محمد سيف المفتي- ( أوسلو)
نشرت وكالة الاستخبارات الامريكية ملفات ابوت آباد،
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 وهي مئات الآلاف من المَلفات التي حصلت عليها من الغارة التي شنتها على مقر زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن في آيار/ مايو 2011.
فاسحة المجال امام الشعب الأمريكي والعالم للاطلاع على تفاصيل حياة بن لادن والخلافات الداخلية ولم تحجب إلا بعض المواد والوثائق لأنها قد تضر بالأمن القومي.
فتحت بذلك صفحة جديدة وميدان بحثي حديث أسرع اليه كثير من الباحثين في عالم الفكر الإسلامي المتطرف والقت هذه الملفات الضوء على تطور الخلاف بين القاعدة المركز والدولة الإسلامية. كشفت المراسلات كذلك طرق تطور تنظيم القاعدة ليصبح قيادة للجهاد العالمي وأزاحت اللثام عن علاقة التنظيم مع أيران.
اعتمد الباحِثون في عَملهم البحثي في عمل المُنظمات الارهابية خصوصا في دول العالم الثالث ولعقود بعيدة على قراءات في عمل المُنظرين والمُفكرين وراء تلك المنظمات والبحث في معتقدات قادة المنظمات. باحثين عن المدرسة والمنظر الذي يتبعه التنظيم كأمثال حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي وتحليل المقاصد وراء هذه العملية أو تلك وتحليل سبب اختيار الأهداف مارين بحقل كبير من الفرضيات والشائعات. لذلك ارتكز الباحثون في بعض الاحيان على عمل ميداني كالذي قام به مؤخرا الدكتور Thomas Hegghammer المتخصص بالإرهاب وبالحَركات الجِهادية والذي يعمل في مؤسسة بحوث الدفاع النرويجية عندما كتب كتابه الأخير ” القافلة” عن عبدالله عزام، والذي نشر في عام 2020. رأى كتاب القافلة النور بعد عمل حثيث دام حوالي العقد من الزمان، بحث الكتاب في مسيرة ذلك المحارب الفلسطيني ورحلته الى أفغانستان حتى مقتله في بيشاور بعبوة ناسفة وضعت على جانب الطريق، فجرت سيارته ومات 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 أمام حشود من الناس المبتهجين باستقباله بجانب مسجد سبع الليل في بيشاور . اعتمد المؤلف في عمله على زيارات ميدانية متتبعا محطات حياة عزام، وقابل الكثير من الشخصيات التي عاصرته وشاركته الحياة.
علينا في هذه الحالة أن نتذكر أنه دائما هناك احتمالية أن يتحدث الشخص المعني بما يرغب هو شخصيا بإظهاره للباحث إيجابا كان أو سلبا.
نأخذ على سبيل المثال الأسئلة التي طرحها Hegghammer على ابن عبدالله عزام والتي أجاب عليها وفقا لرؤيته الشخصية عن أبيه.
وهكذا تبقى الحقيقة ضائعة في مكان ما أو منقوصة، وتبقى التفسيرات مرتبطة بما يعرفه الشخص من معلومات أو ما تمكن من الحصول عليه بالإضافة الى وجهة نظره الشخصية والتي لا يعلم أحد مدى حيادها.
سأل كاتب المقال في لقاء مباشر مع Hegghammer في يوم حفل توقيع كتابه القافلة في العاصمة اوسلو.
- هل حصلت على أجوبة حقيقة وصريحة من ابنه؟
- الحقيقة لا أعلم! سألته هل كان ابوك على حق؟ تركني ودخل البيت وجاء بجاكيت قديمة وقال هذه لأبي كان يرتديها عندما استشهد. ألا تشم فيها رائحة الجنة.
- كيف كانت رائحة الجنة؟ استفسر كاتب المقال.
- جاكيت قديمة.
