ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
وعربات الخيل ، أو ما تسمى ب(الربل) أو العربانة والعرباين ومن يقودها (العربنجي) أي صاحب العربانة لها ذكريات وتاريخ في الموصل وفي العراق .كانت هي وسيلة النقل الرئيسية قبل دخول السيارات .كانت عربات الخيل تتهادى في شوارع الموصل في الثلاثينات والاربعينات والخمسينات وحتى اواخر الستينات من القرن الماضي .وحتى عندما دخلت السيارات الموصل مطلع القرن العشرين ، ظلت عربات الخيل تقوم بواجبها في نقل المواطنين جنبا الى جنب مع السيارة . ولازلت أتذكر كيف كانت عربات الخيل ، تصطف أمام محطة قطار الموصل صباحا عندما يصل قطار الموصل – بغداد الصاعد أو في المساء عندما يغادر قطار الموصل – بغداد النازل .
دخلت في نقاش مع عدد من الاخوة حول عربات الخيل في الموصل منهما الاخ الاستاذ ماجد حامد محمد الحسيني والاستاذ عدنان عبد الرزاق الرحماني واستذكرنا العربنجية في الموصل أيام زمان . واستطيع القول ان عربة الخيل هذه أو العربانة كانت وسيلة النقل داخل المدينة، وقد ذكر لي الاستاذ عدنان عبد الرزاق الرحماني وكان والده سيد عبد الرزاق سيد عبد الله الرحماني من العربنجية القدماء في الموصل قد اخبره انه اوصل عربته الى شارع الشيخ معروف في جانب الكرخ ببغداد في الثلاثينات من القرن الماضي وباعها هناك .كما تحدث عن عربات كانت تتنقل بين الموصل وحلب .
والعربانة أو العربة تكون عادة مصنوعة من الخشب وتكون بهيئة صندوق خشبي له غطاء من الجلد ويكون متحركا ليقي من يركب فيها من حرارة الشمس أو من المطر ويتحكم به سائق العربة والغطاء عادة فيه رسوم ونقوش جميلة وللعربانة اربعة عجلات خشبية مؤطرة بالربل المصنوع من المطاط وهو تاير العربة وعادة ما يجر العربانة حصانان او حصان واحد وكان هناك من يصنع العربات في الموصل في كراج في باب لكش . وهناك من يقول ان الموصليين عرفوا العربانة سنة 1918 وكان احد التجار في بغداد قد استورد عدد من العربات من الهند واخذ العراقيون يصنعون العربات وكان سعر العربة لايتجاوز ال (40) دينارا وهي الكلفة طبعا بدون ثمن الحصان او الحصانين وثمن الحصان كان يصل الى (50) دينارا. ..
وسعر ركوب العربة حسب طول المنطقة التي تتنقل عبرها العربة واتذكر ان ثمن ركوب العربانة من منطقة الساعة الى محلة السجن في الجانب الايمن من الموصل كان (درهم ) أي (50) فلسا .
كان لسواق عربات الخيل صنف خاص بهم وكان شيخ الصنف اسمه سعيد عبد الواحد ( رحمه الله) وهو من سكان محلة الباب الجديد وداره كانت مقابل الاعدادية الغربية اليوم .ومن الطريف ان عربته كانت تحمل الرقم (1) في المرور .
فيما يتعلق بإيواء العربات ، كانت هناك خانات خاصة لإيواء العربات والخيل تسمى (طاولة ) او ( طوله ) والناس يسمونها (طوله مال خيل ) واكثر هذه الاماكن تقع بين الباب الجديد ورأس الجادة عبر باب البيض .
ومن الخانات هذه المشهورة خان ياسين اغا ومؤجره محمود العبو .وكان لمحمود العبو عدة عربات وعدد من الخيول . وفي هذه الخانات كانت الخيل تُطعم الجت او البرسيم الذي كان يثرم ويقدم لخيول العربات .
ومن مراكز تجمع عربات الخيل باب الطوب وباب جديد ومحطة القطار وباب الجسر عند خان الكمرك اقصد عند الجسر العتيق جسر نينوى الحالي وقرب دائرة البلدية التي هدمت فيما بعد .
كان هناك اهتمام كبير بخيول العربات فعندما تمرض كان العربانجي يأخذها الى ما يسمى بالبيطر خانة وكان مقرها في باب سنجار وتضم عددا من الدكاترة البيطريون .
ومن طريف ما يروى انه اذا احتبس بول الحصان عندما يصاب ب(القولنج) ، كان العربنجي يربط حصى مثقوبة من الوسط على ظهر الحصان فتتدلى الى اسفل بطنه ويذهب به الى مقام الشيخ ابو الحواوين وقد سبق لي ان تحدثت عن هذا المقام في حلقة سابقة من برنامجي هذا برنامج ( موصليات ) ويقع مقام الشيخ ابو الحواوين او ابو الحويوين في محلة المشاهدة ويدورون بالحصان حول المقام عدة مرات ثم يعودون به الى مكان إيواءه .
ايضا مما يتعلق بالاهتمام بالحصان ، فإن هناك رجل متخصص يسمى النعلبند يقوم بوضع حدوة الحصان الحديدة في اسفل حافر الحصان .
