستفقد رفيقها الذي قامت جمعية الرفق بالحيوان بانتزاعه منها، كي لا يجبرها وجوده على مغادرة البيت.
لم يلاحظ أحد أنها توقفت عن أخذ صندوق الطعام الذي كان يضعه لها المتطوع أمام باب حديقتها، ليكتشفوا فيما بعد أنها قد غادرت عالمنا بهدوء بعد أن قتلتها الوحدة، التي فُرضت عليها حمايةً لها من الجائحة.
النصوص خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب -لندن
عذراً التعليقات مغلقة