بقلم : المراقب السياسي
اشتعلت الازمة الخليجية، مهما كان القول في أسبابها، في فورة الاندفاعة السعودية نحو الرئيس الامريكي المستثمر رونالد ترامب الذي نأى بنفسه عن التدخل في حسم الازمة، وترك الباب مفتوحاً لتأخذ الازمة مداها، فقطر والسعودية تحتاجان واشنطن بنفس الدرجة مع فارق التفاصيل بين الامكانات .
امير الكويت الراحل فشل في تحقيق نتيجة في الوساطة، والكويت في وضعها الحالي غير مؤهلة للعب دور الوساطات، ولاتبدو في الافق امكانية لتحقيق صلح بالرغم من التصريحات التي تحتمل الحق والباطل التي تصدر عن عواصم الخلاف.
رهان قطر في التحالف مع الاسلاميين لن يعود عليها الا بالمصائب، فالتنظيمات الاسلامية تضرب الحليف قبل العدو عندما تتمكن من فرصة ما. وتاريخ الاسلاميين الانتهازي طويل، وله امثلة في اكثر من بلد عربي ، بل ان اخطاءهم الكبرى هي التي قوت الديكتاتوريات العربية التي يعلنون انهم يناصبونها العداء . لابد أن تراجع دولة قطر هذا الرهان الخاسر من باب مصلحتها في المقارنة بين الفوائد والمضار.
أما رهان السعودية والامارات والبحرين فقد كان في الموضع الخطأ، وتقديراتهم غير محسوبة وانفعالية ، وبقت هذه الدول متمسكة بمقولة الدور التخريبي الذي تلعبه قطر والاسلاميون المتحالفون معها، وهذا الطرح خارجي للمشاكل، فالخلاف بين السعودية وقطر تفاقم بعد انقلاب امير قطر السابق على أبيه في العام ١٩٩٦، ولم يكن الاسلام السياسي في صلب الازمة، بل انَّ عناصر تنظيم القاعدة كانت تنبع من السعودية وتنتشر تحت لواء الوهابية نحو دول كثيرة في السنوات التي تلت ذلك ولولا وجود نظام صدام حسين المانع لتمدد التطرف الديني لكانت مظاهر القاعدة شاخصة في الدول العربية في ذلك الحين ، ولكن بعد سقوطه، بلغ ذلك الانتشار القاعدي السعودي ذروته في العراق بعد احتلاله من الامريكان العام ٢٠٠٣وفي سوريا بعد اندلاع حربها الداخلية العام ٢٠١١
كان على السعودية ، وهي الدولة الاساسية والمحورية في المنطقة ، والعالم الاسلامي أن تشرع ببداية جديدة مع دولة قطر ، لكنها كانت على قناعة ان الامير السابق يقف وراء رؤية ابنه الامير الحالي، لذلك كانت الثقة مهتزة ولم تسفر عن تمتين العلاقات.
مهما جاءت الاطراف المتخاصمة من اسباب وحجج حول مَن هو على حق ومَن هو على باطل ، فإنّ الازمة .بمسارها السياسي والاستخباري ، مخترعة بامتياز
الامير محمد بن سلمان ، وهو يتسلّم زمام قيادة المملكة في موقعه الحالي أو في المستقبل، مؤهل للتعاطي الجديد مع قطر، مستحضراً تجارب حروب خرجت من ظرفها السياسي او الأمني الاضطراري الى أن يكون استمرارها فاشلاً ، كانت السعودية ركنا او طرفا فيها ، باليمن أو سوريا أو سواهما بدرجات أقل.
الوقت ليس في صالح قطر أو السعودية، والفرص موجودة اذا جرى الانفتاح عليها من خلال العرب انفسهم ، افضل من الحاجة للامريكان في حسم ملف ليس من صالحهم حسمه ابداً،لاسيما انّ اسرائيل غير متأثرة منه، وانَّ برنامجها في التطبيع مع الامارات سار بسلاسة مثيرة للدهشة، وهي الدولة الاهم في ميزان العلاقات الاسرائيلية مع العرب على نحو مطلق.
