حارث طاقة..البهجة والفجيعة

آخر تحديث : الإثنين 21 ديسمبر 2020 - 11:48 مساءً
حارث طاقة..البهجة والفجيعة
2020 12 20 20 21 18 826081 - قريش

هارون محمد


اعترف‭ ‬بان‭ ‬لحظة‭ ‬التعارف‭ ‬الأولى،‭ ‬مع‭ ‬الصديق‭ ‬والزميل‭ ‬حارث‭ ‬طاقة،كانت‭ ‬متشنجة،‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬1970‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬انتقلت‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬الانباء‭ ‬العراقية،‭ ‬منقولاً‭ ‬من‭ ‬المؤسسة‭ ‬العامة‭ ‬للصحافة‭ ‬والطباعة،‭ ‬بعد‭ ‬خلافات‭ ‬مع‭ ‬رئيسها‭ ‬المرحوم‭ ‬كريم‭ ‬المطيري،‭ ‬الذي‭ ‬نُقل‭ ‬اليه،‭ ‬انني‭ ‬قلت‭ : ‬مكتوب‭ ‬عليّ،‭ ‬ان‭ ‬أقع‭ ‬بين‭ ‬شقيقين،‭ ‬حسن‭ ‬المطيري،‭ ‬يعذبني‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬النهاية،‭ ‬وكريم،‭ ‬يضايقني‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬وقد‭ ‬تدخل‭ ‬الاستاذ‭ ‬معاذ‭ ‬عبدالرحيم،‭ ‬وأعاد‭ ‬الوئام‭ ‬بيننا‭.  ‬كنت‭ ‬ابحث‭ ‬عن‭ ‬الزميلين‭ ‬ابراهيم‭ ‬العيدان‭ ‬مدير‭ ‬الاخبار‭ ‬الداخلية،‭ ‬ومحمود‭ ‬محمد‭ ‬احمد،‭ ‬مسؤول‭ ‬شعبة‭ (‬المندوبين‭) ‬في‭ ‬الوكالة،‭ ‬ولم‭ ‬اجدهما‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ (‬واع‭)‬،‭ ‬وقيل‭ ‬لي‭ ‬انهما‭ ‬في‭ ‬نادي‭ ‬الاعلام،‭  ‬الملاصق‭ ‬لمبنى‭ ‬الوكالة،‭ ‬وكان‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬العمل‭ ‬فيه‭ ‬جارياً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مرافقه،‭ ‬وذهبت‭ ‬افتش‭ ‬عنهما،‭ ‬لاعرف‭ ‬منهما،‭ ‬متى‭ ‬أباشر‭ ‬في‭ ‬عملي‭ ‬الجديد‭.  ‬وأشار‭ ‬متعهد‭ ‬النادي‭ (‬جوزيف‭ ‬ابو‭ ‬طلال‭) ‬الى‭ ‬مائدة،‭ ‬قال‭ ‬انهما،‭ ‬يجلسان‭ ‬عليها،‭ ‬وذهبت‭ ‬اليها،‭ ‬وفوجئت‭ ‬بشاب‭ ‬أنيق،‭ ‬مربوع‭ ‬القامة،‭ ‬أميّل‭ ‬الى‭ ‬القصر،‭ ‬أحمر‭ ‬البشرة،‭ ‬يجلس‭ ‬وحده‭ ‬على‭ ‬المائدة،‭ ‬وسلمت‭ ‬عليه،‭ ‬وبلا‭ ‬مقدمات،‭ ‬سحبت‭ ‬كرسياً،‭ ‬وجلست‭ ‬قبالته،‭ ‬رد‭ ‬السلام‭ ‬باقتضاب،‭ ‬والدهشة‭ ‬علت‭ ‬معالم‭ ‬وجهه،‭ ‬وسألني‭ : ‬من‭ ‬أنت‭ ‬،‭ ‬وماذا‭ ‬تريد؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬أريد‭ (‬ابو‭ ‬ميادة‭) ‬أو‭ (‬ابو‭ ‬علي‭)‬،‭ ‬ونسيت‭ ‬ان‭ ‬اعرّف‭ ‬نفسي،‭ ‬ولاحظت‭ ‬استغرابه،‭ ‬فاستدركت‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ : ‬انا‭ ‬فلان‭ ‬الفلاني،‭ ‬المندوب‭ ‬الجديد‭ !