ما وضعته وكالة الاستخبارات من معلومات وملفات المراسلات التي وصلت الى بن لادن وارسلت من قبله في أبوت آباد تجعل الباحث اليوم يتأكد من مرجع موثوق عن أمور وقعت ويستطيع مقارنة التواريخ والقرارات والإجراءات المتخذة في وقتها الصحيح، وهذه النقطة بحد ذاتها كانت طفرة في هذا المجال.
ويجدر بالذكر دراسة الباحث BRIAN FISHMAN في مركز مكافحة الإرهاب عن عبدالهادي العراقي ابن مدينة الموصل الذي عاصر بن لادن وكان عضو ارتباط بين القاعدة وطالبان، ومراسلاته التي ألقت الضوء على جوانب الصراع الداخلي بين قيادات القاعدة من جهة والخلافات مع التنظيمات الاخرى.
هذه الدراسة القت الضوء على طرق تهميش، تسقيط أو دعم هذه الشخصية أو تلك داخل التنظيم وخارجه.
توضح الدراسة كيف طرح اسم العراقي مساعدا ولاحقا بديلا للزرقاوي من خلال المراسلات بين قيادات القاعدة ليعيد الجهاد الى طريقه الصحيح ألا وهو قتال العدو البعيد والمقصود به الامريكان وإسرائيل والابتعاد عن قتال العدو القريب ألا وهم الشيعة، رجال الدولة وكذلك الشرطة والجيش.. وصل العراقي الى أفغانستان في بدايات التسعينيات وتدرج في العمل الجهادي هناك واتهم بعدة قضايا اثارت جدلا وخلافا داخليا.
ألقي القبض عليه في تركيا في عام 2006 نتيجة بلاغ من شخص مجهول الهوية وهو في طريقه الى العراق، كُتب عن العراقي أنه الرجل الذي كان سيوقف ظهور الدولة الإسلامية ويوقف حمام الدم العراقي لو أنه وصل الى العراق.
نشر الرسائل المتبادلة مع بن لادن وضحت كيفية السيطرة فكريا على صانع القرار في القاعدة، ومن هو صاحب القرار الحقيقي في تنظيم القاعدة.
بعد الاطلاع على ترجمة الرسائل التي تم تبادلها بين شخصيات رئيسية في تنظيم القاعدة يمكن القول بأن هذه الترجمات أخفقت في إلقاء الضوء على كثير من النقاط المتعلقة برجال القاعدة نتيجة جهل المترجمين بالمصطلحات الجهادية وكذلك باللغة المتداولة داخليا، على سبيل المثال الفريضة الغائبة، التمكين وغيرها بالإضافة الى بعض المصطلحات ومحلية مرتبطة بمنطقة جغرافية معينة، أو مجتمع بعينه ،أو كلمات عامية أو صفات أو أسماء شهرة. بالإضافة لذلك لم يدرك المترجمين أن قسم من الرسائل المرسلة من قادة القاعدة عندما كانوا في إيران لم تكن لغة مباشرة، وبالتأكيد كتبوها بهذه الطريقة خوفا من ترجمتها من قبل السلطات الإيرانية.
لو أعيد تحليل الرسائل المتبادلة بين الشخصيات الرئيسية لأكتشف العالم من هي العقول الأساسية التي وقفت وراء الاعمال الإرهابية ومن هي الشخصيات الثانوية. ولتم كتابة التاريخ من جديد وبمنظور يلقي الضوء على أسباب وخيارات الجهاد العالمي من منظور قياداته الحقيقية.
الكودات اللغوية
اللغة العربية لغة ثرية وليست سهلة ولغة الفقه الإسلامي لغة معقدة وعليه عندما تتناول موضوع الجهاد نجد الكلمة وفق السياقات مليئة بالكودات والشفرات اللغوية مع رسائل تقرأ بين السطور، وهذا أمر يصعب ترجمته إلا لمن عاش مع الثقافتين، لهذا نرى كثير من الرسائل المترجمة كانت منقوصة المعنى.
