محمد حسن الساعدي
أثار اللقاء الحواري الذي أجرته ونظمته جامعة هارفرد/ مركز الدراسات الدولية، والذي اجري عبر موقع “zoom” وتابعه كثيرون جدلا واسعا, فالمستضاف هو شخصية لها ثقلها ووزنها السياسي ولعائلته تاريخ مرجعي وديني كبير ومهم.. حيث تناول اللقاء وبشكل مفصل مواضيع متعددة أهمها ( الحوار) سواءً في الداخل الشيعي أو بين السنة والشيعة, او بين جميع مكونات المجتمع العراقي..
تحدث رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم, عن موضوعة الحوار كثيرا, وجعلها اساساً في أي تهدئة او عقد جديد، كما انه استند في هذا الحوار على أسس أهمها التاريخ الحضاري لأتباع اهل البيت(عليهم السلام), وتمسكهم بالحوار والميل للتهدئة من منطلقات قوة، وكيف ان الشيعة كانوا وما زالوا هم محور, أي نقاش أو حوار للتهدئة في البلاد، لأنهم مؤتمنون على تراث أئمتهم, ومأمورون بعكس صورة بيضاوية في طريقة تعاملهم مع الناس, وبّين كيف أن علي أبن أبي طالب عندما بسطت له اليد, إستطاع بناء دولة قوية ومتماسكة, وان تكون عادلة بقدر عدالته هو..
الحكيم اكد في حديثه ضرورة ان يكون هناك انفتاح شيعي على العالم الإسلامي “وهذه ثقافة لم يكن يصرح بها علنا سابقا” وذلك من خلال التبادل الثقافي بعيداً عن لغة الماضي وفتح باب الخلافات، ودعى لأن تكون المشتركات نقطة اللقاء بين جميع المذاهب والقوميات.. وركز في حديثه على أهمية الحوار (الشيعي-الشيعي) والذي ينبغي ان يكون مبنياً على أسس الاحترام والتفاهم والتقدير, والاهم من ذلك أن يكون هذا الحوار ضمن إطار السعي لمصلحة الوطن, لا على اساس مصلحة هذا المذهب او ذاك او هذه القومية او تلك .
الحوار كان مطولا وتناول عدة قضايا, وشمل مجمع الأوضاع والمشاكل في البلاد, لكنه ركز وبشكل يبدوا بوضوح انه كان مقصودا, على قضية الحوار وإيقاف لغة الصراع والنزاع, والدعوة الى تصفير الأزمات, وإزالة التراكمات التاريخية والمذهبية في عالمنا الإسلامي عموما، والعمل لعكس الصورة الناصعة للاسلام المحمدي، وضرورة إيجاد محددات الوحدة الإسلامية, مستفيدين من أرثه الحضاري الذي نقله التاريخ بأمانة، وهذا إن جرى السعي له بصدق, فانه سيجعل من الأمة الإسلامية عموما والشيعة بشكل أدق, وخصوصاً العقلاء منهما, محور العمل المشترك وبناء جسور بين مكوناته جميعاً.
نجح الحكيم في مقابلته تلك, في إبراز خصوصيته كزعيم شعيي يعتز بهويته الفكرية والمذهبية, دون بخس حق الاخرين او التعدي عليهم, فبين أن سر وقوة الشيعة في البلاد تكمن في وجود المرجعية الدينية, والحفاظ على الشعائر الحسينية, والتماسك الداخلي,التعايش الوطني..وهي مقومات تتيح لنا أن نعمل في ظلها ونضع أسس جديدة للحوار في البلاد.
رغم أن ما ذكره الحكيم في حديثه هو نظرة استشرافية متفائلة لمستقبل بلاده، وهذا بحد ذاتها جيد ومهم، ولكننا ومن الواقع المأساوي الذي نعيشه, قد نظن ان الرجل متفائل كثيرا.. فمثلا سبق ان قدمت المرجعية العليا, النصيحة تلو النصيحة وقرعت ولامت ولكن لا طاعة لمن لايطاع.. فالكتل السياسية كلا يغني على ليلاه ويغرد لها وعنها، وكلام المرجعية لا سامع له سوى محبيها واتباعها دون السياسيين، فكل يبحث عن مغنمه ووجوده وتاثيره السياسي..
رغم إعتقادنا جميعا ان الكل معرض للسقوط, لكن المرجعية الدينية ستبقى مرفوعة الراس, كونها تمثل مقام الامام المعصوم في زمن الغيبة، إضافة الى كونها الأحرص على مستقبل البلاد وشعبه.. وإما الشعائر ورغم محاولات كثير من الاحزاب والتيارات إستغلالها وتجييرها لمصالح سياسية, لكنها أيضا ستبقى واحدة من الفرص القليلة التي يتلف حولها الشيعة وتوحدهم بطريقة غيبية .. فيما التماسك الداخلي فهو أقرب للحلم حاليا, مع وجود السلاح المنفلت والجماعات التي اسقطت هيبة الدولة، وتحاول بناء “كانتونات” وبعظها صارت تديره عصابات إجرامية مأجورة بلباس سياسي, في رقابهم كثير من دماء الأبرياء..
التماسك الداخلي للمجتمع لن يبنى, ما لم يكن هناك خطاب موحد من الجميع يحمل هم الوطن، ويكون شاملاً غير منقسم طائفياً او قومياً، ويتمسك به قادة البلاد, لان تماسكهم ينعكس على الشارع العراقي.. وضرورة الابتعاد عن لغة التخوين والتسقيط, وهذا ما لمسناه من فقدان الثقة بينهم والذي انعكس بالمجمل على الشارع العراقي .
عذراً التعليقات مغلقة