أزمة الولاء لسُنّة السلطة في العراق

آخر تحديث : الخميس 24 يونيو 2021 - 1:56 مساءً
أزمة الولاء لسُنّة السلطة في العراق
Majed Al Samurai 0 - قريش
ماجد السامرائي

د ماجد السامرائي

الحديث حول مشاركة العرب السنّة في العملية السياسية العراقية له فصول كثيرة جميعها مؤلمة ومخجلة لا علاقة لها بمبادئ السياسة بل هي أقرب إلى صفقات التجارة الرخيصة، حيث اكتسب هؤلاء بعضا من دروب وفنون أغلب الزعامات الشيعية في عدم الاكتراث بهموم العراقيين الذين لا انتماء ولا حب لهم للعراق بل إن ولاءهم يبقى للحاكم الأوحد ولي الفقيه.

مشاركة السنّة في السلطة السياسية بالعراق جاءت بقرار استراتيجي من قوى اليمين الأميركي التي كانت مهيمنة على البيت الأبيض بعد واقعة الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهي مشاركة شكلية لاستكمال المثلث الطائفي المشؤوم لتمرير عملية الاجتياح العسكري والاحتلال. ستظل هذه الخطوة الاستراتيجية غير المبررة أحد أهم الأخطاء التاريخية الأميركية في التخلي عن المبادئ الديمقراطية للرواد الأميركان الأوائل وفي عدم الاستجابة لمتطلبات العصر الحديث في السلطة المدنية بعد أن أصبحت سلطة الكهنوت من تاريخ الإنسانية المؤلم.

العقدة الصعبة التي واجهت منفذي مشروع صناعة نظام ما بعد الاحتلال في بغداد كانت في الضلع الواهن من هذا المثلث “السنة” ذلك لأن المسؤولين الأميركيين فتشوا في ملفات المعارضة العراقية بعد استلامهم لها بعد عام 1990 فلم يجدوا فيها من غير حزب الدعوة والمنظمات الشيعية الصغيرة الأخرى سُنيّا طائفيا لأن أولئك المعارضين السُنة كانوا مندمجين في مشاريع لا طائفية، كان بعضهم ناصريين وبعثيين متمردين ويساريين ما عدا الحزب الإسلامي فرع الإخوان المسلمين في العراق.

لا يوجد تفسير منطقي وسياسي لمشروع الاحتلال يضطر من خلاله منفذوه إلى التفتيش عن أرقام “شيعية” مغمورة في ملاذات عواصم اللجوء غالبيتهم من الأميين الجهلة المفتقدين لأدنى مؤهلات الحكم السياسية أو الخبرات المهنية ما عدا ترديدهم محفوظة “المظلومية الشيعية” التي انتهى مفعولها يوم سقوط الدولة العراقية في التاسع من أبريل 2003 بعد مشهد برقعة الجندي الأميركي لتمثال صدام بالعلم الأميركي في ساحة الفردوس ببغداد.

مفيد التذكير بعزم الأميركان بعد عام من احتلال صدام للكويت 1990 على تسليم السلطة لشيعة إيران، فأشركوا السعودية في هذا المسعى بعد أن انتزعوا منها قيادتها لمشروع دعم المعارضة العراقية وأجبروها على التنسيق مع طهران. كشف رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل لصحيفة “القبس” الكويتية في برنامج “الصندوق الأسود” قبل أسابيع عن “تنسيق مخابراتي بين أجهزة كل من السعودية وإيران وسوريا لدعم المعارضة العراقية وكانت تجتمع أجهزة الدول الثلاث في دمشق أثناء احتلال العراق للكويت عام 1990 وبعده بهدف الإطاحة بالنظام العراقي ورئيسه صدام حسين”.

لم يتعب صنّاع النظام الجديد الأميركان والإيرانيون في البحث عن زعامات الضلع الثاني “الأكراد” من المثلث الطائفي لأن الزعامات الكردية هي المعارضة الوحيدة الممتلكة للمقومات التاريخية القومية والسياسية في تمثيل إرادة شعبها ضد أنظمة الحكم قبل عام 2003، بل كان لها الفضل في توفير الحاضنة السياسية والأمنية للمعارضين الشيعة الذين انقلبوا عليهم بعد أن أصبحت طهران خامنئي هي الحامي والراعي الأول.