على سبيل المثال عندما يكتب جهادي الى بن لادن يستسمحه بالقيام بعملية جهادية انتحارية ثم يسترعي انتباهه الى موضوع ما معززا كلامه بعدة آيات تبين زهده في الحياة، ومن جهة ثانية حرصه على المصلحة العامة، ويُذكّر شيخه بأنَّ هناك اعمال مضرة بالتنظيم قد تكون مُتَعمدة أو عن جهالة فسيستبعد بن لادن أي مصلحة دنيوية وراء مطالبه، وهذا أمر استغله أيمن الظواهري بطريقة مثالية فسمح لكثير من هذا النوع من الرسائل التي تصب في مصلحة ما يرغب به ان تصل الى بن لادن واستبعد الرسائل التي لا تدعم رأيه.
المترجم مهما كان متمكنا من اللغة فلن يتمكن من نقل المعنى بالترجمة المباشرة، وذلك وفقا لأخلاقيات مهنته فليس من حق المترجم التصرف في النص.
امتلأت المراسلات بين القيادات بمثل هذه الكودات مثال ذلك عندما أمر بن لادن بتحويل ملف التنبوليون الى العراقي. اسم صعب تفسيره لهذا تم ترجمته الى الإنجليزية بنفس الاسم.
أخطأ العالم
ارتبط اسم بن لادن مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة السلفي الجهادي والذي تأسس في أفغانستان عام 1988 بالإرهاب العالمي وكذلك بتغيير وطبيعة الجهاد الإسلامي وخروجه من النمطية المعروفة وتحويله من الطرق البدائية الى الطرق التقنية والمبتكرة. وليقف هذا التنظيم وراء واحدة من أغرب العمليات الإرهابية إن لم تكن الأغرب على الاطلاق في 11 سبتمبر 2001، إذ وقف العالم ما بين مندهش، مستغرب ومبهور باستهداف مواقع حيوية واستراتيجية في أمريكا منها برج التجارة العالمي والبنتاغون بطائرات مختطفة من قبل شخصيات عربية كلها تنتمي لتنظيم القاعدة تخترق تلك المباني الشاهقة وتتفجر فيها والتي على اثرها تم اعلان الحرب على الإرهاب.
تلك الحرب التي استهدفت طالبان والقاعدة وجعلتهما الهدف الرئيسي للحرب في أفغانستان فلجئوا الى حرب العصابات.
وبما لا يقبل الشك أن لـ بن لادن صفات مميزات وقدرات قيادية مميزة، استخدمها خلال سنوات حياته ووفقا لمعطيات ظروفه، لكن السؤال الذي يجب أن نجيب عليه هو ماذا تبقى من قدرات بن لادن بعد اعلان الحرب على أفغانستان؟
بعض صفات الملياردير السعودي بن لادن كقائد للتنظيم أنه كان ذا صوت مسموع ومقبولية من معظم الأطراف الاسلامية وله تأثير كبير على المجاميع” الجهادية” وهذه نقطة جعلت قيادات التنظيم تتمسك به كقائد لهم. ومن ناحية ثانية كان يستمع لرأي المخلصين ويتخذ القرارات بناء على المعلومات الميدانية التي كان يبحث عنها بنفسه أو يجدها عن طريق رجاله، وكان يناقش الموضوع مع أصحاب الشأن بنفسه أو من ينوب عنه.
إذن هل كان لـ أسامة بن لادن القدرة والامكانية على استخدام كل قدراته القيادية باستقلالية وبالاعتماد على نفسه بعد اندلاع الحرب في أفغانستان؟
أين اختفى؟
في بيت معزول عن كل طرق التواصل الحديثة في منطقة أبوت آباد، مختفيا تماما عن العالم وخصوصا بعد المكافأة المالية المقدرة بـ 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود للقبض عليه. خوف التنظيم عليه جعلهم حريصين كل الحرص على حمايته في مقر اقامته وعزله عن العالم.
