في العشية
محمد شاكر
شاعر من المغرب
في العشية لا أجدُ ما أفعله
سوى تطريز كلام
لا يسترُ عريي
ولا يُغني من قنوط
ينكث غزلَه الليل
ويبدده النهار.
في العشية يطبق صمت ثخين
مترع بفراغ
ترشح الروح به
ولا طوفان
يستوي السفين على جوديه
ريثما ينحسر البلاء.
في العشية تلهث الأشياء
من هول قيظ
أضرمه النهار
حتى الزيتونة ..
يتعطل فيها السلام
يتصبب عرق الأحلام.
في العشية
يتوقف كل شيء..
على باب الحيرة
حتى يأذن الليل
بالدخول إلى سرادقه
بكل أعطاب اليوم الجريح.
في العشية
أخوض فيما مكنني صبري
أهش على ذبالة الضوء القليل في الروح
كي لا يبلعني الليل الطويل.
في العشية..
ألملم ما تبقى من عشيات الذكرى
لعل المساء يرفع الستارة
عن خرافة طفل
يضيء غموض الليل بالأشهى.
في العشية تضيق بي الأنحاء
أحيانا
ينيخ الوقت علي بكلكله
وألبث في خيمة الضيق
رغم رحابة الصحراء.
في العَشيَّة دمْعُ العيْنِ
بِلا جُفون
يُبلِّل صمْتَ المكان
ذِكْرى مَناديل
تَخايَلُ عَلى ضَفَّة النِّسْيان.
في العشية..
من يوقف زحف الغيم والغبار
يمسح الندوب عن نوافذ الآن..
ولا تنزف الرؤيا
بدم الأحباب..؟
في العشية
أوصد النوافذ
في وجه اصطفاق الخلاء
فالريح في جنوبنا
تجهض رغبة الخروج
فلا انعتاق ولا انفراج.
في العشية
أترك جثتي على كرسي أمام الباب
أرقى بروحي صهوة الريح ..
رخاء تمضي بي
إلى عشيات في خاطر العمر.
في العشية هذه..
لو يزورني طفل كنته،
ينفخ في همودها مباهج الحياة،
يدعو صغار الحي الفقير،
نكمل لعبة (غميضة)
داهمنا الليل قبل ختامها.
وعوضتنا الخفافيش.
في العشية،
إذ تفرقت بهم السبل ،
لا أحد يلملم شعث النهار
لنعيد للقصب الساكن ناياته..
مراوحه الورقية
وخرافة الحفيف.
في العشية
قد تغيم سيناريوهات القلب
أمام جائحة النسيان..
كأن لا مرصد للرؤيا
ولا ضوء حنين كاشف
لسالف الأزمان.
في العشية لا ظل..
إلا ثباتي على كرسي
يتصبب عياء من ثقل الجثة
لا يحرك قوائما أربعة..
كما في سالف الحلبات
أو يهش ذباب قيظ لاسع
لينتعش الجلوس.
في العشية هذه ،
ها ريح الجنوب تذرو نسيانها،
سأطوي دفتر العشيات
أحفظ ما دونت بين طياتها
وأفتح شرفتي
على أمل في الأصباح.
في العشية
وأنا أفك أسرار شحوبها
تنبهت إلى زحام عشيات من حولي
يتبادلن التجلي والغياب
ولا يثبتن على إيماضة يوم جليل.
في العشية
عطب ما أصاب الطبيعة،
كف النخيل عن رقصة الغروب،
شلت الصورة
ولا من ينفخ الروح
في شريط المساء.
محمد شاكر
19.08.20
القصيدة خاصة لصحيفة قريش -ملحق ثقافات وآداب. -لندن
عذراً التعليقات مغلقة