العقدة الصعبة التي واجهت منفذي مشروع صناعة نظام ما بعد الاحتلال في بغداد كانت في الضلع الواهن من هذا المثلث “السنة” ذلك لأن المسؤولين الأميركيين فتشوا في ملفات المعارضة العراقية بعد استلامهم لها بعد عام 1990 فلم يجدوا فيها من غير حزب الدعوة والمنظمات الشيعية الصغيرة الأخرى سنيّا طائفيا لأن أولئك المعارضين السنة كانوا مندمجين في مشاريع لا طائفية، كان بعضهم ناصريين وبعثيين متمردين ويساريين ما عدا الحزب الإسلامي فرع الإخوان المسلمين في العراق.

خلال الاجتياح العسكري للعراق عثر الأميركان عبر طرقهم الاستخبارية على أفراد من ضعاف النفوس ممن خدموا داخل حزب البعث أو اشتغلوا في خدمة عائلة صدام أو بعض الهاربين من النظام السابق لأسباب النزاهة المالية أو في الاعتماد على بعض وجوه الحزب الإسلامي التي ظهرت كرموز للنضال المبالغ به ضد النظام السابق.

كان ذلك هو الخيار الأميركي المرضي عنه إيرانيا رغم تفاهته لتأمين شخوص سنيّة ضعيفة ومغمورة لاستكمال الصفقة الطائفية الرخيصة بقيادة الأحزاب الشيعية. لبست تلك الشخصيات السنية ثوب السياسة في تصّنع مضطرب لا علاقة له بالولاء لمكونها لتصبح في ما بعد قيادات “تاريخية” لسنة السلطة باختيار وترشيح مُتقن من الزعامات الشيعية الحاكمة ومصادقة الجنرال الإيراني قاسم سليماني. لا يهم من يختاروه رئيسا للبرلمان أو وزيرا في الحكومة سواء أكان متهما بالمادة أربعة إرهاب أم من المشمولين بقانون المساءلة والعدالة “اجتثاث البعث” بل أولئك تكون لهم الأفضلية ليصبحوا أمناء لمشروع إيران في العراق يتم فضحهم إذا ما تمرّدوا، وذلك لن يحصل.

مشكلة هذه النماذج الرديئة من السنّة الخجولة والمضطربة في ركاكة وضعف التعبير عن المواقف، يعيش بعضهم عقدة الذنب والنقص تجاه الحاكم الشيعي بانتمائهم السابق للبعث أو في تمجيد بعضهم الآخر لصدام حسين في الفضائيات لآخر يوم من حكمه، فيبالغون بالولاء للعملية السياسية بطرق ملتوية لكنها رخيصة ويتقنون فنون التمويه على من يدعون جمهورهم من عرب السنة خصوصا في محافظات الكوارث الإنسانية.. الموصل وصلاح الدين وديالى والانبار وكركوك.

ترى بعضهم يخرج على الفضائيات بوجه لامع من الرفاه متربعا على مقعد ملكي وفير في مقرّه المحمي من الميليشيات ببغداد أو في قصره الكائن في جزيرة النخلة بدبي أو في حي عبدون بعمان الأردن يؤدي الواجب مثلا برثاء عوائل مجزرة منطقة الفرحاتية التابعة لقضاء سامراء التي نفذتها الميليشيات بقتل ثمانية أفراد من عائلة واحدة قبل أسابيع، أو يطالب بإعادة إعمار الموصل أو إنصاف أهالي المغيّبين والمختطفين في جرف الصخر أو غيرها.

افتقاد المبدأ والولاء للشعب والبحث عن المزيد من النهب أمور تزيد من حدّة الصراعات خلال مواسم الانتخابات بين جميع الأحزاب والكتل وبينها السنية التي لو امتلك غالبية ناشطيها الحدود الدنيا من اللياقة الشخصية والانتماء الحقيقي لأهلهم المظلومين لاكتفوا بما حصلوا عليه من مالٍ وتركوا هذا المسرح المخزي في الولاء الحقيقي للمستعمر الإيراني.

