عبدالواسع الفاتكي
ترى المليشيات الحوثية في سقوط مأرب سقوط آخر قلاع الجمهورية اليمنية ، وآخر تحصينات السلطة الشرعية ، لمأرب ثقل اقتصادي معروف ، وهو وإن كان هدفا من أهداف المليشيات الحوثية ، الذي يفتح شهيتها ؛ لاستمرار محاولاتها السيطرة عليها ، لكن أهميتها الجبوسياسية في الداخل والخارج ، هي أهم ما يقف وراء تصميم المليشيات الحوثية الاستيلاء عليها ، رغم خسائرها الفادحة .
قبل عدة أيام ، نقلت وسائل إعلامية تصريحات للحاكم العسكري الإيراني في صنعاء – حسن إيرلو – مفادها أن السيطرة على مأرب ، يمنع تحقيق أهداف من سماهم أعداء اليمن والأمة الإسلامية ، ما يشير لأن طهران ترى في مأرب معيقا كبيرا لمشروعها الطائفي في اليمن ، وحائط صد أمام أدواتها ، تحول دون استكمال إنشاء دولة خمينية ملالية في جنوب شبه الجزيرة العربية .
مواصلة المليشيات الحوثية هجومها على مأرب مرتكبة جرائم ضد الإنسانية ، كقصف المناطق الآهلة بالسكان ، ومخيمات النازخين ، تعده ورقة ضغط قوية على المجتمع الدولي ، تبغي من ورائها حصد مكاسب سياسية ، في طاولة أي مفاوضات قادمة ؛ فلقددأبت هذه المليشيات على تأزيم الوضع الإنساني ؛ لتوجد للمجتمع الدولي منفذا للضغط على الشرعية اليمنية ؛ لتقديم تنازلات ؛ للوصول لتفاهمات تنهي الحرب ، بمبرر الأوضاع الإنسانية المزرية التي تسببت المليشيات الحوثية في الوصول إليها ، ومازالت لا تلقي لها بالا ! بل ترى فيها ، وفي كل الكوراث التي سببتها لليمن طوق نجاة لها ، وعاملا مهما يمنحها الاعتراف والحضور لدى المجتمع الدولي ، باعتبارها طرف أساسي من أطراف الحرب ، التي لا يمكن لأي حلول لها أن تنجح إلا بها ومعها .
ينتظر المجتمع الدولي لحظة سقوط مأرب ، عندها وعلى الفور سيصدر بيان تنديد وشجب ، ويدعو المليشيات الحوثية والسلطة الشرعية للدخول في مفاوضات لحل سياسي للحرب ، ستقبل المليشيات الحوثية الجلوس على طاولة المفاوضات من موقع المنتصر ، وسيرحب المجتمع الدولي ، وسيشيد بهذه الخطوة ، ستوضع الشرعية اليمنية في مأزق ، فآخر أوراق القوة لديها قد فقدته ، ليس أمامها إلا القبول والخروج بماء الوجه ، والخضوع لحل يفرضه المجتمع الدولي ، تنل منه رمزية الاعتراف بأنها طرف من أطراف الحل ، وتنتظر ما يمنح لها من أي طبخة قادمة ، وهي صاغرة .
في الجانب الآخر سيعلن المجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية ، عن خطوات تصعيدية ، وسيطالب بحضوره في أي حلول قادمة ، بالمجمل سنجد أنفسنا أمام اتفاق جديد ، يعيد تقسيم خارطة السلطة والنفوذ في اليمن ، وفقا للوزن الداخلي للأطراف الداخلة في الاتفاق ، وبما لا يتعارض مع مصالح داعميها ، ستصور الآلة الإعلامية الضخمة هذا الاتفاق ، بأنه منجز عظيم ، وأهم حدث في تاريخ اليمن المعاصر ، وسيشاد بحكمة اليمنيين ! كما أشادوا بهم من قبل ! وسيعلن عن خطة دعم اقتصادي للسلطة القادمة ، وسيعلن التحالف العربي إنهاء تدخله في اليمن ، ستصمت أفواه البنادق فترة ، ستستمر الاختلالات الأمنية هنا وهناك ، ستكن مبررا للأطرف الموقعة على الاتفاق للتمرد عليه ، وتحميل الآخر المسؤولية ، ستبدأ الأمور تنحى منحى خطيرا ، نحو عودة الحرب من جديد ، وسنجد أنا أمام مشهد عنف قادم بمرجعية مناطقية وطائفية ، ستدعو دول الإقليم والمجتمع الدولي الأطراف لضبط النفس ، لكن لا حياة لمن تنادي ، سيدفع المدنيون ثمنا باهظا ، ستزادد الفوضى والدمار والخراب ، وسيكن الكل ضد الكل ، لن يحل السلام في بلدي ما لم توضع النقاط على الحروف ، لا في فواصل الكلمات والجمل ، مالم تسمي المسميات بأسمائها ، مالم تضع الحرب أوزارها ، بإنهاء جذورها وأسبابها ، ما لم ينتصر للدولة ومؤسساتها وقيمها ، ويسقط كل انقلاب ضدها ، ونتجه لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الجامعة ، الملبية لتطلعات اليمنيين ، في بناء دولة اتحادية مدنية ، يعيش اليمنيون في كنفها بكرامة وعدل ومساواة .
عذراً التعليقات مغلقة