ربيع الحافظ
دعت الكنيسة في مدينة كوفنتري الإنكليزية إلى ندوة حول زيارة البابا للعراق حضرها مسيحيون ومسلمون ويهود ووجهت الدعوة إلى مؤسسة الموصل لتقديم رؤيتها عن الموصل وعن العراق بشكل عام وهذا طرف من النقاش الذي دار.
نبذة عن طبيعة مجتمعنا
عاش المسلمون والمسيحيون في الموصل 14 قرنا من السلام والإخاء، الكنائس التي كانت موجودة يوم فتح المسلمون في عام 16هـ – 637م موجودة اليوم وينبغي أن نتذكر ان تلك الفترة تخللتها أزمنة غابت عنها الدولة بشكل كامل وخلت الحياة من مؤسسات الأمن والقضاء، رغم ذلك لم يسجل التاريخ أن كنيسة مست بسوء أو أن داراً لمسيحي (أو يهودي) تعرضت للسلب أو أن المسيحيين هاجروا من مدننا وفي ذلك دلالة قاعدة مهمة وهي: أن المسيحيين عاشوا بحماية قيم المجتمع المسلم وليس بحماية النظم الحاكمة وأن مدن المسلمين هي مكان آمن لهم ما دام المجتمع قائماً.
مدن الموصل وحلب وغيرهما استقبلت هجرات المسيحيين من غير العرب (الأرمن) الذين وصلوا في ظروف صعبة أثناء الحرب العالمية الأولى وفي زمن تفشت فيه المجاعة فاقتسمت معهم رغيف الخبز واستقروا وكانت لهم كنائسهم ومدارسهم وأعمالهم وفي ذلك قدرة المجتمع المسلم على إضافة ألوان جديدة إلى طيفه. وعندما زحف جيش نادر شاه بسياسة الارض المحروقة لاحتلال الموصل دعا أهلها أهالي القرى المسيحية المحيطة إلى دخول الموصل والاحتماء بأسوارها ثم مكثوا في الموصل وأصبحوا من أهلها.
المشكلة
ليس في المدن العربية مشكلة تعايش ديني ودعوة البابا لها إلى التعايش الديني كمن يحمل تمراً إلى البصرة، التعايش الديني هنا فطري وعفوي وليس مادة للتثقيف أو الإعلام أو حالة اجتماعية تفرضها القوانين كما في أوربا.
مشكلة المدن العربية هي في المليشيات التي احتلتها منذ 2003 وعطلت الحياة فيها وأفسدت تعايشها الديني وأكبر خدمة يمكن أن يقدمها البابا لها هو الدعوة إلى خروج المليشيات من المدن وحينها سيعود إليها أهلها وخبراؤها وتستعيد مجتمعها المدني وتعايشها الديني والعرقي. لكن البابا ذاهب إلى لقاء الشخص (السيستاني) الذي يشجبه العراقيون في شوارع مدنهم (الشيعية قبل السنية) ويعتبرونه الأب الروحي للمليشيات (الحشد الشعبي) التي قضت على حياتهم المدنية وحامي الفساد السياسي والمالي والرأس الحقيقي للنظام السياسي الديني (الثيوقراطي) غير المنسجم مع طبيعة مجتمعهم.
شهادة اعتراف
هذا اللقاء يصدر شهادة اعتراف بالنظام الديني الذي يحكم العراق، في المقابل لا يوجد على جدول زيارته لقاء مع شخصية سنية (ولو رمزية) في إشارة إلى الدولة المدنية التي أسسها السنة التي انهارت في 2003 وانهيار معها المجتمع المدني والتعايش الديني وشعر المسيحيون والأقليات بالخطر وهاجروا بعد 14 قرن من العيش مع المسلمين.
عناوين خاطئة
العناوين التي تصاحب زيارة البابا في الإعلام حول موقف المسلمين من المسيحيين خاطئة. الموصل بعد عام 2003 أصبحت ساحة حرة لتنظيم القاعدة (الأنموذج المبكر لداعش) التي كانت تجبي الأموال وتقوم بالتصفيات على مرأى من المليشيات الشيعية وإليها يعزى الظلم والخيانة التي حاقت بالمسيحيين (من داخل الموصل) عندما وصلت داعش. ليس من الصواب القول إن ألوف المسيحيين هاجروا من الموصل وأنها لا يعودون لأنها لم تعد آمنة بالنسبة لهم بل الصواب هو أن مئات الألوف هاجروا من الموصل ولم يعودوا ومن ضمنهم المسيحيين.
أرضية لعودة المجتمع الديني التعايش الديني
ما حدث في الموصل تحت حكم المليشيات (الشيعية وداعش) لم يكسر الآصرة الاجتماعية بين المسلمين والمسيحيين (الذين أخذوا يستخدمون مصطلح “الإسلام الصحيح” تفريقا عن المليشيات الشيعية وداعش) وهم ماضون في إخائهم على شبكات التواصل الاجتماعي ويستذكرون الزمن الجميل ويحلمون بالعودة إلى الموصل وإحيائها من جديد وهم جاهرون لنقله إلى أرض الواقع حال تأمينها من المليشيات.
لابد من تذكير البابا أنه حينما سيؤدي الصلاة في مربع حوش البيعة المدمر (في الحي القديم من الموصل) سيكون تحت أقدامه مئات الجثث (من بينها للمسيحيين) التي مضى عليها ثلاثة أعوام وأن المليشيات التي توفر له السلامة هي التي تمنع ذوي الضحايا من إخراج جثثها ودفنها بطريقة تكرم آدميتها وتمنعهم من إعادة بناء منازلها لأسباب يعتقد الناس أنها تتعلق بخطط طمس المعالم الأصلية للموصل التي من أجلها دمرت بهذه القسوة.
إخراج المليشيات من المدن هي بوابة العودة إلى المجتمع المدني والتعايش الديني وهي غائبة عن زيارة البابا لذا يرى العراقيون أن هذه الزيارة تقع في الجانب الخاطئ من صراعهم مع النظام السياسي ويحيط بأهدافها الغموض.
#مؤسسة_الموصل ربيع الحافظ / الأمين العام
عذراً التعليقات مغلقة