د. حسناء القنيعير
لقد ارتكب كثير من هذه التنظيمات والجماعات الإسلامية أعمالًا إرهابية في كثير من دول العالم، وعادة يعتمد هؤلاء الإرهابيون على تفسيرات معينة من القرآن والأحاديث النبوية يفصلونها عن سياقها لتبرير هجماتهم العنيفة تجاه الآخرين بما في ذلك القتل والإبادة الجماعية..
يقول الله تعالى: “إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ)، فقد اخترع كل مبتعد عن توحيد الله لنفسه آلهة ليقنع نفسه بها محاولًا أن يقارب بين أسماء مخترعاته وبين أسماء الله وصفاته، فهذه اللات من الإله والعزى من العزيز ومناة من المنّان، وحديثًا اخترعوا أسماء منظمات وأحزاب يوهم ظاهرها بالحق والتوافق مع الإسلام وهي في حقيقتها غير ذلك فكل أمر ما أنزل الله به من سلطان، فهو باطل فاسد.
ويدخل في هذا الأسماء التي تطلقها الجماعات الإسلاموية على نفسها كالإخوان المسلمين، وإخوان من أطاع الله، وحزب الله اللبناني، وحركة أنصار الله وهي حركة سياسية دينية مسلحة تتخذ من مدينة صعدة شمال اليمن مركزًا لها، وجيش الإسلام تنظيم فلسطيني سلفي جهادي يوالي تنظيم القاعدة منذ تأسيسه، كما أعلن دعمه لتنظيم داعش في العام 2015، وجيش محمد جماعة تتخذ من باكستان مقرًا لها وتعتبرها كل من الهند والأمم المتحدة وأميركا وبريطانيا منظمة إرهابية، وأنصار الإسلام جماعة إسلامية سلفية كردية في شمال العراق، وأنصار السنة المحمدية أو جماعة أنصار السنة، وهي منظمة عراقية مسلحة، وعصبة الأنصار جماعة أصولية سنية أنشئت في أوائل العام 1990 في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وهي تنظيم عسكري فلسطيني يتخذ الإسلام منهج حياة وجهاد، أنشئت الحركة في آخر السبعينات متأثرة بالثورة الإسلامية الإيرانية، و(ربع الله) ميليشيا جديدة مقربة من إيران؛ تُنشر لها مقاطع فيديو وصور على منصات التواصل الاجتماعي، لانتهاكاتٍ بشعة واعتداءات غير إنسانية، وتواصل هذه العصابة الإرهابية نشر الرعب والخوف والهلع بين الناس، بحجة تطبيق الشريعة والقانون. وَالرَّبْعُ: جَمَاعَةُ النَّاسِ، ويعني اسم التنظيم (جماعة الله) تعالى الله عنهم علوًا كبيرًا.
إنّ كل هذه الأسماء لا تعدو كونها أسماء تعبوية محرّضة؛ ترسل خطابًا أيديولوجيًا مفعمًا بالأفكار المتطرفة واحتكار الدين وتسخيره لمصالحها، وممارسة الوصاية على الناس، لاسيما البسطاء باسم الله، واسم نبيه ودينه، وإسباغ صفات القداسة والنزاهة والقرب من الله على أنفسهم دون سائر البشر، وكأن الله أعطاهم حق الحديث باسمه والتسلط على عباده. وقد بالغوا في ذلك حتى جعلوا أنفسهم سلطة دينية وسياسية يتصرفون بموجبها في أقدار الناس وفي سياسات الدول.
وإذا ما أخذنا نفكك هذه الأسماء أو المصطلحات نجدها قائمة على التركيب الإضافي؛ بإضافة الإخوان إلى المسلمين وإلى من أطاع الله، والحزب والأنصار إلى الله، والجيش إلى الإسلام وإلى محمد، والأنصار إلى الإسلام وإلى السنة المحمدية، والعصبة إلى الأنصار! ولا ريبَ أنّ إضافة لفظ الجلالة وكلمة الإسلام وغيرهما إلى أسماء هذه الأحزاب والتنظيمات أسبغ عليها شيئًا من القداسة جعلت البسطاء والعامة ينتمون إليها غير مدركين لما تمارسه من أعمال تضرّ بالإسلام وبالأمن القومي العربي.