زعامات الكتل السنية أكثر حرجا من قادة من يسمون أنفسهم ممثلي الشيعة أمام العراقيين، يعتقدون أنهم وكوادرهم في مأمن عن مخاطر السقوط في امتحان الانتخابات المقبلة بسبب توفر الغطاء المالي ومستجدات الكذب والدجل على الجمهور الواسع وضمان الحصول على الحد الأدنى من الذاهبين إلى صناديق الاقتراع من السُذج وضعاف النفوس غير مكترثين بانحدار السمعة إلى مستويات رديئة.

ليس غريبا في تفصيلات الصراع الحالي بين متعاطي السياسة من السنّة أن يصبح اليوم أكثر شراسة داخل قيادات الجيل الجديد المتمثل بكتلتي “عزم” برئاسة الخنجر و”تقدم” برئاسة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وسط انتقاء من قبلهما للكوادر الاستعراضية من بعض الذين خسروا الانتخابات السابقة. يعود بعضهم مجددا متحمسا لدوافع شخصية كالحرص على المكاسب سريعة المنال والبعض الآخر لم يجد له عملا أكثر من عضوية البرلمان وجاهة. يغضون الطرف ويصمتون صمت القبور عما يحصل من مسلسل القتل والإرهاب الجسدي والنفسي ضد أهلهم وملّتهم في بغداد الأعظمية والطارمية وسامراء وتكريت والموصل والفلوجة الذي تمارسه بوحشية الميليشيات الولائية.

مظاهر الصراع حول الزعامة تستبعد الجيل الأول الذي أخذ نصيبه في القيادة كرئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي الذي أصبح الآن أكثر وضوحا في مواقفه تجاه ما يتعرض له السنة من انتهاكات، فيما يُرّجح تراجع لمعان ومكانة القائمة العراقية وزعيمها إياد علاوي الداعي إلى تأجيل الانتخابات أو مقاطعتها. ثقل الدعم الإيراني سيتوزع في المرحلة الحالية بين كل من الحلبوسي والخنجر بانتظار نتائج الانتخابات، حينها سيشتد الصراع حول المركز الأول للسنة في العراق في البرلمان العراقي أو اللعبة الهزيلة في تغيير مواقع الرئاسات الثلاث.

فرص المناورة الدعائية محدودة لدى زعامات الكتل السنية لأن حجم الكارثة هائل في ملفات عديدة أقساها “جرف الصخر” والمغيبون والمختطفون وإعادة إعمار الموصل وملفات التغيير الديموغرافي في سامراء التي أصبحت شبيهة بالتهويد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

اعتقد السياسيون السنّة، غباء وسطحية، أنهم بعيدون عما يسمّونه “الاحتراب داخل البيت الشيعي” بسبب ثورة تشرين أكتوبر 2019 التي رفعت شعارات وطنية جامعة لمشكلات وهموم كل العراقيين ضد جميع المرتكزات الطائفية للنظام السياسي القائم الذي يشكل سنة السلطة عنصر حماية واستمرار له.

شباب المناطق الغربية لا يختلفون عن إخوتهم في محافظات الفقر الوسطى والجنوبية في رفض النظام السياسي وعصابات القتل والنهب رغم أنهم محبطون في مشكلاتهم الشخصية العائلية بين فقدان لأب أو أم أو أخ أو بيت أو أرض زراعية في ظل هيمنة للميليشيات الإيرانية أقسى من جرائم داعش.

اعتقاد واهم للزعامات السنية الممتلكة للمال والدعم الميليشياوي الولائي أنها بعبورها عتبة الانتخابات المقبلة سينتهي الفيلم سيء الإخراج بسبب استمرار معاناة العرب السنة، وإن خرج شباب الشيعة في وسط وجنوب العراق بثورتهم، ففي الأيام المقبلة سيخرج شباب محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل رغم كثرة المأجورين بثورة عراقية أصيلة لا طائفية.

العرب

رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com