ربيع الحافظ
في سنة 1908 أطاح انقلاب قومي (طوراني) بالسلطان عبد الحميد الثاني منهياً من الناحية الفعلية الدولة العثمانية ومنهيا المسوغ (الإسلامي) لبقاء العرب في نظام سياسي مشترك مع الاتراك، ودخلت الحكومة الجديدة في استانبول حقبة سياسية ارتكبت فيها أخطاء مع العرب ومع الأعراق الأخرى المكونة للمجتمع العثماني مما لا ينسجم مع مسار خمسة قرون من الحكم العثماني. في الفترة ما بعد عام 1908 نهضت جمهرة من “حكماء العرب” (علماء، مفكرون، وجهاء) بمبادرة لإعادة تشكيل النظام السياسي الإقليمي (العثماني) تهدف إلى إيجاد صيغة (خارج إطار الخلافة) تديم التحالف العربي التركي وتحمي المجتمع العربي من البديل الأوربي الذي كان يطل بقرنيه (الإنكليز والفرنسيون).
اعتبر الحكماء العرب الحفاظ على النظام السياسي الإقليمي (العثماني إسما) هدفا مهما بلغ ثمنه حتى لو كان تحت حكومة الاتحاد والترقي الطورانية التي أطاحت بالسلطان عبد الحميد، ولم يثنهم وصف الناس لهم بالنفاق وكانت فلسفتهم هي أن سقوط النظام العثماني سيجعل مجتمع المنطقة عاجزا على الصمود أمام الأوربيين.
تضمنت المبادرة العربية مسارين: مسار سياسي يطالب بحكم ذاتي (لا مركزي) للولايات العربية، وآخر فكري يجعل من المفاهيم الاجتماعية بين العرب والأتراك مادة صمغية تماسك بين فيسفساء المجتمع العثماني في حقبة جديدة من التحالف يدشنون بها القرن العشرين. المبادرة باءت بالفشل ومن عوامل فشلها:▪كان لاستانبول التي يحكمها الاتحاد والترقي رغبة مختلفة.▪كان الأوربيون هم المهندس الإقليمي الحقيقي للمنطقة العربية.▪أن العالم كانت تجتاحه حمى القومية.
بعد قرن على المبادرة اصبحت هذه النقاط الثلاثة لاغية وحلت محلها نقاط بديلة باتجاه معاكس.
اصبح القاسم المشترك بين تركيا ومحيطها العربي أكثر شمولية من القاسم (العثماني) فهو يغطي قناعات رقعة المجتمع الاقليمي بتنوعه الديني والقومي، هذا المجتمع يختار اليوم بين قاسم البقاء والفناء؛ بقاء يمثله نظام الدولة والحكم المركزي الذي يحمي المجتمع المدني وتمثله تركيا، وفناء يمثله النظام اللادولة الذي يفكك المجتمع ويعطل الحياة المدنية، إضافة إلى ذلك اصبحت تركيا لاعبا اقليميا حقيقيا فيما هدأت الحمى القومية.
تركيا معذورة في 1908 فقد كانت دولة مخطوفة فكريا لكن لا عذر اليوم لدوائر الفكر والقرار فيها من عدم إنضاج المبادرة لتكون هوية تحتمي بها المتطقة في جو عاصف.
عذراً التعليقات مغلقة