قريش
قالت “هيومن رايتس ووتش” الأربعاء إنه ينبغي للسلطات العراقية الوفاء بالتزامها بتحديد مكان ضحايا الإخفاء القسري وضمان محاسبة المسؤولين.
وبحسب بيان المنظمة الحقوقية الدولية فانه ومنذ تولي منصبه في مايو/أيار 2020، أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن حكومته تعمل على إنشاء آلية جديدة لتحديد مكان ضحايا الإخفاء القسري، لكن يبدو أن السلطات لم تفعل شيئا يُذكر لمتابعة ذلك. لم تردّ السلطات العراقية على رسالة بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني من هيومن رايتس ووتش تطلب فيها معلومات عن ثماني حالات إخفاء حدثت بين ديسمبر/كانون الأول 2019 وأكتوبر/تشرين الأول 2020.
وقالت بلقيس والي، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: “إنشاء آلية لا تفعل شيئا، كما فعلت الحكومات العراقية لسنوات، لا يكفي ببساطة لمعالجة المشاكل المزمنة مثل الإخفاء القسري. يتطلب إنهاء الإخفاء القسري ومحاسبة قوات الأمن التزاما جادا ومستداما يتضمن تتبع هذه الحالات”.
تشير تفاصيل الحالات التي حصلت عليها هيومن رايتس ووتش إلى أن “قوات الحشد الشعبي” – قوات أمن تتبع اسميا لسيطرة رئيس الوزراء منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016 – كانت على الأرجح وراء جميع حالات الاختفاء الثمانية. هذه الحالات ليست سوى جزء صغير من إجمالي حالات الإخفاء التي يُعتقد أن هذه الجماعات نفذتها خلال العام الماضي.
قدم الكاظمي التزامات متعددة منذ تولي منصبه في مايو/أيار للتحقيق في حالات الإخفاء القسري ومعاقبة مرتكبيها. في أكتوبر/تشرين الأول، أثناء استعراض العراق من قبل “اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري” التابعة لـ “الأمم المتحدة”، قالت السلطات إنها أنشأت آلية جديدة لتنسيق جهودها لتحديد أماكن الأشخاص المخفيين.
لكن، في كل حالة راجعتها هيومن رايتس ووتش، لم ينجح الأقارب في الحصول على معلومات من السلطات حول مكان المفقودين. لم تسمع أي من العائلات عن هذه الآلية الجديدة تحديدا، ولم تتصل بهم. وأضاف أحدهم: “نسمع دائما عن قيام الحكومة بإنشاء لجان جديدة، لكننا لم نسمع إطلاق أن هناك أي نتائج تأتي من هذه اللجان”.
في إحدى الحالات، قال أحد أقارب عمار زيدان مخلف) 48 عاما( إن الأخير مفقود منذ 25 ديسمبر/كانون الأول 2019. قبل 2003، كان مخلف نقيبا في “الحرس الجمهوري”، ومن 2003 إلى 2008 كان قائد شرطة في الدور، وهي بلدة في محافظة صلاح الدين. في 2008، وبسبب دوره السابق في الحرس الجمهوري، أمرته “هيئة المساءلة والعدالة”، المرتبطة بعملية اجتثاث “البعث” في العراق، بالتقاعد. قال قريبه إن مخلف كان يستميت للعودة إلى العمل.
قال قريبه إن رجلا قدم نفسه على أنه عضو في مديرية الأمن التابعة لـ الحشد الشعبي، دعا مخلف في 24 ديسمبر/كانون الأول، وقال له إن لديه إذنا بالعودة إلى العمل، ويجب أن يذهب إلى مكتب مديرية أمن الحشد الشعبي في بغداد في اليوم التالي ليقدم له الرجل مزيدا من المعلومات.
قال القريب إن مخلف غادر المنزل الساعة 9 صباحا يوم 25 ديسمبر/كانون الأول، لكن بحلول الساعة 11 صباحا، كان هاتفه مغلقا. في وقت لاحق من ذلك اليوم، وفقا للقريب، قدمت الأسرة شكوى بشأن فقدان شخص لدى الشرطة في تكريت ومديرية أمن الحشد الشعبي في الدور، حيث قال الموظفون إنهم لا يعرفون شيئا عنه أو عن هوية الرجل الذي اتصل به. حاولوا الحصول على معلومات أخرى من شركة الاتصالات، التي قالت إن معلومات برج الهاتف الخلوي حددت وجوده بالقرب من سامراء قبل أن يتم إغلاق هاتفه، ومن خلال قريب آخر يعمل لدى الشرطة والذي راجع كاميرات المراقبة في نقطة تفتيش وقال إن سيارته مرت عبر نقطة التفتيش الرئيسية بين الدور وسامراء قبل أن يختفي.
في قضية أخرى، ليلة 25 ديسمبر/كانون الأول، قال أحد سكان الدور إن مسؤولا كبيرا في مكتب مخابرات وزارة الداخلية بصلاح الدين اتصل بوالده، الشيخ فارس خطاب. كان خطاب قد تواصل مع المسؤول لمحاولة الحصول لابنه الآخر، المقدم غالب فارس خطاب )45 عاما( على عمل هناك، وأبلغه المسؤول الكبير أن يأتي إلى تكريت في 26 ديسمبر/كانون الأول لترتيب نقله إلى هناك. غادر كلاهما إلى تكريت الساعة 9 صباحا، لكنهما لم يُجيبا على هاتفيهما مجددا.