وما يؤكد هذا الأمر هي المراسلات التي تم تبادلها بين قيادات القاعدة التي حرصت عليه اشد الحرص وابلغته دائما عن أخبار اقاربه في طهران لكي لا يتحرك أو يتواصل مع احد بشكل مباشر. وعليه حددت هذه القيود المفروضة عليه من قدراته الميدانية على اتخاذ القرارات وأصبح يعتمد على ما يحصل عليه من معلومات لاتخاذ قراراته، بمعنى آخر تحول بن لادن الى تطبيق الكتروني يحتاج الى إدخال المعلومات اليه في مقره اقامته ليقوم بدراستها وتحليلها ومن ثم إعطاء النتيجة.
الظواهري و جماعة الجهاد الإسلامي المصري
هل اصبح أيمن محمد ربيع الظواهري قائدا للتنظيم بعد مقتل بن لادن في عام 2011؟
الظواهري أكبر سنا من بن لادن، وله تاريخ جهادي طويل أعتقل بعد انضمامه الى جماعة الاخوان المسلمين المحضورة في مصر وعمره خمسة عشر عاما، إلا أنه اكمل دراسته وعمل طبيبا في أحد ضواحي القاهرة قبل ان ينضم الى جماعة الجهاد الإسلامي 1973. يعتقد أن الظواهري من الشخصيات الأساسية وراء تأسيس جماعة الجهاد المصرية.
اتهم في عام 1981 باغتيال السادات إلا أنه تم تبرئته من هذه التهمة، ولكن حُكم عليه بحيازة أسلحة غير شرعية وحبس على اثرها لثلاثة سنوات. تعرض خلالها للتعذيب الجسدي ويقال أن تلك الفترة هي التي تسببت بتطرفه وتكوين شخصيته المعقدة صعبة المراس. وهو الذي تحدث نيابة عن زملائه في المحكمة لأنه يتقن الإنجليزية قائلا:
” نحن مسلمون نؤمن بديننا ونسعى لإقامة الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي.”
وما أن أطلق سراحه في عام 1985 حتى توجه الى أفغانستان وأعاد تأسيس فصيل للجهاد الإسلامي واعلن مسؤوليته عن عدة هجمات داخل مصر في تسعينيات القرن الماضي، ومنهاالمذبحة التي تعرض لها سياح أجانب في مدينة الأقصر وليصدر لاحقا حكما عليه بالإعدام غيابيا من قبل محكمة عسكرية مصرية لدوره في الكثير من الهجمات الإرهابية في مصر.
يعتقد أن الظواهري انتقل إلى مدينة جلال اباد الأفغانية في عام 1997، حيث كان أسامة بن لادن يقيم هناك. وبعد سنة، انضم تنظيم الجهاد وخمسة مجموعات راديكالية أخرى، إلى بن لادن وتنظيم القاعدة مشكلين “الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين”
وشمل إعلان الجبهة لأول مرة فتوى دينية تسمح بقتل المدنيين في الولايات المتحدة، وبعد ستة أشهر، دمرت اثنين من الهجمات المتزامنة السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا وتسببت بمقتل 223 شخصا.
سلوكيات الظواهري تطابقت مع أفكاره وهي مستمدة من فكرة الولاء والبراء والتي ألف كتابا عنها وبهذا الاسم. مما يبين لنا طبيعة شخصيته التي تحدد الناس بـ ” إما عدو أو صديق” وهذا الامر تسبب بكثير من النزاعات والخلافات الداخلية.
القيادة عن بعد
ما أن بدأت الحرب على طالبان وأصبح بن لادن الاسم الأول على قائمة المطلوبين في العالم، حتى اضطرته الظروف للدخول في مخبئه مجبرا في مجمع حضري ضخم على بعد 60 كيلو متر من اسلام آباد وبقيت حوله حراسات مشددة. كانت كل المراسلات التي تصله يتم فحصها ومراقبتها من قبل جماعة الجهاد المصري ومن تعاون معهم، وعلى رأسهم الظواهري ومجموعته، وضع منح الظواهري السيطرة الكاملة عن بعد على عقل بن لادن.
