محمد عياش
– كاتب ومحلل سياسي
تعتبر القضية السورية لواشنطن بـ ‘‘العقبة الكأداء’’ ، لما لها من تداعيات خطيرة على الوجود الأمريكي في المنطقة ، إذ كشفت جولتان من المحادثات غير المعلنة حول سوريا ، بين الجانب الروسي والجانب الأمريكي – الفرنسي ، حيث تبين أن هناك مقاربتين تسيران بطريقين متوازيين ، يختلف كل من الطرفين إزاء نقطة اللقاء – التقاطع بينهما . إذ ترى موسكو أن نقطة الاتفاق ، هي الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة منتصف العام المقبل ، لإعلان الغرب التراجع عن سياساته الخاطئة . بينما تراهن واشنطن ودول غربية على أن تفاقم الأزمة الاقتصادية وتلاشي آمال التطبيع وعدم إعمار سوريا ، ستؤدي إلى إعلان روسيا التراجع عن رهاناتها الخاطئة .
الجانب الروسي غاضب من الجولات الأخيرة من عدة أمور ومنها قانون « قيصر الأمريكي » ، ومن جهود واشنطن لمنع مساهمة دول عربية وغربية بإعمار سوريا أو التطبيع الدبلوماسي والسياسي من الدولة السورية ، وتصر موسكو بعدم الدخول في مفاوضات جدية مع الدول الغربية وترفض مقاربة «خطوة مقابل خطوة» . لذا تعمل على تأجيل أي حوار أو تعاون إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية المزمع قيامها في منتصف شهر نوفمبر / تشرين الثاني من هذا العام . ربما تراهن على جمود في الولايات المتحدة أو انسحاب مفاجئ من سوريا .
فيما يخص مدينة إدلب ، من وجهة النظر الروسية فإن الهدنة صامدة . بحيث لا ضرورة لأي عملية عسكرية شاملة من الدولة السورية ، إذ تعول موسكو على التعاون مع أنقرة مع الأخذ بالاعتبار قد يحصل تصعيد محدود لتوسيع دائرة حماية لقاعدة حميميم قرب جسر الشغور وإعادة قوات الحكومة إلى مناطق جنوب طريق حلب – اللاذقية بين مدينتي إدلب وحماة ، والعمل على إعادة تشغيل هذا الطريق تجارياً مقابل دخول فصائل موالية لأنقرة إلى منطقتي منبج وتل رفعت شمال حلب . عمليا ً ، هذا إقرار ببقاء تركيا بعديدها وعتادها شمال طريق حلب – اللاذقية ، ووأد لطموحات دمشق باتجاه إدلب الأمر الذي يرفضه بالمطلق القرار السيادي السوري . إذ يعتبر نسخة جديدة من لواء إسكندرون الذي سلخته فرنسا عن سوريا وأعطته إلى تركيا مقابل تنازلات ثنائية وإقليمية أخرى . مع العلم أن هناك تنويه روسي بالتعاون مع تركيا في إدلب وتقزيم للوجود الأمريكي شرق الفرات .تصعيد باللهجة من أن وجود الأخير غير شرعي وتحذير من الانفصاليين الأكراد وقلق على وحدة سوريا . لذلك تحاول موسكو مغازلة الأكراد السوريين لإبعادهم عن الأمريكيين من جهة وتتعاون مع طهران ودمشق من جهة ثانية لتحويل شرق الفرات إلى كابوس للأمريكيين بجولات من التحرشات العسكرية والاستعراضات الإعلامية المرئية لهذا الغرض ، والعمل على تحريض مكونات عربية وعشائرية ضد قوات سوريا الديمقراطية على أمل تفكيك هذه القوات الحليفة للولايات المتحدة .
أما بالنسبة إلى المسار السياسي. تبلغ مسؤولون غربيون بوضوح هذه المرة، رفض موسكو لمقاربة خطوة مقابل خطوة، وأن اللجنة الدستورية السورية يمكن أن تواصل العمل لسنوات، وأن لا أجندة زمنية لوصولها إلى نتائج. وقيل أيضاً، إن الانتخابات الرئاسية السورية منتصف العام المقبل، هي فرصة لعودة الدول الغربية كي تعترف بنتائج الانتخابات وشرعية الحكومة السورية. هذه الانتخابات ستحصل بموجب الدستور الحالي لعام 2012، ولا علاقة بينها وبين الإصلاح الدستوري في جنيف وتنفيذ القرار 2254. وعليه، فإن الوقت لصالح روسيا وحلفائها.
بدأت دول غربية عملية «عصف فكري» لكيفية التعاطي مع المسار السياسي. هناك نصائح للمبعوث الأممي غير بيدرسن كي «يختبر» مداخيل جديدة للعملية السياسية مع أو بعيدة من اللجنة الدستورية، التي كان يريد استئناف عملها في 5 الشهر المقبل. وتقترح بعض الدول، العمل لعدم قبول اللعبة الروسية بإبقاء مسار جنيف للإيحاء بأن هناك عملية سياسية من دون أي نتائج ملموسة. كما ظهرت مقترحات أخرى إزاء كيفية التعاطي مع الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة، بينها أن تقوم الأمم المتحدة بتحديد معاييرها لأي انتخابات شفافة وعادلة وشاملة، بما يشمل معايير المشاركة ومرجعيتها ومناطقها والمشاركين فيها، قبل قبول نتائجها أو التعاطي السياسي الشرعي معها .
بالنسبة إلى الجانب الغربي. هناك دعم لهدنة إدلب. مطالب بأن تكون شاملة لكل البلاد. هناك دعم للموقف التركي بالتفاوض مع الجانب الروسي للحفاظ على وقف النار في شمال غربي البلاد. لكن الأدوات الغربية هنا محدودة، على عكس ما لديها في شمال شرقي سوريا. وفي هذه المنطقة، اتخذت واشنطن سلسلة من الإجراءات التنفيذية الواضحة: تعزيز الوجود العسكري شرق الفرات لـردع روسيا وإيران، مبادرات لـ«ترتيب البيت الداخلي» للأكراد أنفسهم وبين الأكراد والعرب أيضاً. جهود لتقديم مساعدات فنية ومالية لتوفير الخدمات والمعدات الطبية، ودعم لإجراءات «الإدارة الذاتية» بحرمان دمشق من النفط والموارد الطبيعية الاستراتيجية، دعم لموقف التفاوض لـ«الإدارة» مع دمشق وموسكو في الملفات العسكرية والسياسية والخدمية.
على ماذا تراهن الدول الغربية؟ الوجود الأميركي شرق الفرات، لن يتأثر بنتائج الانتخابات الرئاسية في أميركا. أما التحالف الدولي لقتال داعش باق شرق الفرات لـ«تحقيق أكبر نتائج بأقل استثمار». صدور قوائم من العقوبات الجديدة بموجب «قانون قيصر» لزيادة العزلة والأزمة. منع التطبيع السياسي مع دمشق ومنع المساهمة بإعمار سوريا. استمرار الغارات الإسرائيلية. كل هذه الأدوات ستفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا… وستجلب روسيا، التي تنهي بعد أيام السنة الخامسة لتدخلها العسكرية، إلى طاولة التفاوض قبل الانتخابات الرئاسية السورية منتصف العام المقبل ، حسب اعتقاد غربي .
وبين الرهانات الروسية والأميركية – الغربية، ستتفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، في انتظار جلوس الطرفين إلى مائدة التفاوض بعد اختبارات مؤلمة من السوريين في مناطق النفوذ الثلاث، لتلك المقاربتين.
عذراً التعليقات مغلقة