ماجد السامرائي
أمثلة لا تُعد ولا تُحصى في تشريع قوانين وإصدار تعليمات يساق من خلالها الآلاف من الشباب إلى السجون والمعتقلات السرّية، تستطيع المنظمات العالمية، لو أرادت، البحث عنها والكشف عما يحصل داخلها.الثلاثاء
السياسة الطائفية قسّمت المواطنين
يبدو الحديث في وسائل الإعلام عن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق فيه نوع من الترف السياسي أو الإعلامي أو الحقوقي، أو في بعضه أداء لوظيفة محلية للبعض من العاملين في هذا الحقل، أو نشاطات مدفوعة المكافآت في ميادين حقوق الإنسان من بعض المنظمات العالمية المعنية بهذا الميدان لبعض منظمات المجتمع المدني المحلية التي تسعى إلى “مداراة خبزتها” بتناول قضايا اجتماعية يصلح طرحها تحت ظل أي نظام سياسي، ولا تزعج النظام الحالي المتورطة أحزابه وعصاباتها المسلحة في الفساد والإجرام بحق أبناء العراق.
لا يجوز، إنسانيا وأخلاقيا، تخفيف مفردات ما تعرض له القسم الأعظم من شعب العراق من جرائم ممنهجة اقترفها جنود الاحتلال الأميركي منذ العشرين من مارس 2003 وحتى خروجهم في ديسمبر من العام 2011، أمثلتها البشعة ماثلة في سجن أبي غريب ومدينة الفلوجة والموصل، لكنها لم تهز الضمير الإنساني العالمي، وترافقت معها ومازالت تنفذ وتحت شعارات طائفية حاقدة جرائم الميليشيات المسلحة في القتل الفردي والجماعي والتغييب والتجويع وإهانة الكرامة المستمرة إلى حد اليوم.
المتورطون في هذه الجرائم ليسوا أفرادا يمكن ملاحقتهم وفق القضاء أو تحت سقف القوانين التقليدية، أو حتى عن طريق الضغوط العالمية الغائبة، إنهم منتسبون إلى منظمات تابعة لأحزاب لا تقل إرهابا عن داعش يحملون وينفذون جرائهم المبرمجة من خلف الحدود خارج إطار الحكومة. أحزاب تلك المنظمات وقادتها يرفعون شعارات الإسلام الشيعي والولاء لأهل البيت لكنهم يختارون من تراثهم ما يعزز تطبيق منهج الكراهية والثأر، تحت إمرتهم جميع وسائل الدولة العسكرية والمدنية في السلاح والسجون والقوانين التي نُظمت بعد عام 2003 ليس لحماية الإنسان وإنما لوضع العرب السنة تحت طائلة الاتهام بالإرهاب حتى يثبت من يقاد منهم إلى المعتقلات العكس.
معادلة الانتهاكات الصارخة التي تسير في العراق أكبر من قضية معايير حقوق الإنسان على أهميتها في التوصيف الأكاديمي والحقوقي، المتورط فيها النظام السياسي القائم بأحزابه الحاكمة وميليشياتها النافذة. أمثلة لا تُعد ولا تُحصى في تشريع قوانين وإصدار تعليمات يساق ويغيّب من خلالها الآلاف من الشباب العراقيين إلى السجون والمعتقلات السرّية ولا يعرف أهلهم مصيرهم، وهي كثيرة، لو أرادت المنظمات العالمية تستطيع البحث عنها والكشف عما يحصل داخلها من تعذيب وإعدامات تتجاوز ما تتحدث عنه الأحزاب من بطولات أشخاصها الوهمية في مواجهتها لقمع نظام صدام حسين.
المثال الأبرز “جرف الصخر” التي تحولت إلى حصن ميليشياوي فيه معتقلات ومقرات تعذيب سريّة، بعد منع أهل المدينة من العودة إلى مساكنهم وأراضيهم. لا يتمكن أي مسؤول حكومي أو داعية سياسية سنّي من الوصول إليها، ولم تقترب منها ممثلية الأمم المتحدة في بغداد، ولم يتمكن البرلمان الذي تسيطر عليه الأحزاب الشيعية من إصدار “قانون الاختفاء القسري” تلبية لمطالب عالمية، ليستند عليه المهتمون في متابعة هذه الجريمة الإنسانية.
السياسة الطائفية قسّمت المواطنين إلى فئتين، الأولى تحت العنوان الشيعي الموالي لسلطة الأحزاب تتنعّم بالعطايا والمكاسب والهبات والحرية في ابتزاز المواطنين في مجالات الكسب المشروع والهيمنة عليها وسرقتها. والفئة الثانية العرب السنة الممنوعون من أبسط حقوقهم الإنسانية في المواطنة.
المئات من القرارات والتعليمات منحت المكاسب المالية الكبيرة التي حولت الحفاة المشردين واللاجئين الأميين إلى أصحاب “مولات” ومتاجر وعقارات وفنادق تحت عنوان الخدمة الجهادية، أو لسكنهم في منتجع “رفحا” السعودي هربا من الجيش، أو ضمن ما يعرف بالانتفاضة الشعبانية. أصبحت أعدادهم بالملايين، وبعضهم كان هتافا في المسيرات المليونية التي مجّدت صدام.