‬،‭ ‬ونهض‭ ‬واقفاً،‭ ‬ومدّ‭ ‬يده‭ ‬يصافحني،‭ ‬وهو‭ ‬يضحك،‭ ‬وخجلت،‭ ‬لان‭ ‬اللياقة‭ ‬كانت‭ ‬تحتم‭ ‬عليّ،‭ ‬ان‭ ‬أبادر‭ ‬أنا،‭ ‬الى‭ ‬مصافحته،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حارث‭ ‬الجميل‭. ‬ودارت‭ ‬الايام‭ ‬والشهور،‭ ‬ونقلت‭ ‬الى‭ ‬بغداد،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬امضيت‭ ‬عامين‭ ‬خارجها،‭ ‬متنقلاً‭ ‬كمراسل‭ ‬لـ‭(‬واع‭) ‬في‭ ‬كركوك‭ ‬وديالى‭ ‬والكوت‭ ‬والناصرية‭ ‬والديوانية،‭ ‬ونسبت‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬قسم‭ (‬الانصات‭) ‬وكان‭ ‬يديره‭ ‬الزميل‭ ‬المرحوم‭ ‬عدنان‭ ‬الدوري،‭ ‬ثم‭ ‬طلبني،‭ ‬الزميل‭ ‬سيف‭ ‬الدوري،‭ ‬للعمل‭ ‬كمحرر‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الاخبار‭ ‬الداخلية‭ (‬المحلية‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬مديره،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬حارث،‭ ‬سكرتيرا‭ ‬للتحرير،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬أمر‭ ‬نقله،‭ ‬الى‭ ‬موسكو‭ ‬،‭ ‬للعمل‭ ‬فيها،‭ ‬كمراسل‭ ‬للوكالة‭. ‬واذكر‭ ‬ذات‭ ‬مرة،‭ ‬أنه‭ ‬أنفرد‭ ‬بي‭ ‬جانباً،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬دخلت،‭ ‬في‭ ‬سجال‭ ‬سياسي،‭ ‬مع‭ ‬زميل،‭ ‬عرفت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬انه‭  ‬مولع‭ ‬بكتابة‭ ‬التقارير،‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬بعنوان‭ : ‬أمة‭ ‬عربية‭..‬‭ ‬الخ‭!‬،‭ ‬وكان‭ ‬حارث‭ ‬مُنبهاً‭ ‬وناصحاً،‭ ‬وبدأت‭ ‬العلاقات‭ ‬بيننا،‭ ‬تتسع‭ ‬وتكبر،‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬والفعاليات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وكان‭ ‬يحفزنا‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬السفرات‭ ‬السياحية‭ ‬الاسبوعية،‭ ‬الى‭ ‬بساتين‭ ‬الدورة،‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬شط‭ ‬دجلة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الزميلان،‭ ‬خيون‭ ‬احمد‭ ‬الصالح،‭ ‬وكمال‭ ‬عبدالكريم،‭ ‬يتنافسان‭ ‬على‭ ‬طبخ‭ (‬التشريب‭)‬،‭ ‬وشواء‭ ‬اللحم،‭ ‬وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬ودوداً،‭ ‬وله‭ ‬مقالب‭ ‬طريفة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مع‭ ‬الزميلين‭ ‬نزار‭ ‬عايد‭ ‬التكريتي‭ ‬ومحمد‭ ‬فخري‭ ‬ارزوقي،‭ ‬وسافر‭ ‬الى‭ ‬موسكو،‭ ‬مراسلاً‭ ‬للوكالة‭.  ‬ومن‭ ‬زامل‭ ‬حارث‭ ‬طاقة،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ولاحظ،‭ ‬انه‭ ‬طاقة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬بالفعل،‭ ‬لم‭ ‬اشاهده‭ ‬عبوساً،‭ ‬او‭ ‬غاضباً‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الايام،‭ ‬كان‭ ‬المرح‭ ‬يطغى‭ ‬عليه،‭ ‬في‭ ‬اشد‭ ‬الاوقات‭ ‬حراجة،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يترك‭ (‬كابينة‭) ‬سكرتارية‭ ‬التحرير،‭ ‬ويجلس‭ ‬مع‭ ‬المحررين،‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬التحرير‭ ‬الفسيحة،‭ ‬وينكت‭ ‬مع‭: ‬صبحي‭ ‬حداد‭ ‬وسعدون‭ ‬فاضل‭ ‬وزهير‭ ‬السمان‭ ‬وفؤاد‭ ‬الشمس‭ ‬وصالح‭ ‬السلامي‭ ‬وفاروق‭ ‬شكري‭ ‬وفؤاد‭ ‬الخليل،‭ ‬والزملاء‭ ‬الاخرين،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ (‬واع‭) ‬في‭ ‬عهود‭ ‬مديريها،‭ ‬بهجة‭ ‬شاكر،‭ ‬وطه‭ ‬بصري‭ ‬رحمهما‭ ‬الله،‭ ‬ومن‭ ‬بعدهما،‭ ‬محمد‭ ‬مناف‭ ‬الياسين،‭ ‬متعه‭ ‬الله‭ ‬بالصحة،‭ ‬اسرة‭ ‬واحدة،‭ ‬يتنافس‭ ‬افرادها،‭ ‬بصدق‭ ‬ومهنية،‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬افضل‭ ‬التغطيات‭ ‬الاخبارية،‭ ‬واحسن‭ ‬الصياغات‭ ‬الصحفية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الاستاذ‭ ‬محسن‭ ‬حسين‭ – ‬للتاريخ‭- ‬قد‭ ‬رسخ‭ ‬تقاليدها،‭ ‬وفق‭ ‬اسس‭ ‬سليمة‭ ‬ورصينة،‭ ‬جعلت‭ ‬منها،‭ ‬في‭ ‬مقدمة،‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭.  ‬وذهب‭ ‬حارث‭ ‬الى‭ ‬موسكو‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬طويلاً‭ ‬فيها،‭ ‬ومنها‭ ‬انتقل‭ ‬الى‭ ‬الكويت،‭ ‬مستشاراً‭ ‬صحفياً،‭ ‬ودعاني‭ ‬الى‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬حزيران‭ ‬1978،‭ ‬واحاطني‭ ‬برعايته،‭ ‬وأخذني‭ ‬الى‭ ‬جاسم‭ ‬النصف‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬صحيفة‭ (‬القبس‭) ‬وعرفني‭ ‬على‭ ‬مدير‭ ‬تحريرها،‭ ‬الصحفي‭ ‬اللبناني‭ ‬رؤوف‭ ‬شحوري،‭ ‬وصرت‭ ‬وانا‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬مراسلاً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬ومما‭ ‬اذكره‭ ‬مع‭ ‬حارث‭ ‬هناك،‭ ‬انه‭ ‬اصطحبني،‭ ‬الى‭ ‬منزل‭ ‬المطرب‭ ‬الكويتي‭ ‬المشهور‭ ‬وقتئذ،‭ ‬عوض‭ ‬دوخي،‭ ‬حيث‭ ‬وجه‭ ‬اليه‭ ‬الدعوة‭ ‬لزيارة‭ ‬العراق،‭ ‬والغناء‭ ‬في‭ ‬الاحتفالات،‭ ‬لمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬ذكرى‭ ‬17‭ ‬تموز‭.  ‬كان‭ ‬حارث،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬يومية‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬مع‭ ‬زملائه‭ ‬في‭ (‬واع‭) ‬يناقشهم‭ ‬في‭ ‬الاخبار‭ ‬،‭ ‬ويلبي‭ ‬احتياجاتهم،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يملأ‭ ‬سيارته‭ ‬الـ‭(‬بيوك‭) ‬الضخمة،‭ ‬بالهدايا‭ ‬يوزعها‭ ‬على‭ ‬زملائه‭ ‬واصدقائه،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬اشد‭ ‬حالات‭ ‬الفرح،‭ ‬خلال‭ ‬زياراته‭ ‬الدورية‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭. ‬ونُقل‭ ‬حارث‭ ‬من‭ ‬الكويت،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬والعطاء،‭ ‬الى‭ ‬روما،‭ ‬وسررنا‭ ‬نحن‭ ‬الزملاء‭ ‬والاصدقاء،‭ ‬بهذا‭ ‬الاجراء،‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬نحسبه،‭ ‬انه‭ ‬سيُريحه،‭ ‬من‭ ‬أعباء‭ ‬العمل‭ ‬المُرهق،‭ ‬الى‭ ‬أجواء‭ ‬عاصمة‭ ‬الطليان،‭ ‬ومربط‭ ‬خيل،‭ ‬صوفيا‭ ‬لورين،‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬خيون‭ : ‬هسة‭ ‬تمام‭.. ‬راح‭ ‬تصير‭ ‬ايتاليانو‭ !‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سعيداً‭ ‬بهذا‭ ‬النقل،‭ ‬فهو‭ ‬قد‭ ‬تعّود‭ ‬على‭ ‬الجدية‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬والعلاقات‭ ‬المهنية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الطيبة‭ ‬مع‭ ‬زملائه‭ ‬وأصدقائه،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الايطالية،‭ ‬فسرعان‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬الى‭ ‬بغداد،‭ ‬ومنها‭ ‬الى‭ ‬بيروت،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشتعل،‭ ‬والحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬على‭ ‬أشدها،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يضحك،‭ ‬وكأنه‭ ‬ذاهب‭ ‬في‭ ‬سفرة‭ ‬سياحية،‭ ‬لم‭ ‬يخف،‭ ‬ولم‭ ‬يتردد،‭ ‬برغم‭ ‬التهديدات،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصل،‭ ‬الى‭ ‬السفارة‭ ‬العراقية،‭ ‬ومكتبه‭ ‬فيها،‭ ‬باعتباره‭ ‬المستشار‭ ‬الصحفي‭.  ‬وجاء‭ ‬الخبر‭ ‬الاليم،‭ ‬بتفجير‭ ‬الاوغاد،‭ ‬لمبنى‭ ‬السفارة،‭ ‬وهبّ‭ ‬جميع‭ ‬منتسبي‭ (‬واع‭) ‬بفزع‭ ‬يتساءلون‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬حارث،‭ ‬واذكر‭ ‬ان‭ ‬الزميل‭ ‬وليد‭ ‬عمر‭ ‬العلي،‭ ‬انفجر‭ ‬باكياً‭ ‬بحرقة،‭ ‬وهو‭ ‬يصرخ‭: (‬ابو‭ ‬شيبان‭ ‬راح‭)‬،‭ ‬والزملاء‭ ‬يتضرعون‭ ‬الى‭ ‬الله،‭ ‬ان‭ ‬يحفظه‭ ‬ويحميه،‭ ‬وسرت‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الامل‭ ‬والتفاؤل،‭ ‬عندما‭ ‬جاء‭ ‬خبر‭ ‬من‭ ‬بيروت‭ ‬يقول‭: ‬بان‭ ‬حارثاً،‭ ‬وموظفي‭ ‬المستشارية‭ ‬الصحفية،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنهم‭ ‬معاونته،‭ ‬بلقيس‭ ‬الراوي،‭ ‬زوجة‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ (‬محصورون‭) ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬السفارة،‭ ‬وتعالت‭ ‬زغاريد‭ ‬الزميلات،‭ ‬في‭ ‬ارجاء‭ ‬الوكالة،‭ ‬غير‭ ‬ان‭ ‬الفرحة،‭ ‬جفت‭ ‬على‭ ‬الوجوه،‭ ‬وماتت‭ ‬في‭ ‬العيون،‭ ‬عندما‭ ‬ورد‭ ‬الخبر‭ ‬اليقين‭.. ‬حارث‭ ‬استشهد‭.‬

