بقلم :المراقب السياسي
أبدت السعودية من خلال قائدها الواعد الامير محمد بن سلمان،انفتاحاً كبيراً على العراق في موقف قومي مشهود ورائع، بعد أن انحسر دورها اثر احتلال العراق الذي ابتعد عن محيطه العربي سنة بعد أخرى، وهو ابتعاد مشترك، أي انّ العرب كانوا رهن اشارة المحتل الامريكي المتعجرف في التعامل مع العراق، ولا نلومهم كُلّ اللوم، ذلك انّ الامر والنهي كان بيد المحتل وتوقيتاته التي ثبت فشلها بعد فوات الأوان.
في حين كانت ايران تبني شبكاتها التنظيمية عبر الاحتماء بشرعية ضمنية مغلّفة وفّرها لها المحتل،وتتغلغل في جميع أجهزة الدولة ووزاراتها، من دون أن تبدي ضجة ضد الاحتلال الامريكي،بل انها دخلت في مفاوضات معه في بغداد، جرى التوافق فيهاعلى خطوط حمر وخُضر في العلاقات بين العراق وايران في فترة الاحتلال،مالبثت تلك الخيوط ان تقطعت بعد ان تسلم نوري المالكي الولاية الثانية له لا سيما بعد العام ٢٠١١ وشروعه في تنفيذ اجندة ايرانية توفر له السيادة السياسية والبقاء في السلطة وتتوج ذلك في التواطؤ على تسليم الموصل ومدن سنية اخرى بيد داعش لإنهاء التمرد السُنّي المقاوم للابد وتصفيته وتحويل حواضنه الاجتماعية الى ركام لا تقوم لها قائمة بعد جيل أو جيلين.
جميع رؤساء حكومات الاحزاب الشيعية في العراق زاروا الرياض وعادوا بعد قطع الوعود من دون ان يحدث شيء. حتى انَّ لقاء مكة المكرمة الشهير في خضم الحرب الطائفية بالعراق العام ٢٠٠٦ عاد بوقود جديد لنيران تلك الحرب بدل إطفائها. اليوم هناك اتفاقيات موقعة ولابدّ من التنفيذ ، وهناك صندوق استثماري مشترك بثلاثة مليارات دولار قد يدفع العلاقات الى مسار تصاعدي. هذا المبلغ بالكاد يعدل مقدار الرشى والفساد وبيع الوزارات وبعض المنافذ الحدودية مع تشكيل كل حكومة في العراق من دون أن يكفي، لذلك يجب أن لا تعتقد الرياض انّ هذا الصندوق يمكن أن يحقق خرقاً في الوضع العراقي، بل انّ الجانب العراقي من هذا الصندوق ، هو ذاته مُعَرّض للفساد في اي لحظة.
يلاحظ المراقب السياسي كم كانت الكلمات عسيرة على البناء في افتتاحية صحيفة الرياض المقربة من الحكومة السعودية عقب زيارة مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة العراقية، لتصف ما سمّته في عنوانها عراقاً جديداً، إذ انَّ من الصعب التقاط اشارات ايجابية على صحة وجود مسار جديد لعراق جديد مختلف عمّا كان عليه قبل سنتين أو خمس سنوات أو خمس عشرة سنة، ومن ثم مسار مضمون في العلاقات السعودية العراقية من خلال كلام رئيس حكومة مؤقت وعابر جاءت به الاحزاب التي تمسك بصنع القرار في العراق لعبور مرحلة خطيرة غير محسوبة في ثورة المدن الشيعية، وهو الهدف الذي تحقق بعد سنة نازفة لدماء ستمائة شهيد عراقي من أبطال بغداد والجنوب حصراً .
كل خطوة قد تبدو هادئة اليوم، لأنها لم تخضع لضغط اللوبي الايراني الحاكم في العراق، وانَّ الكاظمي وعد بما لا يملك، وانَّ مديات حركته رهن ارادة قوى شيعية لا يعنيها المحيط العربي لاسيما السعودية بشيء، حين تبدأ الاملاءات الايرانية تتسرب الى معتمديها من زعامات الصف الاول والثاني في البلد التي لا تزال تشجع أو تتبنى أو تمول أو ترسل مقاتلين من شيعة العراق المغلوبين على أمرهم تحت ضغط الحاجة للاصطفاف مع الحوثيين في اليمن لمقاتلتكم، والراتب المخصص للمقاتل الف وخمسمائة دولار ، ولا نستغرب اذا جرى تمويل القتال ضد السعودية من هذا الصندوق الاستثماري المشترك بعد حين. هذا الكلام ليس رجماً بالغيب لكنه يستند الى عمق في المعلومات داخل العراق قد لا تصل اليها السعودية، أو لا تريد تصديقها اذا وصلت اليها، لأنها ماضية في مشروع تأمين جهة العراق كي لا تكون ضدها، وهذا من حقها المبدئي في جلب الأمن لحدودها في زمن يد المليشيات الولائية المطلقة، حتى لو بشراء مشاريع ودفع دولار .
شاهدنا دولة قطر، قبل سنتين، وهي تدفع أمام أعيننا نصف مليار دولار من أجل تخليص عدد قليل من ابنائها من أيدي المليشيات الشيعية، مع العلم انّ القطريين كانوا في رحلة صيد بموافقة رسمية من بغداد وبرفقة ضابطين من المخابرات التي كان يرأسها الكاظمي نفسه.
لقد أسمعكم الكاظمي في الرياض طيّباً، لأنه فقط التقط الضوء الاخضر الامريكي في هذا الانفتاح، الذي التقطتم أنتم كذلك الجانب الاخر من هذا الضوء، بعد أن أيقنت واشنطن انَّ العراق دخل في الكماشة الايرانية ولابدّ من اخراجه منها، لكن هناك فرقاً بين مَن غرس جذوره في العراق وبين كلام الزعامات والغرف العلوية والبروتوكولات المناسباتية.
إنّ الولايات المتحدة نفسها لم تسلم من اليد الايرانية في العراق ، فعلى مَن تراهن السعودية، والمسار السياسي هو ذاته في الارتباط بالتأثير الايراني باستثناء فسحة من الزمن والعمل ستنتهي مع الانتخابات المقبلة في اكتوبر.
ربما لا يعجب هذا الكلام الاخوة في الرياض لاعتبارات تخص حساباتهم ، وربما لأنهم اعتادوا كلام المنافقين والمطبلين الذين يقصدون توددا لهم وجاهاً، لكن مانراه صحيحاً نقوله بثقة ويقين محتفظين بما نملك من أدلة ووثائق، ونمضي، وسوف نرى نتائجه، بعد حين، وربّما بعد أن تقع( الفاس بالراس) .
عذراً التعليقات مغلقة