بقلم: المراقب السياسي
ليس بعد الآن طريق يمر الى حركة طالبان التي تحكم أفغانستان إلا عبر الدوحة. المسألة تبدو محسومة مبكراً، ويمنحها الامريكان زخماً جديداً تفيد منه قطر، بعد نجاح مفاوضات الانسحاب الأمريكي وانهاء احتلال دام عشرين سنة وكان بمثابة الورطة الامريكية العظمى.
الرئيس الروسي يوفد الى أمير دولة قطر رئيس اكبر شركاته النفطية، بعده تأتي إيطاليا عبر وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي لويجي دي مايو، ثمّ يرنُّ الهاتف لمكالمة مهمة من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، وسيأتي بعدهم كثير من المسؤولين الغربيين والشرقيين وهم يتأبطون أوراقا على صلة بأفغانستان يفتحونها على الطاولة القطرية .وكلها اتصالات عاجلة وملحة تخص تطورات الأوضاع ما بين جلاء ما تبقى من المتعاونين الأفغان و الأجانب أو التنسيق الاستباقي المبكر لكسب ثقة الحكومة الجديدة في كابول من اجل عقود واستثمارات ووجود اقتصادي مقبل في أفغانستان، وهي مجالات أدركت الدول انَّ طريقها يمرّ من قطر.
لكن، في نظرة واقعية، يمكن ملاحظة ان قطر ليست وحدها في هذا الميدان، الذي يمكن تسميته بموقع القريب من قلب الحركة الذي من الصعب أن يميل الى أحد . ذلك ان دولة الامارات العربية لها تاريخ من ارساليات الجمعيات والتعاونيات التي لها قابلية التأثير عبر أبواب المساعدات في كسب الأفغان الى جانبها، بالرغم من انّ طالبان حركة لا تمثل إرادة الأفغان كلهم، لكنها الصيغة المفوضة للظهور بمظهر التمثيل الشرعي لإرادتهم بعد فشل مشاريع مصنوعة بمعامل الوجبات السياسية والأمنية الامريكية السريعة.
في هذا المضمار لا يمكن اغفال أقدم المتعاطين بالشأن الافغاني منذ الثمانينات في القرن الماضي وهي السعودية، التي تغيرت أولوياتها في العلاقات الدولية ، او لعلها ابكر الدول الخليجية في اكتشاف مرامي المطالب الامريكية التي يراد لها ان تنفذ من دون ثمن بالأصالة او الوكالة، وقد (أكلت ) السعودية درس احتلال الامريكان العراق والقيام بتسليمه الى عدوتها ايران، ومن ثم الدعم المشترك الإيراني (العراقي المليشياوي) لعدوها الاخر الحوثيين في اليمن حيث الحرب تشتد كلما قلنا انها خبت، وكل ذلك يحدث من دون ان تكلف واشنطن نفسها عناء المشورة مع الرياض.
وحتى المطلب السعودي في اشراك الرياض في أي ترتيبات بشأن مفاوضات الملف النووي الإيراني لا يلقى اذناً صاغية من الامريكان أنفسهم قبل الإيرانيين. لكن هناك استمكاناً دقيقاً في الرياض يقوده الأمير محمد بن سلمان في السعي لقطف الزبدة المفيدة من الامريكان، قبل ان يترك لهم المجال ليفكروا ماذا يمكنهم ان يعطوا للسعودية أو يحجبوا، أو قبل أن يمضوا من دون أن يكون لدعمهم كثمرة للتحالف الاستراتيجي (المزعوم) الأثر البنائي في أساس الصناعات والدفاعات السعودية وسط هذا المحيط الإقليمي الهائج المائج.
لولا حرب اليمن، التي تستنزف خاصرة الامن القومي السعودي، لاتضحت معالم أساسية اكيدة في تكوين بنيوي جديد في السعودية يشتغل على اليات الوجود المستقبلي وتعزيز عناصر البقاء الذاتي. لكن يبدو ان الرياض ترى ان حرب اليمن بحد ذاتها هي جزء من مفهوم ذلك البناء وحمايته الذي تسعى لتكريسه.
في خضم معادلات المنطقة غير المتسقة وغير المتوازنة، يبدو ان الامريكان لم يعودوا يعولون على حجم الدولة وعمقها التاريخي، في الإفادة منها في تسهيل سياساتهم ومشاريعهم الخارجية، كما يبدو انهم يبحثون عن الدول التي ليس لها إشكاليات معقدة مع الاخرين، ولها إمكانية الوصول الى مقتربات عُقد المواصلات السياسية، من دون اثارة الجلبة والضجيج، فكانت قطر في المعيار التكتيكي أهم من السعودية لدى البيت الأبيض البايدني أو الترامبي في ميدان حرب أفغانستان، وكذلك في الخطوط الخلفية للملف النووي الإيراني. مثلما كانت البحرين والامارات أسهل تلبية للنداء الأمريكي في فتح النافذة الإسرائيلية على الخليج، وهو الامر الذي يستعصي ان تنفذه السعودية مهما كانت الضغوطُ قويةً عليها بسبب أولويات تخص عظم دورها ومركزيته في العالم الإسلامي مقروناً بوجود الكعبة المشرّفة، وكذلك بسبب بنائها الداخلي غير المكتمل في قفزة التغيير الإصلاحية الكبرى ذات المدى الزمني الأبعد حتماً، وان السعوديين أهل تروٍ وسبرٍ لأغوار التجارب، لاسيما المرّة منها، وليسوا في المنظار التاريخي على عُجالة من أمرهم.
عذراً التعليقات مغلقة