لم تتمكن القوات الامريكية من تحديد المكان الذي يختبئ به بن لادن بسهولة رغم كل الوسائل الاستخباراتية والتقنية الحديثة، إلا من خلال تعقب أحد مراسيله.
تم تسريب معلومات من بعض معتقلي غوانتانامو كشفت الاسم المستعار الذي يستخدمه هذا المراسل وبدئوا بمتابعة هذا الخيط لأشهر، ومن خلال الأقمار الصناعية اكتشفوا كذلك أن سكنة هذا البيت الذي تقدر قيمته بمليون دولار وتفوق مساحته ثمانية اضعاف حجم الدور في تلك المنطقة وتحيطه اسوار عالية مع اسلاك شائكة، بالقرب من اكاديمية تدريب عسكرية باكستانية لا يرمون الاوساخ خارج المجمع، بل يحرقونها في داخله.
أثار المبنى وساكنيه الشكوك حول الشخصية المهمة التي تخفتي فيه ليكتشفوا لاحقا أن ابن لادن يختبأ في المدينة وليس كما كان متوقعا في كهف عميق في مناطق القبائل الموالية في أحد الجبال الوعرة النائية.
لم يجرأ الظواهري بإعلان نفسه قائدا مباشرا للقاعدة في مرحلة مبكرة بسبب شعبية بن لادن الكبيرة وقدرته على التمويل التي تكشفها
المراسلات والتحويلات التي كانت تتم عن طريقه. ومن ناحية ثانية بسبب شخصيته الثقيلة والمملة على قلوب الكثير من المجاهدين من داخل القاعدة وكذلك من التنظيمات الاخرى. وما يؤكد هذا الادعاء هو كثرة الخلافات بينه وبين شخصيات قيادية أخرى ومن بين هذه الشخصيات الزرقاوي.
عندما تبلورت في رأس الزرقاوي فكرة تأسيس الدولة الإسلامية في العراق ورفض اعطاء البيعة الكاملة للقاعدة، أمر أثار غضب الزرقاوي وتفاقم الخلاف حتى كاد أن يتسبب باقتتال داخلي.
وصف الظواهري بحكيم الأمة أمر جعله ينظر الى أن ما يقوله أمرا سماويا استنادا الى مبدأ الحاكمية في الإسلام.
ولو جردنا الرسائل التي وصلت الى بن لادن خلال فترة هروبه من الملاحقة الأمريكية فلا نجد إلا الرسائل التي كانت تصب لصالح رغبات الظواهري، فنجد كثيرا من رسائل اعوانه مثل خالد حبيب، سيف العدل وغيرهم من المصريين المرتبطين بالظواهري وكأنهم الفصيل الولائي لجماعة الجهاد المصري.
أما رسائل رجال طالبان وغيرهم والتي وجدت في ملف العراقي والتي تصب في مصلحة الرأي المعارض للظواهري ومن المفروض أنها قد وصلت الى بن لادن لم يتم العثور عليها بين أوراقه.
كان الظواهري رافضا فكرة انتقال العراقي الى العراق اثناء حياة الزرقاوي لهذا وجدت فقط الرسائل التي تصب في أن المصلحة العامة تقتضي تأجيل ارسال العراقي أو وضع قيود عليه في الوقت الذي كانت هناك كثير من الآراء المؤيدة للفكرة إلا أن رسائلهم وتبريراتهم لم تصل الى بن لادن. بينما نجدها موجودة في ملف FISHMAN.
بمعنى آخر كان بن لادن برنامج يتلقى المعلومات ويصدر قراره بناء على هذه المعلومات الواردة اليه بعد أن مرت من تحت يد الظواهري.
