ناهض الرمضاني
منذ ايام احتدم الجدال وتفاعلت النقاشات وتبودلت الاتهامات حول اعادة اعمار الجامع النوري . في نقاشات ساخنة ادلى فيها بدلوه من يعلم ومن لايعلم من ابناء الموصل وبناتها. ومعظم المناقشين مندفعين بغيرة كبيرة على المدينة ومنارتها الرمز .
وفي تقديري فإن سبب هذه الموجة من المناقشات الساخطة عائد الى عدة اسباب متداخلة لم يتضح لكثير من المناقشين ابعادها وتفاصيلها .
السبب الاول في تقديري هو التباس كبير لدى الناس …
فاذا كان المطلوب هو ترميم مبنى اثري ؟ اذا كان ذلك فحسب فان هذه العملية لابد أن يقوم بها متخصصون وفقا لمعايير علمية دقيقة تهدف الى المحافظة على الاثر بشكله القديم دون اضفاء اي لمسة تغيير عليه ما امكن ذلك .ورفض اي لمسة تجديد وحداثة . وهذا امر مشروع للغاية ومن يقول به محق .
لكن المشروع اكبر من ذلك . فهل أن المطلوب ترميم منطقة واحيائها بنمط تراثي وتشغيلها كمنطقة جذب مأهولة بالسكان والحرفيين ومناطق ترفيهية وخدمية اخرى ؟
حينها يكون لدينا خيار اخر مختلف تماما .
وما لمسناه من المشروع وشروطه هو الجمع بين هذين العنصرين معا . فالمشروع يهدف الى المحافظة على منارة الجامع بحالتها الاصلية ” المنارة فحسب ” ومن ثم تشييد المسجد ومرفقات اخرى مصاحبة بنمط يجمع بين التراث والحداثة والوظيفة . ومن يقرأ تاريخ المسجد ” المسجد ومرفقاته وليس المنارة ” سيرى انه تعرض مرارا الى تجديدات وتغييرات عبر القرون . وانه لم يكن بحالته الاصلية حين تم تفجيره . وان اعادته الى ماكان عليه عام 2017 لن يكون انجازا معماريا او تراثيا او اثريا .
السبب الثاني الذي خلق موجة الاحتجاجات هو غياب جهة واضحة لاتخاذ القرار . ففي مدينة مدمرة تم اهمالها بعد تحريرها من احتلال اباد الافا من بيوتها ومنشآتها . بعد هذا كله وبعد مؤتمرات لإعادة الاعمار ووعود كثيرة وزيارات متعددة من مسؤلين كبار . بقيت المدينة مهملة مهدمة وبقي اعمارها موكلا على عاتق ابنائها الخارجين من صدمة كبرى.
من المسؤول المباشر عن قرار تنفيذ خطة الاعمار ؟ محافظ المدينة ؟ وهو رجل عسكري غير متخصص في مجال كهذا . أم مجلس المحافظة الذي تم حله لعجزه ؟ أم خبراء جامعة الموصل وقد تضاربت ارآؤهم حول الموضوع لاسباب مختلفة . أم لعله وزير الثقافة وهو اثاري ولكن الشارع لم يلمس له حضورا واضحا في القضية .
السبب الثالث كما اظن هو عدم ثقة المواطن الموصلي . بل والعراقيين عموما بالمنظمات الدولية . جريا على عادة الاخذ بنظرية المؤآمرة . وبالطبع نحن لايمكننا أن نزكي اي منظمة دولية ابتداءا بالامم المتحدة .تلك المنظمة الكبرى التي عهدنا منها مهازل تلو المهازل واكتوينا بنيرانها مرورا ببقية المنظمات الدولية وصولا الى منظمة الفيفا التي انتشرت فضائحها في كل مكان . لم يعد هناك منظمة او جهة فوق مستوى الشبهات واصبح الفساد عرفا مقبولا لايمكن القفز من فوقه او تجاهله . لكننا امام مشروع تموله جهة خارجية . قد يكون لليونسكو اهدافها الخاصة وللدولة الراعية اهداف اخرى . لكننا الجهة المستفيدة . وعلين التعامل مع الواقع كما هو لاكما نحلم أن يكون . واذا كانت اليونسكو لاتدار من قبل السنغالي الكبير احمد مختار امبو الا ان لهذه المنظمة مواقف ايجابية مستقلة قريبة العهد بنا . واظن ان بإمكاننا الاستفادة منها ومن الدولة المانحة ليس لبناء منارة الجامع النوري فحسب . بل لاحياء منطقة مطحونة مهجورة تركتها الدولة اربعة سنين بعد تحريرها دون لمسة عناية خاصة . ودون تعويضات كافية . وووو
في تقديري ” وهذا رأيي الشخصي كمواطن موصلي غير مختص”.. في تقديري الخاص فأنا اظن ان علينا ان نستغل الايدي الممدودة لنا لتعيد اعمار المنارة وتعيدها الى حالتها الاصلية وترممها كأثر معماري ثمين هو رمز مدينة الموصل . اما المسجد وملحقاته فسيكون من الافضل استدعاء المصمم الفائز واطلاعه على المنطقة بأكملها ونمطها المعماري . واتمنى ان يلتقي بالمتخصصين في العمارة الموصلية والاسلامية ويحاورهم . فربما اضاف لمسات اخرى الى مشروعه الفائز . فيصبح اكثر اقترابا من روح المنطقة وتراثها .
لا أدري أين قرأت أن صلاح الدين حينما أراد إنشاء قلعته الشهيرة في القاهرة استعان ببنائين من الموصل كانوا يرافقونه في حملاته العسكرية او ارسل لاستجلابهم . سيكون من الجميل ان يقوم معماري مصري برد الدين والمساهمة في اعادة اعمار اثر عربي يعود تاريخه الى ما قبل عصر صلاح الدين .
ناهض الرمضاني
20 / 4/ 2021
عذراً التعليقات مغلقة