إن اختيار الحزب المتطرف الذي أنشأه حسن البنا العام 1928، مصطلح (الإخوان المسلمين) يؤكد حالة من شعور عميق بالاستعلاء على أطياف المجتمع المصري كافة حينذاك وعامة المسلمين لاحقًا، كما يؤكد شعورًا مرضيًا مخيفًا باحتكار صفة الإسلام لهم دون غيرهم، وليس العنف والكراهية المنسوبان إلى الإسلام سوى ثمرة من ثمار التفكير العصابي الإخواني، وهناك نماذج وفتاوى تعتبر الإخوان المسلمين الجماعة الإسلامية الوحيدة في محيط جاهلي لا يدين بدين الإسلام، كما نُصَّ على ذلك في كتب سيد قطب، كبيرهم الذي علمهم السحر.
وأمّا (حزب الله) اللبناني الشيعي ربيب الولي السفيه، فشعوره بالاستعلاء على كل المسلمين وليس على مكونات الشعب اللبناني يفوق ما لدى (الإخوان المسلمين)، إضافة إلى ادعاء زعيمه انتسابه إلى آل الرسول، جعله وأتباعه يختارون مصطلح (حزب الله) الوارد في الآية 56 من سورة المائدة: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ)، وتعني كلمة حزب كما جاء في تفسير القرطبي “الصنف من المسلمين، وإن حزب الرجل هم أصحابه، والجماعة الذين تحزبوا له واجتمعوا عليه”. ويرى الإمام الطبري أن “حزب الله هنا هم الأنصار” ويؤكد أن “حزب الله من بين المسلمين هم من التزموا طاعة الله ولم يتقاعسوا عن التضحية فيها، وهم من قاموا بنصرة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يتقاعسوا عن البذل لها، وهم من اهتموا بأمر المسلمين ولم يتأولوا أو يبرروا تقاعسهم أو قعودهم، وسواء كانوا من بين المسلمين طائفة أم أكثر، فهم حسب ما اجتمعوا عليه من رأي إسلامي، أو كانوا يشملون الأنصار كلهم أو المهاجرين كلهم أو يشملون الطائفتين أو الفئتين أو الجماعتين معاً”. وشتان ما بين معنى الحزب في الآية، وبين ذلك الحزب الإرهابي الموالي والمناصر للولي السفيه المنفذ لأجندته الإرهابية المدمرة للوطن العربي.
لقد ارتكب كثير من هذه التنظيمات والجماعات الإسلامية أعمالًا إرهابية في كثير من دول العالم، وعادة يعتمد هؤلاء الإرهابيون على تفسيرات معينة من القرآن والأحاديث النبوية يفصلونها عن سياقها لتبرير هجماتهم العنيفة تجاه الآخرين بما في ذلك القتل والإبادة الجماعية. وقد وقعت في السنوات الأخيرة حوادث إرهابية على نطاق عالمي، في إفريقيا وآسيا وأوروبا وروسيا وأميركا، ومثل هذه الهجمات استهدفت المسلمين وغيرهم.
ختامًا؛ لشدّ ما يصدق على هذه الأحزاب الدينية المتطرفة التي عاثت فسادًا في العالم بأسره قول الله تعالى: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي فتفرَّق الأتباع في الدين إلى أحزاب وشيع، جعلوا دينهم أديانًا بعدما أُمروا بالاجتماع، كلُّ حزب معجب برأيه زاعم أنه على الحق وغيره على الباطل، وفي هذا تحذير من التحزب والتفرق في الدين.
الرياض
عذراً التعليقات مغلقة