يقول المحلل Atle Mesøye في شؤون الإرهاب من منظمةU-Turn النرويجية ” من المهم أن نفهم بناء التنظيم لنفهم طريقة أداءه. بعد اطلاعنا على أن مجموعة الجهاد المصرية كانت هي صاحبة الكلمة الفصل فعلينا أن ننظر لصورة الجهاد العالمي بمنظور تاريخي”
السؤال الكبير
هل كانت كل خيوط الصراع بيد التنظيم خلال تاريخه؟
أشار الباحث كول بنزل من معهد هوفر الأميركي الى حقيقة المؤشرات التي تشير الى وجود روابط بين قادة تنظيم القاعدة والنظام في إيران. وكان وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو قد أشار في خطاب له إلى أن القاعدة تتخذ من إيران قاعدة جديدة لها، وتم توجيه الاتهام الى ايران على أنها “بيت تنظيم القاعدة الجديد”.
الاختلاف المذهبي بين الطرفين تسبب بطرح هذا الرأي جانبا. لكن ما حدث في عام 2015 في عملية تبادل محتجزين مع الجماعات الإرهابية جعل الباحثين يفتحون الملف مجددا بعد أن سمحت إيران لقيادات القاعدة المتواجدين في ايران بحرية الحركة والحصول على الحماية من النظام مع إدارة عمليات التنظيم من هناك.
أوضح تقرير “لجنة 11 سبتمبر” (لجنة تشكّلت في نوفمبر 2002 وقدمت تقريراً مفصلا حول هجمات 11 سبتمبر) جاء فيه إنه في التسعينيات، “سافر أعضاء ومدرِّبون بارزون في القاعدة إلى إيران لتلقي تدريبات على المتفجرات، فيما تلقّى آخرون التوجيه والتدريب من حزب الله في لبنان”، وفي السنوات التي سبقت هجمات 11 سبتمبر/أيلول “سافر عدد من مختطفي الطائرة من أتباع تنظيم القاعدة عبر الأراضي الإيرانية.”.
قال مؤسس القاعدة بن لادن في خطاب له عام 2007 إن إيران بالنسبة إلى تنظيمه “هي الشريان الرئيسي للتمويل والجنود والاتصالات”
إلا أن افراد القاعدة الذين كانوا محتجزين في إيران شعروا بالاضطهاد وعبروا عن استيائهم عندما فرضت عليهم الإقامة الجبرية وسجن كذلك قسم منهم. عندما نقرأ مراسلاتهم مع قيادات القاعدة نجد أنهم ارسلوا رسائلا تفيد بأنهم يطالبون القاعدة باختطاف شخصيات إيرانية للتفاوض على حرياتهم وهذا ما حدث فعلا واستخدمته القاعدة بطريقة ممنهجة.
كشفت احدى الرسائل التي وجهها المكنى بـ”مكارم”، إلى قيادة القاعدة عن دور الزرقاوي التفاوضي مع الحرس الثوري الإيراني، بشأن القنصل التجاري الإيراني في بغداد والذي تم اختطافه بعد معركة الفلوجة في آب / أغسطس 2004، قائلا: ” كان اجتهاد الإخوة أن يرسلوا مع هذا الأسير رسالة شديدة اللهجة إلى إيران بشأن إخواننا الأسرى، وأن تتوقف في الكشف عن هويات الإخوة المعتقلين لديها عن طريق التسريب الإعلامي، فقد سربوا أسماء مثل سيف العدل وأبو غيث وأبو محمد وغيرهم، وكان الزرقاوي ينوي توجيه تهديد مباشر لـ ايران بعدم التدخل في شؤون العراق، ومطالبتهم بإطلاق سراح الإخوة المجاهدين” مضيفا: “بالفعل التزم الجانب الإيراني بعدم تسريب أسماء جديدة إلى الإعلام عن المعتقلين لديهم وتخفيف القيود المفروضة على الإخوة في السجن بعض الشيء.”
كانت عائلة بن لادن محاطة بجماعة الجهاد الإسلامي المصري وعلى رأسهم ” أبو سهل” منسق التعاون بين القاعدة والحرس الثوري الإيراني وهو صهر الظواهري وهو الذي رتب هذا الملاذ الآمن لقيادات القاعدة.
