آثارنا وأنظمتنا وحساسيتنا المفرطة
مروان ياسين الدليمي
يتوجب علي ان اكون حذرا ، بل في غاية الحذر ، حتى لا اكون في موضع الشبهات، او ان تلصق بي تهمة جاهزة ، وانا انتقي كلماتي ، قبل ان اكتب عن حرص الانظمة السياسية التي حكمت العراق قبل العام ٢٠٠٣ ، منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١ ، على وجه خاص في قضية تعاملها مع الاثار ، سواء كانت بابلية او اشورية او سلجوقية او فارسية او عربية .
ليست مفارقة ان تجتمع كل الانظمة والحكومات رغم اختلافها ،في المنهج والطغيان والقمع ونمط الحكم البوليسي ، على ضرورة الاهتمام بالاثار والحفاظ عليها . وصور الاهتمام كثيرة ،بعضها مازالت شاخصة، سواء في اقامة المتاحف او اقامة نقاطة الحراسة عند المناطق الاثارية ، او اصدار الكتب والمطبوعات المتنوعة التي تعنى بها ، او تعيين ابرز الشخصيات الاثارية على راس اهم المؤسسات الحكومية مثل العلامة طه باقر ، وبهنام ابو الصوف ، وداني جورج .
لم تتردد الانظمة المتعاقبة على انزال اشد العقوبات بحق كل من يتجرأ المساس باثار العراق الحضارية ، ووصلت العقوبات بهذا الخصوص ، الى اصدار الحكم بالاعدام في منتصف تسعينات القرن الماضي ، على اثنين من اللصوص تم القبض عليهما، بعد ان ثبت تورطهما في سرقة” ثور مجنح” كان قد اكتشف في حينه ، في الموقع الاثري الذي يقع تحت جامع النبي يونس في مدينة الموصل، وكان اكتشافه حدثا لافتا تناقلته وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية ، حيث اعتبر الثور المكتشف ، من اندر القطع النحتية الاشورية ، وذلك لحجمه الكبير ، بالشكل الذي تفوق على بقية النماذج الاخرى المشابهة له ، والتي سبق ان تم العثور عليها في عدة مواقع من محافظة نينوى .
ولكي تسهل عملية نقله، نظرا لوزنه الثقيل جدا ،عمد اللصان الى استخدام منشار خاص في تقطيعه ، الى ثلاث قطع بشكل متساو ، حتى يتمكنا من اعادة تشكيله بنفس حالته الاولى ، عند بيعه .
ازاء ما اقدما عليه من فعل يجرمه القانون العراقي ، تم تنفيذ حكم الاعدام بحقهما ، ولم تفلح كل الوساطات العشائرية التي بذلت لتخفيف الحكم .
وبقدر ما كان قرار الاعدام قاسيا ووحشيا ، بحق الحياة الانسانية،من وجهة نظر القوانين الدولية التي تدافع مبادىء وحقوق الانسان ، بقدر ما يعني ان السلطة كانت لاتتسامح مع من يحاول العبث بالاثار .
من الصعب ان استرسل في تدوين قناعاتي حول موقف الانظمة السابقة، ازاء قضية مثل الاثار ، وقضايا اخرى غيرها، لاعلاقة لها بممارساتها السياسية،من غير ان اكون اشبه بمن يسير في تقاطع نيران ، اذ ينبغي علي ان استبعد اي مفردة من الممكن ان يسقطني كثيرون ، بسببها ، في خانة المداح والطبال للانظمة ” الدكتاتورية ” او انني احاول التلاعب بالالفاظ ، بقصد تبرئة صفحاتها ، من تاريخها القمعي ، وطائفيتها ومقابرها الجماعية.
ولكن من غير الممكن ان تتوقف ذاكرتنا عن العمل، ونحن نتابع مسلسل سور نينوى الاشوري ، وتصاعد احداثه الدرامية ، خاصة وان شخوصه المؤثرة بالاحداث ، منهم ماهو معلوم ومنهم ماهو مجهول، هذا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار، ارتفاع بورصة اسعار الارض التي اقيم عليها الشارع القديم المحاذي للسور ، الذي يبعد عنه مسافة ٢٥ م ، فالارقام بدات تتحرك بشكل سريع ، بدات بمبلغ ( ٨ ) مليار دينار ، ثم ( ٣٠ ) مليارا، وهاهي تصل ليلة امس على لسان احد مسؤولي المحافظة الى ( ٩٠ ) مليارا ، والمزاد على مايبدو لن يتوقف ، طالما ان القضية ، قد اصبحت في مرمى المتضاربين ، والمتصيدين بالماء العكر.
وعليه سيكون من الصعب تخمين الرقم الذي سترسوا عليه المزايدة ، لان الوقت مايزال مبكرا على غلق ابواب المزاد .
عذراً التعليقات مغلقة