وكانت لديه ايضا ماكنة حلاقة لحلق رقبة الحصان وبالقرب من النعلبند كان هناك من يبيع الجت او البرسيم واشتهر من باعة الجت رجل اسمه ( جاسم بن هبالة ) ودكانه كانت في باب جديد قرب سوق التبن .
وفي موسم الربيع كانوا يذهبون بالخيول الى ما يسمى ( القصيل ) ، وهو سنابل الشعير قبل حصاده حتى تأكله الخيول وهو اخضر طري .
وهناك مسألة اخرى تتعلق بعربات الخيل وهي الادوات التي كانت تستعمل لربط الحصان بالعربة وهي ( العريش ) و( الكدانية ) و(القاطرمه ) .
فأما (العريش) ، فهو عمود طوله ما بين 2-3 متر يوضع في منتصف العربة من الامام وفي مقدمته من الامام (حلقات ) مهمتها ربط مقدمة الحصان بها .
وهناك ( الكدانية) وتوضع في حلق الحصان وعلى صدره وتربط من الامام بالعريش ومن الجهتين اليمين واليسار بجرار وتربط نهاية الجرار في مقدمة العربة .
وهناك (القاطرمه) التي توضع في رأس الحصان وفيها لجام من حديد يوضع في فم الحصان ويربط به (الدزكين ) والجهة الثانية من النهاية تكون بيد سائق العربة لغرض السيطرة على الحصان ، وهناك في (القاطرمه ) مايسمى (غماضات ) ، ووظيفة هذه (الغماضات ) حجب رؤية الحصان من الجوانب وجعله يتجه ببصره الى الأمام فقط .
يرتبط بتاريخ عربات الخيل في الموصل ، اشخاص معروفون منهم ( شيخ صنف العربنجية المرحوم سعيد عبد الواحد ) ، وكان يسكن في باب جديد مقابل الاعدادية الغربية ولديه اخوة عملوا معه منهم نعيم عبد الواحد وعبد الاله عبد الواحد وكنعان عبد الواحد وكان يسكن مقابل جامع الجويجاتي في باب العراق .
وهناك الملا احمد داؤود جاسم الطائي 1933-2009 والذي ترون صورته الى جانب هذا الكلام .. فضلا عن شهاب المطره الحمداني ، وصباح ببح ، وقسطو العربنجي .
وهناك كما سبق ان قلت (سيد محمود العبو) وكان يسكن منطقة الطوافة ، وهناك (عبد الرحمن صفو الدبان) وبيته مقابل جامع الجويجاتي في باب العراق .
ويذكر الاستاذ غانم محمد الحيو في كتابه ( محلة الشيخ محمد الاباريقي) وقد صدر سنة 2018ان ممن عمل في عربات الخيول من اهل محلة الشيخ محمد سيد شكر محمود المالو (مال الله) وهو من اوائل من استورد العربات من حلب .كما كان سيد سعيد العبد الواحد يمتلك عدة عربات كذلك كان محمد السليم وله عربة حديثة وسيد عباس العبدال وكان يربط خيوله في (الكطعة ) التابعة لحمام باب الجديد وهي حمام العمرية وهناك ايضا محسن عزيز الفيصل ومحمد عبد الله العتيور .والصورة التي ترونها الى جانب هذه السطور هي لسيد غازي العربنجي من محلة الشيخ محمد في الموصل التقطها شيخ الفوتوغرافيين الموصليين الاستاذ تور الدين حسين .
من الاشياء الطريفة التي نعرفها عن عربات الخيل انه كان لايسمح بسياقتها الا لمن كان يحمل اجازة من شرطة المرور وقد سبق ان نشرت واحدة من الاجازات التي تحمل صورة سائق العربة وهو ُملزم بأن يلبس خوذة في رأسه عند العمل .
كان لسواق العربات مقاهٍ خاصة بهم منها في باب الجديد ومنها في دكة بركة مقابل حمام بورسعيد .
كان الموصليون في الاربعينات من القرن الماضي يزفون العروس بالعربانة ، وكانت العبانة تزين بالكراكيش والاعلام وكان يسير امام العربانة من يدق بالطبل والزرنة ويكرر صاحب العربانة دق الجرس الموضوع تحت قدمه وكان الى جانب سائق العربانة فانوسان الاول من اليمين والثاني من اليسر للاضاءة .
وللعربانة خطوط تسير عليها كما هو الحال مع سيارات مصلحة نقل الركاب التي دخلت الموصل سنة 1957 وكانت الفترة من سنة 1945 -1965 هي العصر الذهبي لأصحاب عربات الخيل .. وان كنا ننسى فلاننسى (قمجة ) العربنجي وهي تلهب ظهور الاطفال المتسلقين بالعربة في محاولة منهم للعب ومشاكسة العربنجي . ومن الطريف ان الروائي الموصلي الكبير الاستاذ غانم العكيدي وثق لعربات الخيل من خلال روايته الجميلة (وافرة والحصان ) .
عذراً التعليقات مغلقة