كان لـ هروب ابنة بن لادن ايمان من الحارسات الايرانيات المرافقات لها بينما كانت تتبضع ملابس العيد ولجوئها الى السفارة السعودية الدور الأكبر في اثارة موضوع التعاون بين القاعدة والايران.
اتفقت إيران والقاعدة عام 2010 على عملية تبادل المحتجزين التي شهدت إطلاق سراح عدد من أعضاء تنظيم القاعدة البارزين، بمَن فيهم حمزة نجل ابن لادن، في مقابل دبلوماسي إيراني اختُطف في باكستان عام 2008.
بعد عدة سنوات، وتحديدا في 2015، تمت عملية تبادل أخرى، تضمّنت دبلوماسيا إيرانيا كان فرع القاعدة في اليمن قد اختطفه عام 2013، وتُفسِّر هذه العملية الثانية سبب الحرية التي يعيشها بعض أعضاء التنظيم داخل إيران.
تناولت عدة صحف رصينة موضوع إطلاق سراح خمسة من أعضاء القاعدة البارزين من الاحتجاز الإيراني، بينهم ثلاثة مصريين هم سيف العدل، وأبو محمد المصري، وأبو الخير المصري، وأردنيان اثنان هما أبو القسام، وساري شهاب، وذلك مقابل الدبلوماسي الإيراني المختطف في اليمن.
الخلافات تفضح ما يجري خلف الكواليس
ألقى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري خطابا، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، أدان فيه “هيئة تحرير الشام” لأنها نكثت عهدها بإعطاء الولاء للتنظيم، وتلا ذلك حرب كتابية بين عبد الرحيم عطون، المسؤول البارز في هيئة تحرير الشام، الذي سعى للدفاع عن قرار الجماعة بالانشقاق، وبين عضوين بارزين في تنظيم القاعدة هما سامي العريدي، وأبو القسام الأردني المشار إليه سابقا. وفي خضم هذه الحرب الكلامية جذب الرجلان الانتباه إلى الصفقة التي تمت في 2015 بين القاعدة وإيران، التي أدّت إلى إطلاق سراح قادة القاعدة الذين أشرفوا على انشقاق “جبهة النصرة” عن التنظيم الأم. سمحت إيران بسفر البعض ولم تسمح لشخصيات أخرى بالسفر مثل سيف العدل.
يعيش اليوم عدد من قادة القاعدة في مقر اقامتهم الجديد في قلب العاصمة الإيرانية طهران وتحت جناح الدولة بالضبط كما كان بن لادن في مخبأه في باكستان. كما يعيش قسم منهم في دول أخرى بعد ان سمح لهم الطرف الإيراني بالرحيل، ومعظمهم يحلمون بالعودة الى أفغانستان التي يعتبرونها ارض الخلافة الحقيقية.
هل أخذت ايران أم روسيا دور الظواهري في قيادة التنظيم عن بعد؟
هل ستكون مقاليد قيادة القاعدة بيد طالبان من جديد بعد ان استعادت سيطرتها على أفغانستان؟ ومن هي طالبان الجديدة التي اقنعت الامريكان بالانسحاب واستعادت السيطرة بسرعة على البلاد كما كان متوقعا من عدة جهات سياسية.
وكشف المبعوث الروسي إلى أفغانستان أن علاقة بلاده مع طالبان أفضل منها مع حكومة كابل.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إنّ حركة طالبان أكدت – في اتصالاتها مع موسكو- أنها على استعداد للتفاوض مع كابل لتشكيل حكومة شاملة. لكنها تصريحات البداية وقبل الإمساك بزمام الأمور، وسوف تتغير المواقف لاحقا.
من جهته، قال زامير كابولوف مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى أفغانستان إن الوضع الأفغاني الراهن تسبب في تغيير الميزان السياسي والعسكري. وستكشف الأيام القادمة الوجه الحقيقي لطالبان الجديدة.
عذراً التعليقات مغلقة