اطلالة جمالية من شاعر مغربي  على نص شاعر عراقي

اطلالة جمالية من شاعر مغربي على نص شاعر عراقي

آخر تحديث : الخميس 2 سبتمبر 2021 - 9:42 مساءً

” صوت العدم “

 اطلالة جمالية لنص: راكض لا يتوقف للشاعر العراقي خالد الحلي

thumbnail FB IMG 1541779146605 524x330 1 - قريش
حسن حصاري

حسن حصاري 

    المغرب

 الحلي - قريش
خالد الحلي

النص الشعري: راكض لا يتوقف

لم نَعُدْ نَعْرِفُ كَمْ مرّ عليكْ
بانتظارِ الوعدِ واقفْ
باقةُ الورد بَكَتْ بيْنَ يديكْ
وتلاشى عطرها
الأماني ضَبّبَتْ في مقتليكْ
وجْهَها
انتَزعَتْ من أُذُنيكْ
صوتَها
هيَ لَمْ تأتِ.. ولنْ
فلماذا؟ ولِمَنْ؟
تَهْدِرُ الوقتَ انتظاراً
والزمنْ
راكضٌ لا يتوقفْ

٭ ٭ ٭

في دروبِ الانتظارْ
كنتَ وحدكْ
كنتَ مَشْدوهاً تناجي طَيْفَها:
قلتِ لي منذ زمانْ
لَمْ يَفُت بَعدُ الأوانْ
لَمْ تقولي كم سأبقى أنتظرْ
كَمْ من السّاعاتِ
والأيّامِ
والأعوامِ
والأعمارِ
كَمْ ؟
وأنا مثلُكِ يا نبعَ حنيني
ليسَ لي عمران،
لا أعرِفُ مقدارَ سنيني

شاعر عراقي

    دهشة النص المتفرد بفنية بنائه، وحدها تحث إلى الالتفاتة اليه عبر قراءة جمالية، دون اختيار اسم صاحبه. الدهشة تلك؛ وهي المتعلقة باقتناص شاعر لوقفة أو لحظة احساس بصبيب راقي من الفنية والجمال. فقد لا تطاوع الشاعر دائما ومهما بلغ من قدرة البوح، الكلمات العميقة المعنى، والمقتصدة في التصوير، في الإمساك بحرف جارف بالإحساس، ليكشف عما يفور بدواخله من أطياف رحلاته بين شلالات مشاعر ذاته الرقيقة / المهتاجة / الملتاعة / الرافضة / الغاضبة / الثائرة ….

” راكض لا يتوقف ” نص شعري باذخ بدواله للشاعر العراقي خالد الحلي، وهو عنوان، يشكل لوحده شذرة عتبة تشي بدوام اشتعال حركة وجدانية متواصلة … حركة فعل تساؤلي ثقيل ومستفز لأفق لا جواب لديه، يستعيد فقط صدى السؤال بحسرة، متصل في زمن ذات شاعر متربصة بلحظة وقوف لا نهائية، تعاكس ركض الزمن الكوني. بين هذا الوقوف الإرادي، والركض الأبدي، تشتعل مرارة الانتظار، وغربة الحضور، وقتامة الأمل، وغرابة الإحساس بالعدم …

يقول الشاعر:

الأماني ضَبّبَتْ في مقتليكْ
وجْهَها
انتَزعَتْ من أُذُنيكْ
صوتَها

ويستمر هذا الإجهاد المتواصل ركضا للنفس، في تدكين مشاعر انتظاراتها أكثر، عندما يقول:

لَمْ تقولي كم سأبقى أنتظرْ
كَمْ من السّاعاتِ
والأيّامِ
والأعوامِ
والأعمارِ

كَمْ ؟
وأنا مثلُكِ يا نبعَ حنيني
ليسَ لي عمران،
لا أعرِفُ مقدارَ سنيني

حيث يؤثث الشاعر، في تقابل تعبيري، وبوعي من إدراك حسه الفني، ووعيه الجمعي، مدخلا لبناء نصه على أسس اقتسام احساسه مع الآخر، وهو بذاك يسعى لتحقيق فرادته ككائن مبدع مع بيئته، حينما يستهل بوحه بتوظيف صوت الجمع المبهم:

لم نَعُدْ نَعْرِفُ كَمْ مرّ عليكْ
بانتظارِ الوعدِ واقفْ

لم نعد .. لفظة تضخيم جماعي للدلالة على ارتباط الشاعر بقوة بصوت الآخر الذي يوثق كل أنفاس خطواته، الآخر الذي يتشكل منه جزءا لا يتجزأ، مما يعانيه هو أيضا من خيبة الانتظارات التي تلوح كغبار في الأفق:

باقةُ الورد بَكَتْ بيْنَ يديكْ
وتلاشى عطرها

 ومن خلال هذه الإطلالة الجمالية المختصرة، أستخلص من ثنايا نص الشاعر خالد الحلي، تجلي تيمة شعرية ” صوت العدم “. ليس العدم بمعناه الفزيائي الذي تتبدد فيه كليا الأشياء والموجودات بما فيها الكون. بل العدم في مستواه الإبداعي للشاعر المتمثل في العجز النهائي على القدرة لترسيخ طاقة احتمال أكثر لركض يواكب ركض زمن لا يتوقف عن تدمير ذات الإنسان عبر الإنسان نفسه. 

يقول الشاعر:

 أنا مثلُكِ يا نبعَ حنيني
ليسَ لي عمران،
لا أعرِفُ مقدارَ سنيني

ولا يخلو نص الشاعر خالد الحلي، في بناء رؤيته الفنية والجمالية، من التناص، ومن أساليب التعبير البلاغية المتعددة في تركيب الصور الشعرية، في توزيع إيقاع موسيقي داخلي بين مقاطعه، في توظيف معجم لغوي متميز بسلاسته، وبقدر ما هو سهل الإمساك به قراءة وفهما، بقدر ما هو يفيض قدرة على اختراق معنى الألفاظ والكلمات، وتطويعها بمعنى جديد، يستجيب لحساسيته الشعرية المفرطة في الخلق والإبداع.

وهو يعانق الشعر بشغف كبير، تعبيرا جماليا، سواء عند توصيف حضور الذات أو غيابها، عند الأمل واليأس، عند التعجل والانتظار.. فهو يحاول أن يرمم بأسلوبه ولغته، ما ينقص الإنسان من كمال أوصاف الرغبات بهذا العالم …  تلك الرغبات / الأحلام، التي ستظل حلما سرمديا لن يتحقق أبدا.

وهذه مأساة الشعراء، حين يصطدمون بعدمية خامدة لضوء أحلامهم، وحلم الإنسان المقهور، كما يقول الشاعر العراقي عبد الكريم كاصد في حوار سابق له حول قصيدة لعالم يحتضر:

إن ما يعيشه العالم اليوم ليس محنة الشعر وحده، وإنما هي محنة البشر جميعا، ولا سيما أولئك الذين لا يملكون غير الانتظار.. انتظار الخلاص الذي لن يأتي إلا بعد أن يفقدوا الكثير.

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com