محمد اردوغان
كاتب تركي
بعد تصريح وزير خارجيتهم أن علاقة السعودية مع تركيا طيبة وودية، خرج مسؤولون سعوديون يقولون إنه لا مشكلة لديهم بإصلاح العلاقات إذا عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى رشده، وأنه لو صرّح ولاة الأمور أنهم ضد المقاطعة سيطيعون لأنهم مبايعون على السمع والطاعة.
نستخلص من ذلك موافقة ضمنية للسلطات السعودية بل وأن كل ما يجري هو بأمرها، لكن لنأت الآن إلى الحقائق حتى نعلم من فقد رشده بالضبط؟
تعود جذور فتور العلاقات بين تركيا والسعودية ثم وصولها إلى التوتر، إلى العام 2013، حيث انقلب عبد الفتاح السيسي على الرئيس الراحل محمد المرسي رحمه الله، المنتخب ديمقراطيا في مصر، ثم ارتكابه مجزرة رابعة التي كان للسلطات السعودية يدا فيها، حيث أصدر الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز بيانا أيد فيه فض الاعتصام الذي وصفه بـ”الإرهاب والضلال والفتنة”.
وبوقوف أردوغان مع الشرعية والرئيس مرسي بدأت بوادر عدم رضى السعودية عن ذلك، وبدأت حملات الشيطنة والافتراء على أردوغان بصورة أولية.
عام 2018 اركتُبت جريمة الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي رحمه الله، على أرض تركيا، ما دفع الرئيس أردوغان للسعي إلى تحقيق العدالة بلا مجاملات أو مداهنات، فلم يرق ذلك للجانب السعودي المتورط في القضية.
أتت هذه الجريمة لتزيد الطين بلة، فاتخذت العلاقات منعرجا حاسما رافقه هجوم شامل على تركيا، إعلاميا واقتصاديا وسياسيا وكان كالتالي:
- جنّد بن سلمان ذبابا إلكترونيا يغرد ليل نهار ضد تركيا وأردوغان، شيطنة وشتمًا وطعنًا وتكفيرًا وافتراء.
- إعلاميا قناة “العربية” السعودية وأخواتها من الدكاكين الإعلامية اتخذت خطا تحريريا معاديا لتركيا ولشخص أردوغان ظهر جليا خلال محاولة الانقلاب بنشر أخبار زائفة للتأثير على الرأي العام.
- صحيفة “عكاظ” السعودية جعلت افتتاحياتها كاريكاتورا لأردوغان ومقالات افترائية ساخرة من الليرة والاقتصاد التركي وقرارات أردوغان.
- حملة مقاطعة تركيا التي وإن لم تتبناها السلطات إلا أن رجال أعمال دعوا إليها وهم لا يقدحون من رؤوسهم بلا شك.
- إلكترونيا، رجال سياسة سعوديون دعوا لهذه المقاطعة بشدة.
- تدخلوا في شؤون تركيا الداخلية ببث الافتراءات والكذب عن سياسة أردوغان مع معارضيه وطعنٍ وصل حد التكفير.
- خذلوا تركيا في سوريا ودعموا الجماعات الإرهابية (PKK الإرهابي وأذرعه).
- طعنوا بقرار إعادة فتح مسجد آيا صوفيا الكبير.
- سحبوا الأسهم من المصارف التركية والمستثمرين ودعوا لمقاطعة السياحة التركية لضرب الاقتصاد.
- أسقطوا اللافتة التي تحمل اسم السلطان “سليماني القانوني” رحمه الله، وبالمقابل رمموا منزل الجاسوس البريطاني “توماس ايدوارد لورانس” الذي كان محاربا للخلافة العثمانية ومساهما بتشتيت المسلمين وإخضاع الأراضي العثمانية في الشام وشمالي إفريقيا للاحتلال البريطاني والفرنسي.
- غيروا المناهج التعليمية بتلقين الطلاب أن الخلافة العثمانية كانت غزوا واحتلالا، وللعلم كل الإساءات التي تلقتها تركيا كانت تصدر بأوامر من بن سلمان دون أن يجرؤ على الخروج علنا بتصريح واحد في ذلك.
- في إطار إسلامي أوسع، شيطنوا الفلسطينيين وتبرؤوا من القضية وتوددوا للصهاينة على المنابر والمواقع.
- استباحوا مدينة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسماح بدخول الصهاينة إليهما.
- دمروا اليمن وجوّعوا أهله ومكنوا الحوثيين فيه.
- حاصروا قطر وهددوا عمران خان في باكستان وحاكوا مؤامرات ضده وصلت حد التهديد بالانقلاب.
- وآخر فصول الظلم، كان قبل أسبوع من هذا التحول في الموقف السعودي تجاه تركيا، حيث أصدرت هيئة علماء السعودية قرارا يكفر جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أشادت به دولة الاحتلال الإسرائيلي وصفقت له بشدة.
- رغم الجو العدواني السعودي، عندما قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات على السعودية في إطار قانون “جاستا” كان أردوغان أول المهاجمين للقرار.
- وتجاه كل ما ذكرناه آنفا من إساءات وتحريف للحقائق لم يخرج أردوغان برد واحد ينتصر فيه لنفسه أو بلده ليس جبناً (فقد عُرف بجرأته وردوده القاسية على خصومه) بل ترفعًا ومراعاةً لرابط الدين.
- لم يرد ولو تلميحا على دعوات مقاطعة تركيا بدل فرنسا، ولم يدعُ للمقاطعة أو سحب المستثمرين.
أردوغان 2020 هو أردوغان 2013 و2016 و2018، هو نفسه الذي مدحوه وأشادوا بمواقفه وكرموه ومنحوه جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، هو الذي يتقدم في اتجاه المسلمين خطوات وتراجعوا هم كيلومترات، فمن فقد رشده وأضاع البوصلة؟.
أقول أخيرا، إن تركيا لن تخذل يدا مُدت إليها بصدق وإخلاص، أما من أراد بها غدرا فلن يخفى عليه أمره وستتصرف بحذر.
وكالة انباء تركيا
عذراً التعليقات مغلقة