محمدعياش
– كاتب ومحلل سياسي
تبقى النظرة الأمريكية الدوغمائية لمنطقة الشرق الأوسط ، ثابتة بالرغم من النداءات من داخل الكونغرس والبنتاغون لنهج سلوك مغاير للرئيس السابق دونالد ترامب ، بالتعاطي مع القضايا العالقة والمعقدة وخصوصاً قضية الشرق الأوسط ، القضية الفلسطينية والتي تسميها الإدارة الأمريكية ، بالعقبة الكأداء ، والتي من خلالها تتوضح السياسات والمرتسمات السياسية مع بقية العالم ما بين مؤيد لحل القضية حسب القانون الدولي ومرجعها الاتفاقيات التي أبرمت مع السلطة الفلسطينية ، وما بين معارض ومساند لإسرائيل بكل خطوة تتخذها في الأراضي الفلسطينية من الشمال وحتى الجنوب .
إن تصريحات هيلاري كلينتون قبل أن يحرق محمد بو عزيزة نفسه في تونس والتي اعتبرت شرارة ما يسمى الربيع العربي ، لم تكن هي الحقيقة وراء هذه الفوضى التي عمت معظم الدول العربية ، حيث قالت ، إن هناك عواصف ستضرب الشرق الأوسط ، وهذا لن يكون بمصلحتنا وحسب ، بل ضمن إستراتيجيتنا . وأكد على ذلك يومذاك الإرهابي أيهود باراك رئيس الوزراء للعدو الصهيوني وقتذاك بقوله ، على إسرائيل أن تستثمر العواصف القادمة للشرق الأوسط . وهاذان التصريحان كانا قبل الأزمة للتذكير فقط .
التراخي الذي بان عليه الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية جوزيف بايدن ، أكد ثبات النظرة الأحادية ، أي النظر بعين الكيان الصهيوني ومتطلباته والمكاسب الذي سيخرج منها عقب الانتهاء من الحرب ، تاركا ً المجال لإسرائيل أن تقضي على المقاومة في قطاع غزة ، وأوعز لمجلس الأمن عبر مندوبه بعدم الموافقة على انعقاد جلسة بهذا الخصوص ريثما يعطي إسرائيل الوقت الكافي لإنجاز المهمة .
حاولت الدعاية الأمريكية أن تبث إشاعات حول استدارة واشنطن لقضايا بعيدة عن الشرق الأوسط ، وذلك لمواجهة الخطر النووي الإيراني القادم ، والصعود الصيني الاقتصادي الخطير ، ومن آليات الدعاية ، القرارات بخصوص الانسحاب الأمريكي من العراق وسوريا ، والمحاولات الفاشلة لمحاصرة روسيا وتواجدها في المنطقة ، إلا أن مجريات الأحداث دلت على أن واشنطن لا يمكنها ترك المنطقة ، وذلك يعد مخالفاً للاستراتيجية الجيو – سياسية .
بايدن قبل أن يستلم زمام الأمور في البيت الأبيض له تصريح يدل على التمسك العضوي بهذه المنطقة بقوله ، الشرق الأوسط منطقة إستراتيجية حيوية لأمريكا ، لأن حليفتنا إسرائيل ونفطنا يقعان فيها . إذا ً مجمل السياسات والتحركات ، وحتى الأحداث الدموية ومقتل الآلاف من هذه المنطقة سواء ً في الموصل والقصف المكشوف للقوات السورية والإيرانية على الحدود السورية العراقية ، كلها حجج وأباطيل تستخدمها الإدارة الأمريكية لتغطي رغبتها بالثروات الهائلة بالمنطقة ، وحتى ما يسمى تنظيم الدولة في العراق والشام ( داعش ) أثبتت القرائن والأدلة بأنها أداة طيعة يمكن الاستثمار فيها لأبعد حد .
وفقا لرأي الكاتب الأمريكي دوغلاس ماكينون في مقال نشره موقع ‘‘ ذا هيل ’’ القريب من الكونغرس فإن الخطاب المتصاعد اليوم فيما يتعلق بسوريا لديه القدرة على تحويل النزاعات عالية الخطورة إلى قنابل موقوتة من شأنها تفجير مواجهات يمكن أن تنتشر في جميع العالم ، حيث تمثل القيادة السورية وثباتها على المبادئ ، البارومتر الحقيقي حول الضعف الذي يتأتى تباعاً لجهة التمكين الحقيقي لواشنطن وباعتبارها تسير بسياسة الانسجام والهارمونيا مع روسيا زاد من الطين بلّة ، الوضع الذي أزعج واشنطن ، وعلى إثره أصدرت ما يسمى قانون قيصر لرفعه بوجه الدولة السورية ومنع حلفائها من الاستفادة والالتفاف على قوانينها .
بالنسبة لتركيا أردوغان وسياساته المتذبذبة ، استشعر بقوة المحور الروسي – الصيني وقدرته على وضع حد للهيمنة الأمريكية بالمنطقة ، الأمر الذي جعله يغير من سياساته الصادمة التي تبعث على استمرار أزماته ، وهو ماض في تصحيح ما ارتكبه من أخطاء ، والغزل التركي المصري ، والتركي السعودي أصبح في نهاياته ، بعد أن أقدم على إجراءات تمكنه من التقدم بخطوة ثابتة تجاه المصالحة الشاملة مع بعض الدول العربية .
جمهورية مصر الشقيقة لديها أزمة وجود حسب تعبير كتابها ومحرريها ، ومسؤوليها ، إذ يعتبر نهر النيل الشريان الحيوي الذي تقوم عليه مصر ، وإصرار أثيوبيا على إنجاز سد النهضة ، يعد محفزاً لمصر والسودان للقيام بعمل عسكري من شأنه الحفاظ على حقوقهما من المياه ، والمناورات العسكرية المصرية – السودانية تدل على هذه الحقيقة .
يؤكد الكاتب ماكينون ، إن الصراعات والحروب في الشرق الأوسط عبارة عن حفر بلا نهاية من الرمال المتحركة التي امتصت الحياة ، ويقول هناك شر في العالم ، ولكن يجب مواجهة الأشخاص الذين يرعون هذا الشر بأي ثمن ، ولكن يجب أن نكون على حذر . يعاب على ماكينون أن يضع الأمور وفق مسمياتها ، فالشر هو أمريكا ونظرتها الاستعلائية للعالم ، ألم تقل مادلين أولبرايت وزيرة خارجية بيل كلينتون ، أن الأمريكيين يستحقون أن يقودوا العالم لأنهم يستطيعون أن يروا أبعد مما يرى الناس الآخرون ؟!
أما عن الأشخاص ، أعتقد هم جوزيف بايدن الرئيس الحالي للولايات المتحدة ، وبنيامين نتنياهو المأزوم داخلياً وخارجياً بسبب فساده وإصراره على قضم الأراضي الفلسطينية وتهويدها ، والرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا جونسون المهووس بالطعام والهوغ دوغ ، هم شر البلية والعالم ، والجولة الأخيرة في غزة أربكت هؤلاء وزادتهم خوفاً وهلعاً على مستقبل مشروعهم الصهيوني في الشرق الأوسط .
عذراً التعليقات مغلقة