Screenshot 2020 12 21 at 22.46.05 - قريش
مبنى السفارة العراقية المدمر بتفجير القوى الشيعية ببيروت ١٩٨١

‬حارث‭ ‬طاقة‭ .. ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬الموصلي‭ ‬الجميل،‭ ‬والصحفي‭ ‬الانيق،‭ ‬كان‭ ‬يتفجر‭ ‬حيوية‭ ‬ومرحاً،‭ ‬دؤوباً‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬صدوقاً‭ ‬في‭ ‬علاقاته،‭ ‬كان‭ ‬يكابر،‭  ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬عندما‭ ‬تداهمه،‭ ‬نزلات‭ ‬البرد،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬الشتاء،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬جاء‭ ‬الى‭ (‬واع‭) ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬اجبرته،‭ ‬زوجته‭ ‬الوفية،‭ ‬زميلتنا‭ ‬وصال،‭ ‬على‭ ‬ارتداء‭ ‬معطف‭ ‬ثقيل،‭ ‬حماية‭ ‬له،‭ ‬وما‭ ‬ان‭ ‬دخل‭ ‬صالة‭ ‬التحرير،‭ ‬حتى‭ ‬بادر‭ ‬الى‭ ‬نزع‭ ‬المعطف،‭ ‬ورماه‭ ‬على،‭ ‬محمد‭ ‬فخري‭ ‬رزوقي،‭ ‬وقال‭ ‬له‭ ‬خذه،‭ ‬ولا‭ ‬ترجعه‭ ‬لي‭ ‬مرة‭ ‬اخرى،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يضيق،‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬ثقيل،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬بشراً،‭ ‬او‭ ‬معطفاً‭. ‬وفي‭ ‬جامع‭ ‬الامام‭ ‬أبو‭ ‬حنيفة،‭ ‬وجثمان‭ ‬حارث‭ ‬مسجى،‭ ‬في‭ ‬تابوت‭ ‬خشبي‭ ‬جوزي‭ ‬اللون،‭ ‬كان‭ ‬بكاء‭ ‬سعد‭ ‬البزاز‭  ‬عالياً،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬عاد‭ ‬على‭ ‬عجل،‭ ‬من‭ ‬مقر‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬لوداع‭ ‬خاله‭ ‬الحبيب،‭ ‬وكان‭ ‬نشيج‭ ‬عباس‭ ‬الدايني‭ ‬مرتفعاً،‭ ‬وصوت‭ ‬نزار‭ ‬التكريتي‭ ‬مخنوقاً،‭ ‬وآهات‭ ‬الزملاء،‭ ‬تمزق‭ ‬سكون‭ ‬الليل،‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬المهيب،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬انساناً،‭ ‬يتميز‭ ‬بالنُبل‭ ‬والقيم،‭ ‬حسن‭ ‬السيرة،‭ ‬ومحمود‭ ‬الخصال،‭ ‬ترك‭ ‬برحيله‭ ‬غصة،‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عرفه،‭ ‬نستذكره‭ ‬اليوم‭ ‬وكأنه‭ ‬بيننا،‭ ‬بحماسته‭ ‬وحيويته‭ ‬وضحكاته،‭ ‬بوقفاته‭ ‬ومواقفه،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭.‬

كاتب‭ ‬وصحفي‭ ‬عراقي

2020 12 20 20 21 16 764081 - قريش
حارث طاقة ، المستشار الاعلامي في السفارة العراقية ببيروت-١٩٨١

—————————

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com