قال وزير الخارجية القطري قبل أيام في جلسة، تحت عنوان “نظرة من الشرق الأوسط”،ضمن أعمال منتدى الأمن العالمي 2020 ، “نحن لدينا الرغبة في التوصل إلى حل لتحقيق مستقبل مستقر لمجلس التعاون الخليجي ،وهوما نحتاج إليه في هذه الأوقات المضطربة التي تمر بها المنطقة. وسواء تم هذاالأمر من خلال الرئيس الأمريكي دونالدترامب أوالرئيس المنتخب جوبايدن فإن أي حل يمكن التوصل إليه يجب أن يقوم على أساس من النوايا الطيبة من جانب دول الحصار ودولة قطر أيضا”.
وأضاف الوزير القطري كموقف حديث من الازمة “نوايانا طيبة للتعامل مع دول الحصار بشكل بناء للتوصل إلى حل لمصلحة الجميع. لا نعتقد أن هناك رابحا في هذه الأزمة التي ليس لها نتيجة سوى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. إذا كنا حريصين على مستقبلنا ومستقبل شعوبنا اعتقد أننا نحتاج أن نتوصل إلى حل عادل لهذه الأزمة. لم تقم دولة قطربأي عمل عدائي تجاه دول الحصار،ونحن مستعدون إذاكان لدول الحصار نفس الاستعداد للعمل بنواياحسنة وعلى أساس معلومات صحيحة لحل الأزمة والتوصل لى حل عادل لمصلحة شعوبنا”.
وحتى الان ليس هناك اختراق في أفق الازمة.
هنا، قطر تقدم مقاربة للحل مبنية على مفهومها للمعلومات الصحيحة ، في حين انَّ السعودية تلتزم تجنب الخوض في الازمة الا اضطرارا من خلال دائرة خارج الارادة الملكية، وكذلك تفعل الامارات، وهذا تصرف جيد يتيح ترك الباب مفتوحاً لمعالجات مقبلة.
لكن من المؤكد انَّ الصراع بين السعودية والامارات من جهة وقطر من جهة اخرى لا ينحصر في ملف الاخوان المسلمين الذين كانوا الى وقت منظور يلعبون ويسرحون في الامارات.
أو يمرون عبر السعودية مرور الكرام.
هناك تجييش ضد قطر، كانت مصر ولا تزال محرّكه الاساس بسبب المواجهة اليومية التي يخوضها الرئيس السيسي ضد الاخوان المسلمين، ذلك التنظيم المشبّه بالذئب الجريح بعد خلع رئيسه وموته في السجن.
رؤية السعودية للازمة مع قطر، لا يجوز أن تمر من خلال رؤية مصر وأزماتها ومصالحها في الحبّ والكُره، وهذا اعتقاد سعودي قديم ومتوارث منذ عقود في التصرف، لكن مرحلة محمد بن سلمان مختلفة كلياً، ورؤيته ٢٠٣٠ لايمكن ان تكون للتغيير الداخلي فقط، و لايمكن أن تبلغ منتهاها وأهدافها وفي أفقها منغص خارجي هو الازمة الخليجية، التي يعجب المراقب ان تكون الرياض سبباً لأن تلقي دولة قطر الضعيفة الصغيرة نفسها في احضان حماتها من الاعاجم في ايران وتركيا .
التعويل على مجيء الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن لاتخاذ مواقف استراتيجية متبادلة بين قطر وخصومها، هو من الاوهام السياسية التي تغرق بها دول الخليج ، وربما لن تفيق الا على أصوات الصواريخ الايرانية أو الإنزالات الحربية التركية على سواحل مدن في الخليج . ثقوا انكم ساعة َوقوع النازلة والخطوب ، لن تجدوا مَن يرد على اتصالاتكم الهاتفية العاجلة في البيت الابيض حتى تكتمل الاهداف الايرانية والتركية في الخليج.
عذراً التعليقات مغلقة