قال الابن: “ذهبنا إلى مراكز الشرطة في الدور وتكريت طالبين من الشرطة والقوات المسلحة إيجادهما. بدأت الشرطة وقوات مكافحة الإرهاب مراجعة كاميرات المراقبة وقال لنا العقيد معمر في وحدة المخطوفين إنه أصدر مذكرتَي توقيف بناء على فيديوهات المراقبة وإنه يلاحق هاتف والدي. لكنهم لم يقولوا بحق مَن أصدروا مذكرتي التوقيف أو إلام قادهم الهاتف. في حدود علمنا، لم يتم توقيف أحد حتى الآن”.
قال إن شرطيا يعرفه أظهر له لقطات من كاميرات المراقبة من نقطة تفتيش، وقال إن سيارتين على الأرجح تابعتين لـ الحشد الشعبي شوهدتا ترافقان سيارة خطاب عبر تكريت. قال الابن إن صديقا له على صلة بوزارة الداخلية أخبره أنه في 27 ديسمبر/كانون الأول، بينما كانت القوات المسلحة تبحث عن خطاب، اتصل ممثل الحشد الشعبي بالصديق وأمره بوقف البحث.
في حالة ثالثة، قال صديق سجاد ستار شنان، أحد المتظاهرين البارزين ضد الحكومة في الناصرية، إنه في 19 سبتمبر/أيلول، كان في السيارة مع شنان وأربعة أصدقاء آخرين متجهين إلى قرية خارج مدينة الناصرية. في الساعة 9 مساء، على بعد حوالي أربع كيلومترات خارج المدينة، أوقفت شاحنتان صغيرتان بدون لوحات سيارتهما. نزل ثمانية رجال مسلحين وأمروا شنان بالخروج من السيارة. قال الصديق إنه سأل الرجال عن هويتهم، فأجابوا: “من الأفضل لكم أن تدعونا نأخذه”، فأخذوه بعيدا.
قال الصديق إنه أخبر الرجال أنه تعرف على أحدهم كعضو في “منظمة بدر”، وهي وحدة في الحشد الشعبي، وأطلق آخر النار عليه مرتين، واخترقت رصاصةٌ فخذه. ذهب الصديق في وقت لاحق إلى الشرطة وأعطاهم تقريرا كاملا يتضمن اسم الرجل الذي تعرف عليه ولكن لم يتم القبض على أي شخص. قال: “تلقيت أيضا منذ ذلك الحين اتصالات من أرقام محجوبة لتهديدي وإجباري على التوقف عن التكلم عن الحادث”.
وفي حالة أخرى، داهم نحو 25 مسلحا يرتدون زيا رسميا بشعارات “عصائب أهل الحق”، وهي وحدة أخرى تابعة لـ الحشد الشعبي، قرية الفرحاتية التابعة لقضاء بلد بمحافظة صلاح الدين، واعتقلوا 12 رجلا في 17 أكتوبر/تشرين الأول. قال قريب تسعة من المعتقلين، والذي قال إنه تعرف على بعض الرجال من نقطة تفتيش قريبة تسيطر عليها المجموعة: “قالوا لنا إنهم سيعيدونهم دون أن يعطونا أي سبب لاعتقالهم”.
عثر القرويون على جثث ثمانية رجال على الأرض في صباح اليوم التالي، على بعد حوالي 500 متر من القرية و200 متر من نقطة تفتيش. كان أيديهم مقيّدة. بدت أيديهم وكأنها محترقة، وأصيبوا بالرصاص في الرأس. زار الكاظمي القرية في 18 أكتوبر/تشرين الأول برفقة وزيري الدفاع والداخلية، وتعهد بمحاسبة المسؤولين عن عمليات القتل. قال قريب الضحايا إنه قيل له إن السلطات اعتقلت بعد ذلك أربعة أشخاص، لكن لم توجه اتهامات إلى أي شخص حتى الآن على حد علمه. ما يزال الرجال الأربعة الآخرون مفقودين.
في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، وجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى مكتب رئيس الوزراء تقدم فيها تفاصيل إضافية في قضايا جميع الأشخاص الثمانية المخفيين. قال متحدث باسم الوزارة إن الرسالة ستُسلم لرئيس الوزراء، لكن هيومن رايتس ووتش لم تتلق أي رد بعد.
توثق هيومن رايتس ووتش حالات الاختفاء القسري في جميع أنحاء العراق منذ عقود، بما في ذلك تقرير في 2018 عن 78 رجلا وصبيا تم إخفاؤهم قسرا بين أبريل/نيسان 2014 وأكتوبر/تشرين الأول 2017. وفي ثلاث حالات أخرى وردت في التقرير، قال رجال تم إخفاؤهم وأُطلق سراحهم لاحقا إن قوات الحشد الشعبي أو “جهاز الأمن الوطني” احتجزتهم لفترات تراوحت بين 34 و130 يوما في مواقع احتجاز غير رسمية.
في يونيو/حزيران 2018، أرسلت هيومن رايتس ووتش استفسارا يتضمن قائمة بأسماء عشرات الأشخاص المخفيين، بالإضافة إلى التواريخ والمواقع التقريبية التي شوهدوا فيها آخر مرة، إلى حيدر العكيلي، مستشار حقوق الإنسان في المجلس الاستشاري لرئيس الوزراء، لكنها لم تتلق قط أي رد رسمي.
قالت والي: “مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 2021، قد ينفد الوقت من الكاظمي لاستخدام فترة ولايته لمعالجة المخاوف الحقوقية الأكثر إلحاحا في العراق. اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن الإخفاء القسري سيسمح له ببناء سجل في معالجة الانتهاكات الجسيمة التي ابتليت بها البلاد”.
عذراً التعليقات مغلقة