ليون برخو
ونحن في مستهل العام الجديد، 2021، نشهد زحمة في ظهور تقارير وأبحاث عن مستقبل شعوب ودول العالم في شتى الميادين والمضامير التي تخص حياة البشر. هناك تقارير من مراكز بحثية ومؤسسات عالمية حول الدول التي ستتبوأ المراكز الخمسة أو العشرة الأولى في العالم، اقتصاديا أم عسكريا أم ماليا أم صناعيا أم تكنولوجيا أم زراعيا أم من حيث عدد السكان.
لا يخفى أن الدخول في نادي الدول الأعظم في العام يستند في الأغلب إلى المعايير الاقتصادية ونسبة النمو في الخمسة أو العشرة أو الـ25 عاما المقبلة أو أكثر.
وقد نقلت الصحافة العالمية عن تقرير مهم نشرته مؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبرز” الانجلو – أمريكية للخدمات المهنية الدولية يحتوي توقعات، إن صدقت، فإن العالم لن يكون مثلما نألفه اليوم في غضون 30 عاما من الآن، حيث ستزاح سبع دول ضمن العشر الكبار، وتحل محلها سبع أخريات.
ما يثير الانتباه في التقرير الغربي المنشأ، أن كل الدول الغربية التي تدرج ضمن الدول العشر العظمى في العالم، إما ستزاح عن مكانتها أو تخرج من السلم ذي الدرجات العشر. ولأول مرة سنرى دولة إسلامية تحتل المرتبة الرابعة كأعظم دولة أو اقتصاد في العالم بعد الصين والهند والولايات المتحدة، وهي إندونيسيا.
وكنا في جريدتنا الغراء قد كتبنا عن تجربة إندونيسيا وكيف أنها تحرق المراحل كي تدخل نادي الكبار وبجدارة. هناك كثير من المعلومات المثيرة والحقائق ما يمكن شرحه وتحليله عن تقرير مؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبرز”، حيث، وفق التقرير، سنرى هبوط الولايات المتحدة إلى المرتبة الثالثة، وصعود الهند إلى المرتبة الثانية بعد الصين التي ستكون الأعظم في العالم، ليس في عام 2025، بل في حدود خمسة أعوام أو أقل.
وعدا الولايات المتحدة، لن يبقى في خانة العشر الأول من الدول الغربية غير ألمانيا وبريطانيا، اللتان ستتبوأن قعر السلم. وعداه سيكون وجه العالم غير الذي نعرفه اليوم، حيث سيكون حجم اقتصاد إندونيسيا أو البرازيل أو روسيا أو المكسيك، أكبر من حجم الاقتصاد الياباني أو الألماني.
وسنلحظ صعود دول ذات أحجام اقتصادية صغيرة بقياسات يومنا في جنوب شرق آسيا وإفريقيا إلى مراتب متقدمة في سلم الاقتصادات الكبيرة في العالم.
هذه كانت أبرز الملامح التي ركزت عليها الصحافة العالمية عند تعاملها مع تقرير مؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبرز” البالغ الأهمية.
بيد أنني لاحظت تجاهلا، لا أعلم كنهه، لمؤشرات أخرى لا تقل أهمية عن تسلسل الدول واقتصاداتها بعد ثلاثة عقود من الآن. هذه المؤشرات التي وردت في التقرير سيكون لها تبعات على مستقبل العالم، وعلى دول الشرق الأوسط خصوصا.
ما استوقني وأثار انتباهي في تقرير “برايس ووتر هاوس كوبرز” كان التركيز على النمو الاقتصادي الذي سيشهده العالم في الـ30 عاما المقبلة.
وفي رأيي ما يجب الوقوف عنده هو أن إزاحة الاقتصادات الكبيرة اليوم عن مكانها في سلم التسلسل العالمي ودخول اقتصادات أخرى محلها، لن يقع بسبب ضمور الاقتصادات القوية الحالية من حيث الإنتاج، بل للنسبة الكبيرة في النمو التي يصفها التقرير بالاستثنائية للدول التي ستدخل نادي الاقتصادات الأعظم في العالم.
فعندما تقفز إندونيسيا من المرتبة الـ16 الحالية إلى المرتبة الرابعة من حيث حجم الاقتصاد في العالم في غضون ثلاثة عقود، علينا أن نتصور نسب النمو العالية والاستثنائية التي سيحققها هذا البلد في غضون ثلاثة عقود. وقس على ذلك المكسيك التي ستنتزع المرتبة الرابعة بعد 30 عاما، بينما هي الآن في المرتبة الـ14.
وهناك اقتصادات ضعيفة حاليا، يتكهن التقرير لها بمستقبل باهر، ويضعها ضمن الاقتصادات القوية في المستقبل، مثل فيتنام والفلبين وتايلاند، ونيجيريا وغيرها من الدول الإفريقية.
لا، بل إن التقرير يذهب إلى حد التكهن بأن الحجم الحالي للاقتصاد العالمي سيتضاعف بحلول عام 2050.
أسوق هذه المعلومات المهمة حول النمو الاقتصادي المتوقع في العالم جوابا أو ردا على سيل المقالات المحبطة التي تتحدث سلبا عن آثار اقتصادية ليس محلها ومكانها، فقد تجاهل التقرير دور الدول المنتجة للنفط في أثرها ودورها الاقتصاد العالمي باعتبار إنتاج النفط شيئا مهما وأساسا، ومن أركان منتجات الطاقة العالمية.
شخصيا، أرى ألا محل لهكذا مواقف من الإعراب والعالم مقبل على نمو اقتصاد استثنائي سيتضاعف فيه حجم الإنتاج الوطني الإجمالي. والنمو والطاقة توأمان برئة واحدة. فعن أي ذروة تتحدثون؟
الاقتصادية
عذراً التعليقات مغلقة