مروان ياسين الدليمي
صديقي الرسام العراقي المغترب في مدينة لايبزك الالمانية” حسن حداد ” لم تجعله انشغالاته الكثيرة لتاكيد حضوره الفني في المغترب الاوربي ، منقطعا عن صلات عميقة ، كانت قد جمعته بحيوات وامكنة في موطنه الاول ، ورغم انه من مواليد قضاء ” بلد” شمال بغداد، وقضى شطرا كبيرا من حياته في العاصمة العراقية اثناء وبعد دراسته للرسم الصناعي في كلية الفنون الجميلة ، الا ان علاقته مع مدينة الموصل اتسمت بقدر من الخصوصية ، حيث دونت سطورها المؤثرة في ذاكرته ،صداقات قوية ارتبط بها مع عدد من الفنانين الشباب القادمين من مدينة الحدباء(ام الربيعين) وكان ذاك ايام دراسته في كلية الفنون الجميلة بمنتصف ثمانينات القرن الماضي ، في مقدمتهم الفنان الراحل ريسان رشيد ، الذي كان الاقرب إليه ، نظرا لما كان يتمتع به من حضور شخصي آسر ، على المستوى الانساني ، فقد كان يتسم بحس فطري عال في اكتشاف المفارقات الكوميدية ، في مشاهد وشخصيات عابرة ، غالبا لاينتبه اليها اغلبنا، كما يملك من المؤهلات التأليفية والتشخيصية ماتمكنه من اعادة صياغتها وسردها شفاهيا بطريقته الخاصة، فيضفي عليها لمسته المعبأة بروح السخرية ، من بعد ان يمنحها ملامح مغرقة بظرافة الروح، التي عادة ما تمتاز بها الشخصيات في المناطق الشعبية.
ماجرى لمدينة الموصل من فصول تراجيدية،خلال الاعوام التي سقطت فيها تحت سلطة تنظيم الخلافة ( داعش) تمكنت من ان تنتزع منها تاج الجمال، الذي تربع على راسها دونا عن بقية مدن العراق طيلة تاريخها الموغل في القدم ، وخلفت في روح حسن حداد جرحا مؤلما ، من بعد ان ايقظت في ذاكرته اياما جميلة قضاها في ربوعها ، بصحبة زملائه واصدقائه ( بولص آدم وريسان رشيد وعبدالرزاق ابراهيم ) لم تستطع سنوات الغربة ان تطمس ملامحها ،
وحتى تلك التفاصيل التي شهدتها ساحات التدريب العسكري اثناء اداء الخدمة العسكرية الالزامية في معسكر الغزلاني، استحالت في حواره معي عبر الواتس اب قبل يومين ، الى شحنة مشبعة بالنوستالجيا، فذهبت به استذكاراته ، صوب ضفاف قصية ، امست بعيدة المنال ، تراصفت فيها موجات شفيفة من الضحك والشوق ، لمشاهد تجلت فيها روح السخرية ، ونزعة ميالة الى التمرد والعبث ، في زمن موحش ، كانت تعصف فيه الوشاية والاشاعات والحروب، وكانت تشحن من ساحات التدريب قوافل الشباب الى خنادق القتال والموت .
ما كان ممكنا ان يستدير صديقنا حسن حداد بوجهه عن الموصل ، من بعد ان استحال الجمال فيها الى خراب ،فإذا به يجد نفسه يعمل منذ وقت مبكر ، وبشكل متزامن مع دورة ماكان يجري في دروبها من احداث قتالية عنيفة ، على انتاج مجموعة من اللوحات ،استوحى افكارها من نكبتها ، في اطار مشروع فني ، يسعى لانجازه في قابل الايام، يأمل ان يتوج بمعرض خاص ، يلامس فيه وجعا دفينا يرقد تحت انقاض بيوتات الموصل القديمة ، رغم انه لم يعش فيها ، لكنه ، مر بها ، وتأمل جدرانها ، واستظل بها ، وتلمس بانامله حيطانها الجصية ، وهذا يشير الى ان السنين التي تراكمت في مسارات غربته ، لم تتمكن من ان تمحو ماكانت تلقطته اذناه من اصوات شجية بلكنتها الموصلية المميزة، عندما كان يقطع الازقة القديمة مع اصدقائه ، ايام كان الوطن كوكبا متخيلا ، من اوهام المحبة والوحدة والانسجام ، قبل ان تنهار كلها ، دفعة واحدة ، لنستيقظ على انفسنا ،ونحن نقف امام تل من الانقاض .
عذراً التعليقات مغلقة