الاقتصاد اللامحسوس

آخر تحديث : الأحد 25 أبريل 2021 - 2:34 مساءً
الاقتصاد اللامحسوس

د زياد آل الشيخ

إذا نظرنا إلى مستقبل الاقتصاد، سنجده يتطور بسرعة غير مسبوقة مدفوعا بالتقنية، ومع كون هذا الاقتصاد يزداد جودة وذكاء فإنه يزداد تعقيدا كذلك، فمن أبسط الأعمال لأعقدها، فإن العمليات الخافية تفوق العمليات الظاهرة، فإذا كانت عمليات الإنتاج خافية عنا اليوم، فإن عمليات الشراء ستختفي قريبا، فمنذ الثورة الصناعية، أصبحت عمليات الإنتاج أكثر خفاء، فلا ترى كيف يصنع الخبز إلا في زيارة سياحية، ولا تعرف مكونات مشروب حليب الأطفال إلا من الملصق الذي على العبوة البلاستيكية التي هي نفسها لا تدري مما صنعت، إن كنت غير مرتاح لكل ذلك، فإن عليك أن تتأقلم مع مستقبل أكثر خفاء وغموضا.

مع التطور التقني الذي نشهده منذ القرن الماضي، والعالم يزداد اتصالا، ونتيجة لاتصال العالم ببعضه أصبح تنفيذ الخدمات وصناعة المنتجات أغلب الوقت بعيدا عن مستهلكيها، ومع بعد المنتج طالت سلسلة التصنيع حتى أصبحت شبكة شديدة التعقيد، فكل منتج يحتاج إلى منتجات لتصنيعه، ومنتجات لإيصاله، وربما منتجات لاستهلاكه، ولأن هذه الشبكة المعقدة تمتد عبر القارات وبعيدا عن المستهلك النهائي، فإن كثيرا من العمليات تجري بعيدا عن الأنظار، لا يكاد المستهلك يدرك آلاف العمليات التي نفذت ليصل رغيف الخبز على طاولة الطعام كل صباح، ومع أن التحول الذي جرى كان في فترة وجيزة نسبيا، فإن المستقبل الذي نتحدث عنه سيأتي أسرع مما نتوقع.

تكلم الشيخ عبدالله المنيع في لقاء مع عبدالله المديفر الأسبوع الماضي عن حرمة البيتكوين، وعالم البيتكوين من أشد التقنيات تعقيدا اليوم، حيث تحيط به أساطير تزيده غرابة، ابتداء من مخترع شبكة البيتكوين وواضع شروطها (ساتوشي نكاموتو)، وهو شخصية غامضة غير معروفة، إلى العمليات السرية التي تحتضنها الشبكة، يساهم أكثر من ألفي مليون حاسب آلي في عمليات المعالجة، منها عمليات مشبوهة في تجارة المخدرات والسلاح، يمكن لعمليات المعالجة أن تنفذ من أي حاسب آلي، قد يكون أحدها لدى جارك، وبعضها ينفذ في أماكن نائية في حقول من المعالجات عالية السرعة، كل هذه العمليات تجري بهدوء، تنفذها برمجيات ليس لها شكل أو لون أو رائحة.

التقنيات التي تنهض بالخدمات الحديثة التي نتمتع بها اليوم قائمة على البرمجيات، دخول البرمجيات في تطوير معاملاتنا يضفي عليها مزيدا من المرونة والسرعة، كما يخفي كثيرا من العمليات عن المستهلك، الدفع الإلكتروني وخدمات التوصيل والمتابعة الآلية وغيرها من العمليات التي لا يعرف المستخدم تفاصيلها، تزيد من غرابة العالم الجديد، ولو أن خدمات الذكاء الاصطناعي وتقنية الروبوت في بداياتها، فإن ما تعد به سيدخلنا في عصر جديد يعلي من قيمة المعنوي مقابل الحسي، فستكون العمليات التي يعتمد عليها الاقتصاد معنوية لا محسوسة، فلا يستطيع الفرد أن يستقصي جودة هذه العمليات بنفسه، إنه عالم جديد يقوم على الثقة والتسليم باللامرئي والمتخيل.

الرياض

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com