خلق اتجاه جديد أسهل بكثير من تغيير اتجاه
‘‘سلام أبراهام’’ نموذجاً
محمد عياش
– كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
مع حقيقة فشل «مؤتمرات السلام» الموقعة بين الطرفين الفلسطيني و‘‘ الإسرائيلي ’’ ، وانكشاف الأهداف النهائية للصهاينة من وراء العملية ، واللعب على عامل الوقت وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية ، والوعود الكثيرة من المتنافسين على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بسن القوانين والتشريعات وربما الاستعداد لخوض المعارك إلى الجانب الإسرائيلي بتمكينه من فرض سيطرته الكاملة بالقوة ، تصبح المعادلة بالنسبة للفلسطينيين ، عودة قضيتهم للمربع الأول ، قضية احتلال كولونيالي لأرض الأباء والأجداد .
إن هذه الحقيقة القديمة الجديدة ، لا يخطئها أحد ، وقليلو السياسة وبالمؤكد ؛ قصيري النظر ، لأن هذا المحتل الوافد من أربع جهات العالم ، ثابت بسياسته وأهدافه .. وهذه نعمة من الله عزّ وجل ؛ لكن ما يبعث على الاشمئزاز ، أن هناك من سياسيين ومفكرين ، وحتى دول بعينها ترى أن السلام مع الغاصب ربما يفضي لسلام حقيقي ، وتسخيرهم وتوظيفهم لأدواتهم الإعلامية والاجتماعية بالترويج والتسويق لأفكار تخدم نظرياتهم الضريرة .. وكأن رائحة الرشى تفوح من قنواتهم ومراكزهم وحتى الذين انبروا ‘‘ سيكولائياً ’’ بالدفاع عن العملية التطبيعية أصبح أعدادهم تزيد مع بدء نهار جديد .
وأكثر ما يشجع اللصوص وشذاذ الآفاق ( الصهاينة ) ، الانقسام الفلسطيني ، والتمترس خلف نظرياتهم وفلسفاتهم التي لا تخدم المصلحة الفلسطينية العامة ، وفي كل يوم يمر تزداد هذه الخلافات والانقسامات حدة أكثر من ذي قبل ، بالرغم من المحاولات الكثيرة للمصالحة وتوحيد الجهود لبلورة مشروع مقاوم على كافة الصُعد والجبهات ، وعلى هذا الحال ، تثبت الفكرة يوما بعد يوم أيضا ً ، عدم وصول الأخوة في النضال إلى مشروع تفاهم يزيح الخلافات جانبا ً أو بشكل مؤقت .
جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي المهزوم بالعملية الانتخابية الأخيرة ، هو صاحب مشروع مستقبلي ما يسمى ‘‘ الإغراق الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط ’’ ، وهذا المشروع له أوجه ودلالات كثيرة ، لكن بودي أن أقدم رؤيتي حوله من الجانب الاقتصادي الخبيث .. كوشنير يريد من منطقة الشرق الأوسط نموذج يشبه النموذج الصيني ، وإشغاله بالعمل والتنافس وإغلاق كل مدينة على حدا ،التمويل معروف مسبقا ً هو خليجي بالمقام الأول والخبرات والكفاءات العلمية هي من أمريكا وأوروبا وكل ما يرضى عنه صاحب الفكرة والهدف ، حيث أطل برأسه هذا المشروع من مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي عقد في المنامة يومي 25 و26 يونيو/حزيران 2019 لمناقشة الشق الاقتصادي مما يعرف إعلامياً بـ”صفقة القرن“.
إن فشل مؤتمر البحرين جعل كوشنير بين حلين لا ثالث لهما ، الأول يستمر بدعوة الأطراف لعدة مؤتمرات متنقلا من دولة لأخرى « شارحا ً وعرابا ً »، أو البحث عن بديل آخر يجني له بعض الثمرات لكي يتهيأ في قادم السنين للترشح لرئاسة الولايات المتحدة أي ما يسمى تقديم أوراق اعتماد بهذا الشأن ، ومن قناعة مؤكدة بفشل الطرح الأول ، استند للنظريات النفسية والعلمية ، ووقع اختياره على خلق اتجاه جديد يكون بمثابة النور بآخر النفق ، والذي يبقي على آماله وأهدافه .
هناك شبه إجماع أو تبني مزاج جديد في منطقة الخليج حصرا ً يدور حول فكرة إيجاد قاسم مشترك يكون بمثابة توحيد شعار مأخوذ من عمق التاريخ إلى أبعد من الأنبياء الذين اشتهرت الأديان الثلاثة بهم ، والنظر إلى إبراهيم عليه السلام كخطوة من شأنها أن توحد الأفكار وربما الأيديولوجيات لكي تخرج فكرة من رتق الصلابة الحالية والتمترس خلف العقائد والفلسفات المرافقة وراء كل دين ، ومحاولة كل الأطراف بإقناع الآخرين بصدقية الدين الذي هم عليه ، وبالتالي كان لابد من اجتراح حل جديد يكون بمثابة الابتعاد أكثر فأكثر نحو أبو الأنبياء ، وبذلك يكون هذا الشعار منطلقا قويا لتعزيز مشاريع ذات طابع «هيمنة وسيطرة» ومصادرة القرارات الوطنية .
إرهاصات ومؤشرات تتضح للعيان ، ببزوغ الاتجاه الجديد ‘‘ سلام إبراهام ’’ مصالحات خليجية تمت وأخرى قادمة ، تركيا تتخلى عن الإخوان المسلمين وملحقاتها ، توجهات حقيقية لإنهاء حرب اليمن ، اهتمام أمريكي بالملف السوري حيث تم نقله من المجلس القومي الأمريكي لوزارة الخارجية ، وسقوط نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بعد الهزيمة المدوية بالحرب العدوانية على قطاع غزة ، تقاطر الخليجيين للبنان لإنهاء معاناته الاقتصادية .
عذراً التعليقات مغلقة