بقلم: المراقب السياسي
في الساعة التي سيخسر بها اتباع إيران في مجلس النواب العراقي المعلول الأغلبية التي كانوا يحكمون بها، سيفرضون ما كانوا يقررونه في الجلسات البرلمانية من خلال قوة السلاح، لكنّ الحاكم الضابط والمعيار الفيصل الإيراني لا يقبل ان تنهار الأمور الى درجة فشل المشروع الإيراني رسميا في العراق من دون ان يحرك ساكناً. لذلك لا يمكن التسليم بإجراء الانتخابات في موعدها المبكر تحت هذه الأجواء الملغمة. ما سيجري هو إتمام الشهور السبعة المتبقية حتى الموعد الرسمي للانتخابات الدورية. إيران كانت تظن انّ وجود شخص محسوب على الامريكان، منتوف الريش ومكسور الاجنحة طموح لفترة هادئة في المنصب الرفيع، أفضل من الاتيان بأحد شخوصها التابعين لحكم العراق، و لايزال العالم يشهد شوارعه تغلي بالحقد والرفض لكل ما هو إيراني أو تابع لولاية الفقيه والعمائم السياسية، كما شهدنا في احتجاجات تشرين. غير انَّ الامر مرحلي ولن تقبل به ايران الى ما لانهاية، فقد كان مصطفى الكاظمي سفينة النجاة لعبور العملية السياسية من ضفة الى أخرى بأمان، هذا حسب تشارك الأهداف الإيرانية والتابعية الذليلة في العراق فضلا عن الجناح المعتدل بالصورة والشكل الذي كان يمثله الكاظمي .
لقد حصلت المليشيات الموالية لايران من الكاظمي ما لم تكن تستطيع الحصول عليه في فرض مصطلح عيد الحشد ليكون مع الأيام بديلا عن عيد الجيش او موازيا له ومتفوقا في الأهمية. هل كان واقعا في غفلة ام في ظرف اضطراري ليمضي متماهياً مع الرؤية الأخرى ؟
كان مشهد الاستعراض موحيا بالدلالات العميقة ، كتيار لنهر جارف يجري من تحت منصة الكاظمي، لا يدري الى اين نهايته ، وهو يعلم ان حشد المرجعية وحشد الصدر ليسا ممثلين بالعرض . إذن كنت ترعى حشد المليشيات الولائية يا كاظمي ، بغض النظر عن مبررات المؤسسة التابعة للقائد العام . هل استحصلت موافقة الشعب العراقي في البرلمان او الاستفتاء في اجتراح عيد جديد في بلاد المآسي؟ اليست الاعياد محكومة بتشريعات، واين هو تابع الولائيين الصغير مختطف صوت الشعب في برلمانهم المزعوم؟
ان حشد المرجعية السيستانية وحشد مقتدى الصدر، يسعون للنجاة بالسفينة بما حملت لهم في ١٨ سنة سوداء من مكاسب على حساب دماء العراقيين، برغم كل المقولات الشعاراتية حول نصرة الشعب العراقي. كان من المنتظر، من المرجعية الشيعية التي أفتت بتأسيس الحشد في وقت توافرت عوامل التبرير له في اطار لعبة داعش التخريبية الوسائطية المعروفة، أن تعقب ذلك بفتوى حلّه و اعلان انتفاء الحاجة اليه والعودة والدعوة لتدعيم الجيش العراقي والشرطة المحلية والأجهزة الأمنية الرسمية القانونية بما يحقق العدالة في تمثيل جميع الشعب العراقي، ولقد شهد العراقيون انفسهم قبل سواهم ان المغدورين الشهداء من ضحايا “سبايكر” طلاب القوة الجوية الالف والسبعمائة شهيد، كانوا من الشيعة فقط باستثناء خمسة طلاب من السُنّة والتركمان التحقوا بالقوة الجوية بتزكية سياسية.
هل هكذا ينبغي تشكيل الجيش الوطني للبلاد ليحمي كل التراب وكامل الأجواء، ويشعر الجميع بطعم الانتماء اليه؟
ما معنى أن يكون هناك، حتى اللحظة، جناح عسكري لمرجعية النجف، أليس هذا انغماساً في اللعبة السياسية الخطيرة والدموية؟ وما معنى أن يبقى السيد مقتدى الصدر على خط الحياد، مبتعداً بحذر عن المليشيات التي يُسميها القذرة، ولا ينحاز كليا لخيار الشعب العراقي في التغيير وقيام حكم وطني، لتنتهي فترة بائسة، تزاوجَ فيها حكم السياسيين الولائيين الشيعة من “سيدهم” المحتل الأمريكي، ليولد النظام المسخ الذي لا هوية له ولا انتماء، قبل أن يظهر الزوج الحقيقي لنظام الحكم المليشياوي في العراق، من خلال غُرف القرارات الإيرانية المظلمة.
العراقيون، الذين تطلعوا بفارغ الصبر وعظيم التضحيات الى زوال حكم البعث الصدامي الشمولي ، لن يقبلوا بينهم بعد الان، أولئك الذين يضعون خطوةً في طريق الحق وخطوةً في طريق الباطل.
لقد انتهى الزمن الذي حاولوا أن يفصلوا فيه بين التشيّع والعراقية الوطنية، ليكون شعار نصرة التشيّع هو المرتكز السياسي الشمولي، ويكون سواه من الولاءات للوطن والوطنية نوعاً غير ولائي، ولا يمكن الوثوق به أو جعله يتقدم الصفوف لقيادة المجتمع الممزق وبناء البلد المنهار.
لقد فشلت الحقبة الشيعية في الانتقال من الشرذمة الماضوية الانتقامية التابعية الطائفية الى المركب الوطني المدني الليبرالي. وها هي اليوم، بين أيدينا، نتائج ذلك الحصاد ، فلا تأسف على الانهيارات وغياب المصالح ،واشنطن أو سواها، فذلك من زرع أيديهم.
كان التحذير قبل شهور هو أن يتم تدارك الانهيارات قبل ان تقع والاستمرار في التعلق بشعاع واهن من الأمل، أمّا اليوم فقد فات الأوان على الجميع، وغرقت السفينة بمن تحمل، وها هم يجدفون بأطواق النجاة
الضعيفة لعلهم يصلون الى ضفة آمنة، ولكن زمن المعجزات انتهى.
عذراً التعليقات مغلقة