أخيرا تم تشريع قانون تقاعد جديد جعل الراتب الشهري للمشمولين برفحا مليون ونصف دينار شهريا لكل فرد منهم أي حوالي 1250 دولارا وبذلك يكون للعائلة منهم المكونة من أب وأم وثلاثة أبناء سبعة ملايين ونصف المليون دينار أي 6300 دولار شهريا.
قرأت قبل أيام تصريحا لأحد المسؤولين العراقيين يقول فيه: نحن نحرّم على المتوفين الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية الحصول على حقوقهم التقاعدية لأنهم بعثيون وتابعون لنظام صدام، وأعدادهم لا تقل عن المليون عراقي.
وصل التمايز الطائفي درجة حتى حرمان المفصولين السياسيين في زمن نظام صدام من غير الشيعة، أو غير الموالين للأحزاب، من شمولهم بقانون الفصل السياسي الذي تديره لجنة التحقق الخاصة في مجلس الوزراء وهي خاضعة لدوافع طائفية غير نزيهة، وحرمانهم من حق التقاعد لقاء خدماتهم الوظيفية للدولة العراقية المستقطعة للخدمة التقاعدية.
هل يمكن وضع قضية النازحين عن سكنهم الأصلي في مدن محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك تحت باب عنوان ناعم هو “حقوق الإنسان”، أم أنه مسلسل لمجازر وحشية وضعت أكثر من مليون ونصف عائلة عراقية تحت رحمة أسوأ الظروف المناخية والصحية وفقدان الخدمات الإنسانية في مناطق إقليم كردستان، ومع ذلك هم يرفضون عمليات إعادتهم الإجبارية إلى مدنهم التي تنفذ حاليا أمام مرأى مدعي تمثليهم المكوناتي لأغراض انتخابية، خوفا من خطف واعتقال شبابهم من قبل الميليشيات التي توطنت في مدنهم وأسكنت الآلاف من الإيرانيين في مساكنهم.
سلطة الأحزاب تعلم أن وجود ممثلية الأمم المتحدة في العراق يعطيها غطاء أمميا بالشرعية، رغم بعض البيانات الإنشائية الباهتة للممثلة الخاصة للأمين العام في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، بين فترة وأخرى، ولأن هذه الأحزاب واثقة من استمرارها لما بعد الانتخابات المقبلة، المسماة مبكرة، وهي في حقيقتها تقصير لعمر حكومة مصطفى الكاظمي الذي رغم خدماته وأغطيته لهم لا يعجبهم. لهذا أدخلت تلك الأحزاب إلى البرلمان مشروع تكميم الأفواه بما سمّي “قانون جرائم المعلوماتية” في تطويع مقصود لكي يصبح أداة بوليسية ضد الأصوات العراقية الحرة في المرحلة المقبلة التي ستكون أقسى وأمرّ.
منذ سبعة عشر عاما يتعرض القطاع الكبير من سكان العراق، وهم العرب السّنة، إلى القتل والقمع والحرمان من الحقوق، ولا بدّ أن يُصنف أمميا ضمن الجرائم الإنسانية، مثل تلك التي حصلت في رواندا بجنوبي أفريقيا في موجة التمييز العنصري، وحرب البيض الغرباء ضد السكان الأصليين السود، أو حرب البوسنة الطائفية وحوكم مرتكبوها في المحاكم الدولية كجرائم ضد الإنسانية. مثل هذا التوصيف، والنشاط المنظم الفاضح مُعطّل داخل العراق لتواطؤ ممثلي العرب السنة في واجهات السلطة والبرلمان مع شيعة الحكم، إلى جانب تواطؤ ممثلية الأمم المتحدة ونفاق الدول الغربية للنظام القائم في بغداد.
من خلال هذه السطور، نطالب بتحويل حقيقة ما يحصل في العراق ضد العرب السنة وضد شباب ثورة أكتوبر من الشيعة من جرائم ضد الإنسانية، إلى شعار لعمل وجهد سياسي إعلامي يسحب شرعية القتلة والفاسدين، تشارك فيه الفعاليات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني داخل العراق، وتنتقل فعالياته إلى الرأي العام العربي والدولي، لا شك أن في مقدمة المعترضين والمعوقين لهذه الفكرة الزعامات السنية لأن ذلك سيّخرب علاقاتها النفعية مع أولياء أمورها زعماء شيعة السلطة في بغداد، إضافة إلى اعتراضات مسؤولي المنظمات الاجتماعية داخل العراق المُترّزقة على هبات دول ومنظمات تعتبر السلطة في العراق دولة ديمقراطية يجب دعمها وليس فضح انتهاكاتها.
هل ينتظر العراقيون المزيد من الجرائم المنظمة في قتل الشباب أو تغييب الناشطين في شمالي ووسط وجنوبي العراق ونهب ثروات البلد الذي تحولت حكوماته إلى رهينة للقروض لسد نفقات الرواتب، لكي يستفيق العالم من نفاقه المغّلف بأكذوبة أن النظام في العراق ديمقراطي يجب دعمه، ويقول إن ما يحدث في هذا البلد جرائم ضد الإنسانية وليست انتهاكات لحقوق الإنسان.
العرب
عذراً التعليقات مغلقة