سناء شفيبرت.. قاصّة فلسطينية تكتب عن شمس حانية وبنايات تخدش غرور السَّحاب

سناء شفيبرت.. قاصّة فلسطينية تكتب عن شمس حانية وبنايات تخدش غرور السَّحاب

آخر تحديث : الثلاثاء 1 ديسمبر 2020 - 12:00 صباحًا

ثلاث قصص قصيرة

سناء شفيبرت

Screenshot 2020 11 30 at 22.53.18 - قريش

  قاصة من فلسطين/ مقيمة بألمانيا-

المُسنة العاملة

تتحايل على قدميها، فتتحرك برشاقة مفتعلة، لكي لا تلحظ سيدة المنزل إنهاكها فتعجل بالاستغناء عنها، بعد سنوات من التفاني في خدمة هذه العائلة.

رفاهية ترك عملها في عقدها السبعين ستبقى حلما تصبو إليه، بعد أن خسرت كل ما يمكن أن تواجه به قسوة العوز. لم تكن تتخيل أن ابنها الوحيد – الذي قامت على تربيته بعد رحيل زوجها مبكرا- هو من سرق حلمها عندما استولى على مدخراتها، ليبدأ بها حياة جديدة في مكان حرص على أن يبقى مجهولا لها.

وبحركة تخفي بها ألم قدميها – من عناء الإشراف على تدبير أمور هذا المنزل الضخم- وقفت أمام سيدتها تحاول تبرير حرصها على دفع مبلغ شهري من راتبها المتواضع، لشقة هجرتها منذ رحيل ابنها عنها. 

غُرور السَّحاب

بدأت أولى إشارات الفجر تتسلل عبر نافذتها الصغيرة، المطلة على رؤوس بنايات تَخدش غُرور السحاب، فيعاقبها بأمطار لا تتوقف. 

غزاها الخوف، لاقتراب موعد تسليم فستان لزبونة ثرية، لم تنتهِ من حيكه بعد. 

لم تكن تعرف أن حلمها بالعيش في المدينة قد حولها إلى معدمة، لا تعرف سوى مصنعِ النسيج – الذي يشبه معملا للدَّواجن- وغرفةٍ صغيرة تحت سقف عمارة متهاوية. 

داهمها الوقت، فعرفت أنَّها لن تستطيع تَسليم الثوب في الوقت المحدد، وأن عليها اللحاق بحافلة الصَّباح لتبدأ ورديتها. 

أسندت رأسها على زجاج النافذة وأطلقت العنان لذاكرتها، تستحضر صورا من بيت طفولتها – المطل على حقول الخزامى- وتتذكر صوت صرصور الليل – الذي كانت تنام على وقعه كل صيف- ونسائم الهواء، المحملة برائحة المواقد البعيدة نهاية الخريف. 

الشَّمسُ الحانية

صارت تشبه شمس الخريف، وقد تجردت من ساديتها، لتترك أثرًا طيبا وراءها قبل الرَّحيل. 

كانت تراقب الأطفال -وهم يبحثون عن حبات الكستناء بين أوراق الشجر المتساقطة- وتتفحص الفرحة على وجوههم حين يعثرون على واحدة، ظنت أنَّها بمأمن عنهم. 

وبحركة متثاقلة تلُفّ شالها الصوفي حول عنقها، وتنظر إلى باب الملجأ في انتظار أحدهم، ليرجعها إلى غرفتها. 

تذكرت زوجة ابنها المسكينة، التي أحضروها شابة – من قريتهم في بلد المنشأ – لتكون خادمة لهم جميعا، ولم تجد مخرجا من قسوتهم سوى أن ترمي نفسها أمام قطار، ظنت أنه ناقِلُها إلى بلد غريب سيكون جنتها الموعودة. واستحضرت وجه ابنها، الذي التجأ إلى الكحول بحثا عن وطن، لا يشعر فيه بالتشتت والضياع.  

نظرتْ إلى السماء – قبل أن تجر الممرضة كرسيها المتحرك إلى الداخل- متيقنة أن البشر لا يتذكرون من الخريف شمسه الحانية، بل قسوته على أشجار الأرض. 

قصص قصيرة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com